Site icon IMLebanon

المسيحيون مدعوون الى التروي والحكمة! (بقلم رولا حداد)

 

 

من يراقب الحياة السياسية في لبنان يدرك أن لا حلول لبنانية للمشاكل والأزمات التي يعاني منها لبنان. والأسوأ من ذلك أن السياسيين اللبنانيين يدركون أنهم عاجزون عن تحقيق أي خرق في المشهد الداخلي، وينتظرون التطورات الإقليمية والدولية لمعرفة كيف سيكون انعكاسها على الداخل.

لا انفراج في الأفق في المدى المنظور، لا في انتخابات رئاسة الجمهورية، ولا في عمل بقية المؤسسات الدستورية. ولا حلحلة أيضا في الملفات الإقليمية العالقة التي تحتاج لسنوات إضافية طويلة لمعرفة طبيعة الحلول التي سترسو في المنطقة، بدءًا بسوريا، مرورا بالعراق واليمن وليس انتهاء بليبيا وتونس وحتى مصر!

ويؤكد متابعون أننا قد نكون في بداية الأزمات في المنطقة وليس في نهايتها، فعمر “داعش” سنة واحدة، واستعمالاتها لا تزال في بداياتها، في ظل التوسّع السهل الذي تشهده في دول الشرق الأوسط والخليج وصولا الى دول المغرب العربي. وبالتالي فإن أي رهان على حلول في المدى القريب أو المتوسط قد لا يكون في محله على الإطلاق، وخصوصاً في وجود إدارة أميركية كإدارة باراك أوباما بدأ المحللون الأميركيون يصفونها بأنها الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة!

ويُخطئ من يراهن أن أي اتفاق قد توقعه هذه الإدارة الأميركية مع إيران في الموضوع النووي، قد يشكل بداية حلحلة لأزمات المنطقة. فالكونغرس الأميركي يعارض توجهات أوباما، وسيكون للكونغرس حق إسقاط الاتفاق النووي الذي وصفه أبرز محللي “الواشنطن بوست” بأنه أسوأ اتفاق في تاريخ أميركا.

هكذا تبدو التعقيدات شاملة. الولايات المتحدة ستبقى في مرحلة عجز شاملة في انتظار مغادرة باراك أوباما البيت الأبيض، روسيا في موقع ضعيف نسبيا وغير قادرة على المبادرة في ظل انشغالاتها ما بين الأزمة مع أوكرانيا وامتداداتها الأوروبية، وما بين مشاكلها الاقتصادية الداخلية الناجمة عن تراجع أسعار النفط. أما أوروبا التي تعيش هاجس تمدّد الإرهاب إليها فغير قادرة على المبادرة في ظل غياب شريك أميركي فاعل.

في ظل كل هذه الصورة الدولية القاتمة، تبدو الأطراف الإقليمية في المنطقة، وتحديداً إيران من جهة والدول العربية من جهة أخرى في مواجهة من دون ضوابط فعلية بسبب العجز الدولي. وهذا ما يفتح الباب واسعاً أمام محاولات الحسم ميدانياً، وأولا في الميدان السوري. ولذلك يمكن فهم حجم المعارك التي تجري على الساحة السورية، والأهمية البالغة التي توليها إيران لمنع سقوط بشار الأسد، وكيفية توجيه المعارك في اتجاه الحفاظ على الخطة “ب” لقيام دويلة علوية- شيعية. وفي المقابل تدفع الدول العربية في اتجاه تأطير الألوية السورية المعارضة وتجيزها بالحد المقبول لتحقيق إنجازات ميدانية.

وفي الانتظار يراقب اللبنانيون الوضع من موقع المتفرجين والعاجزين، في ظل أكثر من اعتراف بأننا نعيش في “الوقت الضائع”. في هذا الوقت يعمد البعض الى افتعال معارك في غير مكانها وفي غير زمانها، على الأقل انطلاقا من القول المأثور “عند تغيير الدول إحفظ رأسك”!

لكن يبدو أن البعض لم يتعلّم دروس التاريخ، ويصرّ على الممارسة الغوغائية التي تدفع لبنان بالقوة الى جحيم المنطقة، من دون الأخذ في الاعتبار لا المصالح اللبنانية العليا ولا حتى مصلحة المسيحيين الذين تتم المتاجرة باسمهم.

الصورة قاتمة جدا للمرحلة المقبلة، وربما يكون من المفيد، للبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، أن يلجأوا الى الحكمة والتروي وعدم الانجرار وراء شعارات ستؤدي بهم الى عملية انتحار جماعي لما تبقى لهم من حضور ودور فاعل ضمن الشراكة اللبنانية والمناصفة التي أقرّها “الطائف”!