ماثيو جاراهان وهانا كوشلر
عصر الإنترنت لم يكن لطيفا مع ناشري الصحف. لقد قتل تقريبا الإعلانات المبوبة، وعمل على تسريع الانخفاض في عدد النسخ الموزعة وتوجيه الأنظار نحو ما يبدو أنه عرض غير محدود من المدونات والفيديوهات والمواقع الإلكترونية.
لكن بعد أكثر من عقد من النضال لمواكبة التكنولوجيا التخريبية، أضاءت بارقة أمل الكآبة السائدة في الصناعة. ومع هذا الأمل يأتي أيضا مصدر كثير من المتاعب التي تواجهها: وادي السليكون.
أعلنت “أبل” و”فيسبوك” خدمات إخبارية يمكن أن تحقق إيرادات مهمة للناشرين، وتوسيع نسبة القراء – وفي نهاية المطاف – تقديم طريق مباشر لهم للاشتراك مقابل رسوم.
أدرجت “فيسبوك” تسعة ناشرين لخدمتها المسماة “إنستانت آرتيكيلز” Instant Articles الخاصة بالمقالات الفورية، وأطلقت بالفعل شكلا محدودا من الخدمة في الولايات المتحدة بمحتوى من “بازفيد” و”أتلانتك” و”نيويورك تايمز”. (وتنوي إطلاق الخدمة في أوروبا قريبا). وفي الوقت نفسه، سجلت أبل عشرات الناشرين في خدمة “أبل نيوز” – تطبيق على غرار مجلة “فليب بورد” سينطلق في الخريف – بما في ذلك “نيويورك تايمز”، و”الجارديان”، و”الإيكونوميست” و”فاينانشيال تايمز”. ونظرا لتجارب الصناعة المؤلمة، قد يكون من الطبيعي أن الناشرين يستقبلون الخدمات الجديدة مع مزيج من الخوف والتفاؤل. مارك تومبسون، الرئيس التنفيذي لـ “نيويورك تايمز”، يشير إلى فوائد كون الصحيفة قادرة على توفير محتواها من الأخبار لجمهور جديد واسع. ويقول: “نحن نتحدث عن فرصة لتوزيع المحتوى دون تكلفة على الإطلاق إلى أكثر من مليار شخص تماما. [فيسبوك] لديه مشتركين أكثر من عدد سكان الصين الشعبية”.
مخاوف الناشرين
لكن هناك مخاوف من أن خدمة أبل نيوز وخدمة المقالات الفورية – اللتين لا تدفعان مقابل المحتوى – ستزيلان فكرة المواقع الإلكترونية للصحف أو المجلات بوصفها علامات تجارية فردية يتم استيعابها بالكامل، بدلا من تفكيكها إلى مواضيع منفصلة ونشرها عبر تطبيقات مختلفة. يقول جوردون كروفيت، المستشار الإعلامي والناشر السابق لصحيفة “وول ستريت جورنال”، إن الخدمات يمكن أن تعمل على “إضعاف العلامات التجارية [للناشرين] باعتبارها مواقع مقصودة (…) وتعزيز العلامة التجارية للمنصة”.
وأعرب ناشرون أيضا في محافلهم الخاصة عن مخاوف بشأن السلطة التي ستمارسها كل من “أبل” و”فيسبوك” والضرر المحتمل الذي يمكن أن تسببه خدمات التجميع الجديدة لنماذج الاشتراك المدفوع. وكانت “أبل” قد أخبرت الناشرين أن خدماتهم سوف تشتمل في نهاية المطاف على إمكانية الاشتراك. ومثل فيسبوك، أبلغتهم بأنهم سيكونون قادرين على الاحتفاظ بجميع إيرادات الإعلانات التي يولدونها. لكن لم تستبعد أي من الشركتين تغيير هذا الترتيب في المستقبل.
فيسبوك وأبل لديهما هدف مشترك هو زيادة الوقت الذي يقضيه المستخدمون على خدماتهما، التي يتم الوصول إليها على نحو متزايد عبر الهواتف الذكية. فقد أصبحت الهواتف الذكية هي الطريقة المهيمنة لقراءة الأخبار. ووفقا لكين دوكتور، المحلل في نيوزونوميكس، سيشهد هذا العام المرة الأولى التي تكون فيها الهواتف الذكية مسؤولة عن 50 في المائة من استهلاك الأخبار، صعودا من 25 في المائة عام 2012.
