ذكرت صحيفة “الأنباء” الكويتية أن خمسة أمور أغضبت العماد ميشال عون في جلسة 2 تموز الحكومية وبعدها ودفعته الى تصعيد موقفه ورفع سقفه السياسي و«العملاني»:
1 ـ فرض جدول الأعمال الذي أعده رئيس الحكومة تمام سلام وتجاهل مطلب وزراء تكتل الإصلاح والتغيير أن يكون تعيين قائد للجيش بندا أول.
2 ـ إقرار بند دعم تصدير المنتجات الزراعية والصناعية، وبالتالي كسر موقف عون بعدم إقرار أي بند قبل بت موضوع التعيينات.
3 ـ كلام سلام أثناء الجلسة عن «البكائية العونية» وتوجهه الى وزراء عون بقوله إنكم أخذتم حقكم وزيادة، مسقطا أي احتمال وإمكانية بتلبية مطالبهم وحصولهم على مكاسب جديدة.
4 ـ طرح تغيير آلية عمل الحكومة، التي كان اتفق عليها لفترة الشغور الرئاسي بتوافق المكونات الأساسية، وحيث ان لكل مكون حق الاعتراض على أي قرار ووقف اتخاذه أو تنفيذه، هذه الآلية تغيرت الآن واستبدلت بآلية جديدة هي «اعتماد التصويت» على القرارات (النصف زائد واحد أو الثلثين)، ما يجعل أن موقع وتأثير عون في مجلس الوزراء أصبح هامشيا: فالنصاب الميثاقي مؤمن عبر «اللقاء التشاوري» (المسيحي)، والنصاب السياسي قائم عبر تحالف بري والحريري وجنبلاط.
5 ـ تحديد موعد لجلسة جديدة لمجلس الوزراء تبدأ من حيث انتهت الجلسة الأخيرة على طريقة «ضرب الحديد وهو حام»، ووفق الآلية الجديدة: اتخاذ القرارات مع تسجيل اعتراضات المعترضين في مجلس وزراء بات موزعا بين محورين: أكثرية وأقلية.
مجمل هذا التوجه الذي يقوده الرئيس تمام سلام بدعم من بري والحريري وجنبلاط اعتبره عون بمنزلة تحد واستفزاز له، هو نوع من «الإحراج للإخراج من الحكومة»، ولكن عون ليس في وارد الخروج والاستقالة من الحكومة. فهذا ليس في مصلحته وكمن يطلق النار على رجليه، وسياسته هي «المشاكسة والمشاغبة» من داخل الحكومة على إيقاع ضغوط إعلامية ونفسية وربما «شارعية».
نجح العماد عون في فرض إيقاعه السياسي على الوضع العام وفي لفت الأنظار وإعادة خلط الأولويات في الشكل على الأقل: الصراع السني ـ الشيعي ينافسه صراع آخر إسلامي ـ مسيحي وتحديدا أكثر سني ـ ماروني. معركة رئاسة الجمهورية «المعركة السياسية الأم» تطورت في اتجاهات جانبية وتفرعت عنها معركتان: معركة صلاحيات رئاسة الحكومة التي يخوضها سلام، ومعركة تحصيل حقوق المسيحيين التي يخوضها عون. وبالإجمال فإن هذا التأزم الحكومي الذي يعتبر من التداعيات الطبيعية للفراغ الرئاسي بدأ يتحول الى أزمة سياسية من خارج السياق العام وتبدو مفتعلة في توقيتها ومضخمة في حجمها.
وإذا كان عون نجح في فرض إيقاعه فإنه لم ينجح حتى الآن في فرض «أجندته»، ويواجه في الواقع وضعا سبق أن واجهه وبنسب متفاوتة في العقدين الأخيرين قبل العام 2005 وخلاله، وهو في «المأزق السياسي» لمجرد أنه أصبح في وضع يصعب فيه التراجع الى الوراء، لأن أي تراجع في أهم وآخر معاركه السياسية سيكون إقرارا بالخسارة، كما يصعب عليه التقدم الى الأمام لأن التصعيد في هذه الظروف والمعطيات مكلف وغير مضمون النتائج.
ويمكن تعداد أوجه المأزق والصعوبات التي يواجهها عون في النقاط التالية:
1 ـ صعوبة تحريك الشارع بعد سنوات من السكون. فالماكينة الحزبية تحتاج الى «تزييت»، والقاعدة الشعبية تحتاج الى تعبئة لم تكتمل عناصرها، مع وجود ثغرات في الاستراتيجية والأهداف، وأيضا وجود مخاطر ومحاذير لـ «لعبة الشارع» في هذه الظروف الحساسة. وما ينطبق على التيار الوطني الحر ينطبق على كل الأحزاب والتيارات.
2 ـ عدم توصل عون الى ردم الهوة الموجودة بين مطالبه وأهدافه «المسيحية» (المشاركة في الحكم والقرار وتحصيل الحقوق)، وأهدافه المباشرة في معركتي رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، خصوصا مع صعوبة نفي البعد أو الطابع الشخصي في هاتين المعركتين.
3ـ طبيعة الدعم المقدم من حلفاء عون له، وخصوصا من حزب الله، والذي يقف عند حدود «عدم سقوط الحكومة». فهذا الدعم سياسي معنوي وتنقصه الترجمة العملية، وينطوي على مسايرة لعون مجاراة لموقفه ولا ينطوي حتى الآن على استعداد للانخراط في خططه أو للوقوع في فخ الاستدراج الى وضع لا يندرج في سياق المرحلة ولا يصب في خدمة أهدافها.
4 ـ مقابل عدم حماسة الحلفاء، تبرز اندفاعة الخصوم خصوصا تيار المستقبل الذي يخدمه هذا النوع من المعارك في شد عصب قواعده وفي التخفيف من الضغوط والمشاكل التي يواجهها، وفي تحويل الأنظار عن معركته الصعبة والأساسية مع حزب الله. فمعركة المستقبل مع عون هي معركة سهلة ويخوضها من موقع مريح في ظل مساندة ودعم الرئيس بري الذي يعد الثغرة ونقطة الضعف الأساسية في معركة عون.
5 ـ الموقف الدولي الإقليمي الذي يعطي أولوية لحفظ استقرار لبنان وإبعاده عن الأزمة السورية، وهذا لا يكون إلا عبر الحفاظ على استقرار واستمرار الحكومة، المؤسسة الدستورية الوحيدة العاملة في ظل فراغ وشلل مؤسستي رئاسة الجمهورية ومجلس النواب. هذا الموقف لا يرى المشكلة في تعيينات وتغييرات عسكرية وأمنية، وإنما في عدم وجود رئيس للجمهورية، ولا يرى الحل في تغيير قائد الجيش وإنما في انتخاب رئيس جديد.
مجمل هذا المأزق يواجهه عون ويراهن عليه تيار المستقبل، فهل يرد عون بتحويل مأزقه الى «مأزق للجميع»؟ وهل يقع المستقبل في خطأ تقدير وحسابات؟