ناضر كسبار
في قرار مهم ومبدئي، ونعتقد أنه الأول الذي يصدر عن محكمة استئناف بشكل مفصّل ودقيق، اعتبرت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت المؤلفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري، ان قانون الايجارات الجديد هو قيد التطبيق ويقتضي، اعمال نصوصه القانونية باستثناء تلك المتعلقة بزيادة بدلات الايجار للمستأجرين الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ثلاثة اضعاف الحد الأدنى للاجور، اذا تقرر الموافقة على منحهم مساعدة الصندوق وذلك لحين تنفيذ قرار الموافقة المذكورة بعد انشاء الصندوق وتنظيم آلية عمله من قبل السلطة التنفيذية، وعلى أن يُحفظ حق المستأجر بالحصول على المساعدة بعد موافقة القاضي المنفرد على منحها له بموجب قرار صادرعنه، على ان تُدفع له عند انشاء وتنظيم الصندوق الخاص بذلك من قبل السلطة التنفيذية، وذلك في سائر حالات استحقاق مساعدة الصندوق ومنها حالات استرداد المأجور.
وتقع أهمية القرار في أنه فنّد الأسباب المفضية الى اعتبار ان القانون الأخير قابل للتطبيق وهو نافذ على الرغم من صدور قرار المجلس الدستوري بإبطال بعض مواده.
ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2/7/2015
في الاساس
حيث ان النزاع الراهن يتعلق بطلب الجهة المالكة استرداد المأجور موضوع النزاع للضرورة العائلية المتمثلة برغبتها في السكن فيه، لقاء تعويض تدفعه للجهة المستأجرة،
وحيث يتبين انه أثير في النزاع مدى وجوب تطبيق قانون الايجارات الجديد الصادر بتاريخ 8/5/2014 والمنشور في ملحق الجريدة الرسمية العدد 27 تاريخ 26/6/2014، والذي أبطل المجلس الدستوري في قراره تاريخ 6/8/2014 بعض مواده، فأدلت الجهة المستأجرة بعدم نفاذ القانون المذكور وعدم قابلية تطبيق احكامه نتيجة إبطال بعض مواده، بينما أدلت الجهة المالكة بوجوب تطبيق القانون المذكور،
وحيث يتبين ان القانون الجديد للايجارات الصادر بتاريخ 8/5/2014 تضمن في بعض احكامه مسائل تتعلق بالنزاعات العالقة أمام المحاكم، الامر الذي يوجب بت ما اذا كان القانون المشار اليه واجب التطبيق ونافذ ام انه غير قابل للنفاذ والتطبيق نتيجة قرار المجلس الدستوري إبطال بعض مواده، على أن يصار الى ترتيب النتيجة القانونية على موضوع الدعوى الراهنة:
أ- في مدى وجوب تطبيق قانون الايجارات الجديد الصادر بتاريخ 8/5/2014
حيث يتبين ان قانون الايجارات الجديد قد صدر وتم نشره في ملحق الجريدة الرسمية العدد 34 تاريخ 19/8/2014،
وحيث انه تخفيفاً من وطأة الآثار التي يمكن ان تنتج عن هذا التشريع الجديد بالنظر للوضع التشريعي الجديد الذي يحدثه، سواء على المالكين والمستأجرين القدامى، أنشأ القانون المشار اليه اليات معينة واجراءات معينة تضمن أمور أساسية هي وفق التسلسل التالي:
1- وضع حد نهائي للنظام الاستثنائي للايجارات التي تعود لما قبل نفاذ القانون 159/92، وفق المادة 15 منه بحيث تمدد هذه الايجارات لفترة سنوات محددة تصبح بعدها حرة،
2- تقرير زيادة على بدل الايجارات خلال فترة التمديد المشار اليها تعويضاً للمالكين عن هذا التمديد (لإقناعهم بقبوله)، حدد مقدارها بنسبة 5% من قيمة المأجور، وفق آلية محددة بالقانون، وتحديداً المادة 7 من القانون، عن طريق انشاء لجنة مؤلفة من قاض عامل او متقاعد واربعة اعضاء يتم اختيارهم وفق الطريقة المنصوص عنها في المادة الآنف ذكرها،
3- مساعدة فئة من المستأجرين الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ثلاثة اضعاف الحد الأدنى للاجور، عن طريق انشاء صندوق لتقديم المساعدة المذكورة للحؤول دون وقوعهم في ازمة اجتماعية نتيجة للزيادات الآنفة الذكر،
وحيث انه بنتيجة الطعن الذي قُدم امام المجلس الدستوري بهدف ابطال القانون المشار اليه، أصدر هذا المجلس بالأكثرية قراره بتاريخ 6/8/2014 (نشر في الجريدة الرسمية في ملحق العدد 34 تاريخ 19/8/2014) القاضي في الأساس:
– برد مراجع الطعن لجهة الاسباب المدلى بها بشأن اصدار القانون ونشره واقراره بمادة وحيدة، ولجهة العدالة الاجتماعية والمساواة والامان التشريعية والحقوق المكتسبة وحرية التعاقد.