ويقول إن ما يدفع اهتمام فيسبوك وأبل بالأخبار “هو وصول الهواتف الذكية باعتبارها نقطة الوصول الأولية بالنسبة لكثير من القراء”. ويضع ناشر كان قد أجرى مفاوضات مع كلتا الشركتين الأمر بطريقة مختلفة، مشيرا إلى أن فيسبوك وأبل “استيقظتا أخيرا على حقيقة أن الأخبار تملك قيمة على الهاتف الخلوي”.
دفعة للنشر
إن إشارة شركتين من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم إلى وجود قيمة في قطاع شطبه كثير من المستثمرين عادة ما تكون سببا للاحتفال في صناعة لم تحصل في الآونة الأخيرة على شيء يذكر لتحتفل بشأنه. في الولايات المتحدة، الإيرادات المجتمعة لإعلانات الصحف من المصادر المطبوعة والرقمية تراجعت من نحو 50 مليار دولار في عام 2005 إلى 20 مليار دولار في العام الماضي، بحسب مركز بيو للأبحاث. وفي تلك الفترة، زادت إيرادات الإعلانات الرقمية على المواقع الإلكترونية للصحف من ملياري دولار إلى 3.5 مليار دولار فقط.
والتوزيع لم يحقق نجاحا أفضل بكثير. في الولايات المتحدة، انخفض معدل التوزيع المدقق بما يصل إلى 50 في المائة بالنسبة لبعض الصحف اليومية الكبيرة في مدن مثل ميامي وسان فرانسيسكو منذ عام 2005، وذلك وفقا لبيانات من تحالف وسائل الإعلام المدققة. والصورة قاتمة بالمثل في المملكة المتحدة: صحيفة “ذا صن”، أكبر صحيفة من حيث المبيعات في المملكة المتحدة، خسرت مليون قارئ منذ عام 2008، وذلك وفقا لأرقام صادرة من مكتب تدقيق التوزيع، في حين أن هناك صحفا شعبية ومطبوعات تبيع نسخا أقل. وفي الشهور الـ 12 الماضية انخفض توزيع الصحف اليومية في المملكة المتحدة بنسبة 7.6 في المائة إلى متوسط يبلغ أكثر من سبعة ملايين بقليل.
أدخلت معظم الصحف اليومية الكبيرة مواقع إلكترونية مقابل رسوم لتعويض الإيرادات المفقودة من انخفاض مبيعات الصحف المطبوعة والإعلانات، لكن مع نجاح محدود. مثلا، “نيويورك تايمز” لديها فقط نحو مليون مشترك رقمي، في حين أن “وول ستريت جورنال” جمعت 725 ألف قارئ رقمي من دافعي الاشتراكات. لكن مجموعة تريبيون للنشر، التي تملك عشر علامات تجارية يومية منها “لوس أنجلوس تايمز” و”شيكاجو تريبيون” و”بالتيمور صن”، كان لديها 67 ألف مشترك فقط يدفع رسوما عبر محفظتها في نهاية الربع الأول، وذلك وفقا لملفات الشركة.
بينما يعاني الناشرون مع التحول إلى الرقمية، الرغبة في الأخبار عبر الإنترنت ترتفع على وسائل الإعلام الاجتماعية. وهذا الاتجاه يتلخص في نمو المواقع المجانية مثل بازفيد، المتخصص في المحتوى سريع الانتشار. يقول تومبسون: “البحث يصبح أقل انتشارا والتطبيقات الاجتماعية تصبح أكثر انتشارا بكثير في اكتشاف المحتوى”.
