تعرضت السياسة النقدية في العراق إلى اختلال كبير خلال السنوات الماضية أدت إلى هبوط سعر صرف الدينار أمام الدولار، وانعكست سلبا على الحركة التجارية بصورة عامة وأصابها الكساد وارتفعت أسعار المواد الغذائية وغالبية البضائع الاستهلاكية.
ويعزو خبراء ذلك إلى تدخل مجلس النواب في عمل البنك المركزي ومنعه من تلبية الطلب على الدولار في مزاد العملة الأجنبية الذي يقيمه يوميا.
وتنص المادة (50) من قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2015، بأن “يلتزم البنك المركزي بتحديد مبيعاته من العملة الصعبة (الدولار) في المزاد اليومي بسقف لا يتجاوز 75 مليون دولار يوميا مع توخي العدالة في عملية البيع، على أن يطالب المصرف المشارك في المزاد بتقديم مستندات إدخال البضائع وبيانات التحاسب الضريبي والإدخال الجمركي خلال ثلاثين يوما من تاريخ شرائه الدولار، وبخلافه تطبق على المصرف العقوبات المنصوص عليها في قانون البنك المركزي أو التعليمات الصادرة منه واستخدام الأدوات المصرفية الأخرى للحفاظ على قوة الدينار مقابل الدولار”.
غسيل أموال
وقالت عضو اللجنة المالية النيابية نجيبة نجيب للجزيرة نت، إن رئيس اللجنة المالية النيابية أحمد الجلبي وبالتشاور مع أعضاء اللجنة ودون استشارة الجهة المعنية وهي البنك المركزي العراقي بالإضافة إلى الحكومة، وضعت المادة (50) من الميزانية المالية، التي تحدد مبيعات البنك المركزي في مزاد العملة بـ75 مليون دولار يوميا، بعد أن كانت المبيعات تغطي طلب المصارف والصرافات وشركات التحويل المالي، مبينة أن الهدف الأساسي من وضع هذه المادة هو السيطرة على غسيل الأموال في مزاد العملة الأجنبية بعد أن كانت تٌهرّب العملة الأجنبية إلى خارج العراق.
وأضافت أنه بعد تدهور سعر صرف الدينار أمام الدولار في الفترة الأخيرة ثبت عدم نجاح المادة (50) مما دفع مجلس الوزراء إلى إصدار قرار يسمح للبنك المركزي بتغطية الطلب على الدولار في مزاد العملة.
من جانبه، قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي العراقي، ماجد الصوري للجزيرة نت، إن البنك المركزي جهة مستقلة والمسؤول عن تنفيذ السياسة النقدية في البلاد، لكن مجلس النواب تدخل في عمله عبر المادة (50) من الميزانية المالية، مبيناً أن “هذا الأمر يعتبر تدخلا سافرا في عملنا وقمنا بالطعن بالمادة (50) لدى المحكمة الاتحادية وننتظر ردها”.
اختلال
وأضاف أن مجلس النواب وفقا لقانون البنك المركزي هو المشرف على البنك المركزي ولا يحق له التدخل بعمله، وإنما يراقب السياسة النقدية ومزاد العملة الأجنبية والنشاطات الأخرى، مشيرا إلى أن التدخل في عمل البنك المركزي أدى إلى اختلال في السياسة النقدية وتراجع لسعر الدينار أمام الدولار.
كما أوضح أن “البنك المركزي عندما رأى تدهور الدينار أمام الدولار اضطر إلى عدم تطبيق المادة (50) من قانون الموازنة من أجل السيطرة على السوق”.
وقال رئيس رابطة المصارف الخاصة، علي طارق للجزيرة نت، إن البنك المركزي بقى مستقلا حتى بعد إقرار المادة (50) عندما قام بتلبية حاجات السوق وتجاوز السقف المحدد لها وهو 75 مليون دولار، مبيناً أن التأثير الذي حدث هو تقليل مبيعات البنك المركزي بينما السوق تحتاج إلى أموال طائلة من العملة الأجنبية، لأن البلد يعتمد على الاستيراد.
وقال الخبير المالي، علي الصيهود السوداني للجزيرة نت إن “الدستور العراقي نص في المادة 103 على استقلالية البنك المركزي العراقي ماليا وإداريا، والمادة (50) من قانون الميزانية الاتحادية لا تعني شيئا أمام نصوص الدستور العراقي، ولا سيما أن قانون البنك المركزي العراقي مشرّع منذ عام 2004 وهو المسؤول عن السياسة النقدية في البلد.
وأضاف أن وزارة المالية تحاول التدخل المستمر في عمل البنك المركزي من خلال الميزانية التي نصت على قيامه بتخفيض نسبة الاحتياطي القانوني للمصارف لتوفير موارد للميزانية، مما أدى إلى إضعاف السياسة النقدية وزيادة التضخم.