– إبطال المواد 7 و13 والفقرة ب-4 من المادة 18 من القانون المطعون فيه.
وحيث انه على ضوء ذلك صدرت عدة آراء تتعلق بقابلية القانون الجديد للتطبيق ام لا، الامر الذي يقتضي معه البحث في اثر قرار المجلس الدستوري على مدى نفاذ قانون الايجارات الجديد المشار اليه، مدى امكانية تطبيق احكامه نتيجة ذلك،
وحيث لهذه الجهة لا بد من التنويه في البدء ببعض المبادئ العامة والثوابت التشريعية الالزامية التي ترعى سواء اساس الحقوق او اصول المحاكمة والاختصاص التالية:
اولا: ان المادة 20 من الدستور نصت على ان السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة، والقضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم،
ثانيا: من الثابت ان قانون الموجبات والعقود هو القانون الاساسي الواجب التطبيق على اساس كافة التعاملات بين الناس في حال عدم وجود نصوص قانونية استثنائية محددة بشكل واضح وصريح، وان قانون اصول المحاكمات المدنية هو الواجب التطبيق على كافة وسائل الاثبات والاجراءات القضائية عند انتفاء وجود أو زوال نص خاص او استثنائي اخر، (ويصح تشبيه الأصل بالسماء والاستثناء بالسحاب فعند زوال السحاب تعود السماء لتسود)،
ثالثا: عملا بأحكام المادة 4 من قانون أصول المحاكمات المدنية، لا يجوز للقاضي تحت طائلة اعتباره مستنكفاً عن احقاق الحق ان يمتنع عن الحكم بحجة غموض النص او انتفائه او ان يتأخر بغير سبب عن اصدار الحكم، وعند غموض النص يفسره القاضي بالمعنى الذي يحدث معه اثراً يكون متوافقا مع الغرض منه ومؤمّنا التناسق بينه وبين النصوص الأخرى، وعند انتفاء النص يعتمد القاضي المبادئ العامة والعرف والانصاف،
وحيث ضمن هذه الثوابت والمبادئ العامة التي ترعى المؤسسات والسلطات الدستورية في لبنان، ينبغي ترتيب النتائج التالية:
1- ان المجلس الدستوري نفسه قد رد المراجعة الرامية الى طلب إبطال القانون الجديد للايجارات بكافة ما تضمنه من مواد وأحكام، وحصر الإبطال بالمادتين 7 و13 والفقرة ب-4 من المادة 18 منه، بحيث لا يمكن القول بعدم إمكانية تطبيق المواد التي لم يبطلها المجلس الدستوري الا عند استحالة التطبيق،
2- ان مسألة ابلاغ قرار المجلس الدستوري من مجلس النواب لا اثر له على نفاذ القانون الجديد،
3- ان مسألة درس اجراء تعديلات على القانون المشار اليه من قبل المجلس النيابي، ليس من شأنه وقف نفاذ القانون المذكور، لا سيما وانه لا يتبين وجود أفق زمني لإنجاز هذه التعديلات، فلا يمكن انتظار إقرار تعديلات قد تمر فترة طويلة لإقرارها، الامر الذي يؤدي الى امكانية تطبيق المادة 4 من الأصول المدنية الآنف ذكرها، لا سيما وإن طلب الاسترداد الراهن مقدم منذ عام 2008،
4- لا يمكن القول بأن اللجنة التي أنشأها القانون المذكور في المادة 7 منه لتحديد بدل المثل (بدل الايجار الجديد)، والتي أبطلها المجلس الدستوري لاحقاً، هي لجنة ادارية، كون المادة نفسها عندما أنشأت هذه اللجنة نصّت في الفقرة الأخيرة منها على انه يكون لهذه اللجنة الصفة القضائية، لا سيما وانها تفصل بمنازعة بين فريقين تتعلق بتحديد بدل الايجار الواجب دفعه خلال فترة التمديد القانوني المحددة في القانون الجديد، والتشريع اللبناني مليء بما يتشابه مع مثل هذه اللجنة التي تتمتع بصفة قضائية (مجلس العمل التحكيمي، لجان الاستملاك، اللجان الناظرة بالاعتراضات على الضرائب)،