وبحسب دوكتور، ظلت خدمة جوجل نيوز لعدة أعوام “مهيمنة على الاكتشاف الخارجي للأخبار عبر الإنترنت”. وقد شعر الناشرون بالسخط من قوتها وسيطرتها على السوق لكن “الآن لديهم مصدر جديد للحركة” – خدمة المقالات الفورية من فيسبوك وخدمة أبل نيوز – “وآمال أكبر لتحقيق الأرباح”. وهناك تطبيقات أخبار أخرى، مثل فليب بورد، فشلت في الانطلاق كخدمة متميزة. فهل ينجح فيسبوك وخدمة المقالات الفورية بطريقة مختلفة؟
الطلب على الأخبار
فيسبوك راسخ بشكل جيد في تحويل مستخدميه إلى المواقع الإخبارية. و”جوجل” هي المحول الأكبر عبر الإنترنت وكانت مصدر نحو 41 في المائة من جميع الحركة عبر الإنترنت بين كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) من هذا العام. لكن بحسب شركة بارسلي للتحليلات، وسائل الإعلام الاجتماعية بقيادة فيسبوك بدأت تتقدم عليها، بتوليدها نحو 36 في المائة من التحويلات المرورية. ونحو ثلث البالغين في الولايات المتحدة يقرأون الأخبار أو يشاهدونها على فيسبوك، تماما أقل من نصف النسبة البالغة 64 في المائة التي تستخدم شبكات التواصل الاجتماعية، وذلك وفقا لبيانات صادرة عن مركز بيو للأبحاث تم نشرها في أيلول (سبتمبر) الماضي. وهذا مقارنة بـ 8 في المائة من البالغين في الولايات المتحدة الذين يقرأون أخبارهم على موقع تويتر.
ويريد فيسبوك زيادة الوقت الذي يقضيه مستخدموه على المنصة: الأخبار تجذب الأشخاص إلى تطبيقه على الهاتف الخليوي بشكل أكبر وتشجعهم على البقاء هناك لفترة أطول. مع ذلك، المواضيع التي تحتوي على روابط تقوم بتحويل المستخدمين بعيدا عن الخبر إلى مواقع أخرى تستغرق بضع ثوان إضافية للتحميل. يقول مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لفيسبوك: “الناس لا تريد الانتظار كل هذا الوقت، لذلك الكثير منهم يتخلى عن الخبر حتى قبل أن يتم تحمليه”.
وتم إنشاء خدمة المقالات الفورية لحل هذه المشكلة. إذ يقوم التصميم بإظهار كامل المقالة على موقع فيسبوك، بدلا من تحويل القارئ إلى الموضوع ضمن متصفح صغير في التطبيق.
ويقول مايكل ريكو، مدير خدمة المقالات الفورية على فيسبوك: “كل ثانية مهمة. السرعة هي السمة الأكثر أهمية التي يمكنك تحقيقها في تجربة الهاتف الخلوي”. ويقول إن فيسبوك يملك الأدوات لتحميل المقالات بسرعة تصل إلى عشرة أضعاف، من خلال تبسيط طلبات الشبكة المعقدة التي لا يملكها ناشرو الأخبار. كذلك يسمح التصميم الجديد بالمزيد من الصور والعناصر التفاعلية دون تخفيض السرعة. “مستخدمو فيسبوك (…) يتبادلون الكثير من الروابط التي تؤدي إلى المقالات الإخبارية”.
وتعاقد فيسبوك مع تسعة ناشرين في خدمة المقالات الفورية؛ وأبل لديها عدة عشرات من الناشرين يراوحون من “الإيكونوميست”، و”بوليتيكو”، و”ديلي تليجراف” إلى مجلات مثل “جي كيو”، و”فانيتي فير”، و”ماري كلير”.
الحديقة المسورة
مجموعة نيوز كورب، التي تملك محفظة صحف كبيرة، منها “وول ستريت جورنال”، و”ذا صن” و”التايمز”، لم تشارك في أي من المشروعين. روبرت تومسون، الرئيس التنفيذي في نيوز كورب، يقول إن هذه المبادرات تقوم بإعادتنا إلى “الحديقة المسورة على غرار خدمة أمريكا أون لاين قديمة الطراز” للإنترنت قبل 15 عاما.