5- وتبعاً لإبطال اللجنة المنشأة بنص خاص الآنف ذكرها، فان النص العام يعود للنفاذ بحيث يكون اختصاص النظر بالنزاعات المتعلقة بقيمة الزيادة على بدلات الايجار بين المالكين والمستأجرين الى القاضي المنفرد المدني بوصفه المرجع القضائي العادي لذلك وفق نص المادة 86 من قانون اصول المحاكمات المدنية،
6- لا يمكن القول، وفق بعض الآراء، بأن القانون الجديد في مواده من 3 الى 37 غير قابلة للتطبيق، باعتبار ان ذلك يشمل ما تضمنته المادة 15 من القانون المذكور المتعلقة بتمديد الايجارات التي تعود لما قبل نفاذ القانون 159/92 لمدة سنوات محددة لتصبح حرة بعد ذلك، اذ من شأن ذلك ان يوجب تطبيق القانون العام اي قانون الموجبات والعقود لا سيما المواد 540 وما يليها منه لهذه الجهة، الامر الذي يلزم بإخلاء كافة المستأجرين القدامى فورا ودون مهلة،
7- وفيما يتعلق بالمساعدة التي يطلبها المستأجر في الحالات التي لا علاقة لها ببدل المثل (بدل الايجار الجديد أثناء التمديد)، اذا كان من فئة المستأجرين الذين يحق لهم طلب المساعدة من الصندوق المنشأ، وسائر ما تضمنه القانون من مهام تتعلق باللجنة، فان تلقّي وبتّ طلب المساعدة من المستأجر يعتبر لهذه الجهة متّصفاً بالصفة الرجائية وهو أسوة بالقرارات الرجائية التي تصدر عن القضاء بصفته مرجعاً رجائياً في بعض المواضيع والاختصاصات، كمثل قرارات حصر الارث وقرارات قيد المكتوم، ينظر بها بموجب سلطته الرجائية عن طريق المراجعة الرجائية، وبالتالي فانه بإبطال اللجنة من قبل المجلس الدستوري يعود اختصاص النظر بهذا الامر الى المرجع القضائي العادي، اي القاضي المنفرد المدني الناظر بقضايا الايجارات والاشغال، الذي يتلقى الطلبات الرجائية المتعلقة بالمساعدة من المستأجرين الذين يحق لهم طلبها ويفصل بها بموجب سلطة الامرة الرجائية، ويُنفّذ قراره والألية المحددة لهذه الغاية في القانون الجديد،
8- وبسبب عدم انشاء الصندوق المخصص بمساعدة المستأجرين وتنظيمه من قبل السلطة التنفيذية في ظل الوضع الراهن وتعقيدات انشاء هذا الصندوق وتمويله، لا يعود من مجال لاعمال وتنفيذ القرارات التي تصدر عن القاضي المنفرد، المتعلقة بتحديد بدل مثل المأجور (بدل الايجار الجديد) للمستأجرين الذين يحق لهم طلب المساعدة (للذين لا يتجاوز معدل دخلهم الشهري ثلاثة اضعاف الحد الادنى للاجور) كون المادة 8 من القانون المشار اليه نصت صراحة على تعليق مهلة دفع الزيادة على بدل الايجار الناتجة عن تنفيذ هذا القانون الى حين نفاذ القرار بالموافقة على المساهمة او بعدمها، بحيث انه يصار الى تحديد بدل المثل المذكور من القاضي المنفرد الذي يعود له كذلك اختصاص البت بمدى استحقاق المستأجر للمساعدة عند طلبه ذلك، وفي حال موافقة القاضي المذكور على منح المستأجر المساعدة من الصندوق وبسبب عدم انشاء هذا الصندوق يعلق دفع الزيادات.