ويشير إلى أن توفير المحتوى لخدمات الأخبار هذه يمكن أن يلحق الضرر بهوية العلامات التجارية الفردية في نيوز كورب. ويقول: “التجميع الفظيع يأخذ أشكالا مختلفة وليس هناك أي هدف ملموس في السماح بأن يتم إغراق هويتنا وعوائدنا في سيل من المحتوى. إن صحافتنا متفوقة وتملك قيمة تجارية، بالتالي لماذا نسمح بأن يتم تقويض هذه القيمة الهائلة في تصاميم محتوى تتعامل معها كسلعة؟”. لكن بالنسبة لناشرين آخرين، فإن احتمال الوصول إلى جمهور أصغر سنا – القراء الذين لا يميلون لدفع المال من أجل الاشتراك الرقمي – يتفوق على أي شكوك. يقول تومبسون، من صحيفة “نيويورك تايمز”: “إذا كنت تعتقد أن هؤلاء المستخدمين الرقميين من غير المرجح أن يصبحوا مشتركين، فإن حقيقة أنك تستطيع تحقيق الأرباح منهم من خلال الإعلان تصبح بمنزلة انتصار بحد ذاته”. الخدمات ينبغي أن تسمح للناشرين بتقديم بعد آخر لحزمهم من مبيعات الإعلانات، وذلك وفقا لدوكتور، من نيوزونوميكس. “إذا كنت صحيفة نيويورك تايمز وأبرمت صفقة مع شركة فورد ونظمت حملة بقيمة 400 ألف دولار لهم، عندها بإمكانك وضع الإعلانات على الموقع الإلكتروني NYTimes.com الخاص بصحيفة نيويورك تايمز، وبإمكانك وضعها في تطبيقات الأخبار الخاصة بك، والآن بإمكانك وضعها بجانب مواضيع نيويورك تايمز على فيسبوك. هناك توزيع أكثر وعدد أكبر من الجمهور لكن [بفضل فيسبوك] هذا الجمهور سيكون أصغر سنا”.
إضافة الخبرات
لكن هناك مخاوف عالقة أخرى بالنسبة للناشرين. فشركات التكنولوجيا تقوم بما هو أكثر من مجرد كونها قناة ومنصة للأخبار والإعلانات. إنها تتعدى على مجال الصحف والمجلات بأن تمارس الصحافة وتقوم بتوظيف أشخاص لإصدار أحكام خاصة بالتحرير حول اختيار المواضيع والمكان الذي توضع فيه. وبدأت أبل أخيرا بوضع إعلانات تطلب فيها محررين للعمل على خدمة أبل نيوز، كجزء من حملة لإضفاء الطابع الشخصي على الأخبار التي تسعى إليها مع خدمتها الجديدة لبث الموسيقى، أبل ميوزيك. وذكر إعلان حديث عن وظيفة أنه يبحث عن صحافيين لديهم “خبرة في غرفة الأخبار” وقادرين على “معرفة المواضيع الأصلية المقنعة التي من غير المرجح أن يتم التعرف عليها من قبل الخوارزميات”.
موقع تويتر أيضا يسعى لتعيين صحافيين. وسيقدم ما يسمى “بروجيكت لايتنينج” الخاص به، المقرر أن يتم إطلاقه في الخريف، الأخبار التي تتدفق بالفعل في منصة الرسائل بطريقة تجعل من السهل العثور عليها. وتعكف الشركة على تكوين فريق التحرير الخاص بها لاختيار أفضل 25 ـ 30 تغريدة فيما يتعلق بمواضيع معينة.
ومن غير الواضح كيف سيحدد كل من فيسبوك وأبل السياسات التحريرية الخاصة به. ومثل فيسبوك، لم توضح أبل بعد ما إذا كانت ستقوم بتوزيع المواضيع عن أنشطتها الخاصة، مثلا. وتقول إميلي بيل، مديرة مركز تاو للصحافة الرقمية في كلية كولومبيا للصحافة في نيويورك، إن هذا يثير تساؤلات مهمة بالنسبة للناشرين.
وتضيف: “الصحافة دائما ما كان لديها استقلالية الإنتاج والتوزيع. لكننا نبتعد عن ذلك لأول مرة”. ويصبح الناشرون “معتمدين على بنية السلطة التي ينبغي نشر الأخبار عليها”. وتقول إن كل هذا يتراكم ليصبح صفقة خاسرة بالنسبة لصناعة لا تملك الكثير من الخيارات. “فليس هناك ما هو شفاف بشأن هذه المنصات. لكنك لا تملك كثيرا من الخيارات سوى احتضانها إذا أردت أن تصل إلى جمهور وتبقى على اتصال”.