Site icon IMLebanon

البغدادي رجل يحارب العالم ويدمره

 حلمه أن يكون خليفة لمليار من “المسلمين”. هذه هي القصة الحقيقية للعقل المدبر للدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، كما روتها مجلة لوبوان في عددها الأخير.

قبل بضعة اشهر كان قائد جماعة الصقور، وهي وحدة صغيرة من نخبة جهاز الاستخبارات العراقية، على وشك القضاء على ابو بكر البغدادي، بعد ان وصلته معلومة من احد مخبريه، تشير إلى أن خليفة الدولة الاسلامية يختبئ في شمال بغداد، وبالتحديد في مدرسة القيم الابتدائية.

بمجرد سماعه الخبر، اتصل مسؤول الصقور بقائد القوات الجوية العراقية، طالبا منه البدء في عملية جوية فورا، لكن هذا الاخير تروى لطلب تفاصيل اكثر، لانه لا يستطيع ان يضرب مدرسة من الجو، حيث كان يرغب في معرفه اسم الهدف، ويقدر هو نفسه أهمية العملية.

علا صوت الرجلين، ولم تتوجه الطائرات الى الهدف، الا بعد مرور ساعة، تدخل خلالها رئيس الحكومة العراقية، الذي اتصل بنفسه بالجنرال، وحل المشكلة بين الضابطين.

تمت العملية، لكنها جاءت متأخرة كثيرا، حيث كانت البنايات التي استهدفت خالية، فيما قتل احد حرس البغدادي خلال الضربة، التي استهدف موكب السيارات التي كانت تستعد لمغادرة المدرسة، واما زعيم داعش فلا أحد من التحالف ضد الدولة الاسلامية يعرف مكان تواجده اليوم.

 

هروب الجنرالات العراقيين

إلا ان بعض الاشاعات غير المؤكدة تماما أشارت الى ان الاصابات، التي تلقاها على مستوى البطن والظهر، دفعته الى التخلي عن القيادة لأحد ضباطه في سوريا، حيث يتلقى فيها العلاج بصفة يومية، وأما آخرون فيؤكدون انهم رأوه في تدمر قبل بضعة أسابيع. وهناك ايضا التسجيل الصوتي الذي يتم تداوله، ولكن لا احد يعرف تاريخ تسجيله، غير أن البغدادي يظهر، وهو يشجع جنوده بصوت واضح وهادئ تماما.

والمؤكد ان مسؤول خلية الصقور ما يزال في حالة غضب شديد، لقد كان على وشك القضاء على البغدادي، فلو استمعوا اليه لكان الخليفة قد انتهى ولأصبح هو بطلا.

وهذه ليست هي المرة الأولى التي يسخر فيها البغدادي من الجيش العراقي، ففي العام الماضي تمكن من الاستيلاء على الموصل في ظرف ساعات، بعد أن نجح في تجاوز الشعبة العسكرية الثانية التابعة للجيش العراقي، رغم أنها إحدى أشهر شعب الجيش، حيث يصل تعداد رجالها إلى 12 الف رجل، واما سبب الإخفاق فهم الجنرالات العراقيون، الذين فروا بواسطة مروحية منذ بداية اطلاق النار، وتركوا جنودهم لمصيرهم، يواجهون داعش من دون قيادة.

 

غنيمة الحرب

سمحت هذه العملية العسكرية للبغدادي بوضع يده والسيطرة في ظرف بضع ساعات على غنيمة حرب حقيقية، تتمثل في 400 مليون دولار، كانت في خزائن بنك المدينة، و800 مواطن تركي، تمكن بفضلهم من التفاوض مع أنقرة.

وعلاوة على جيش الجهاديين الذين قدموا من العالم بأسره، فإن البغدادي يملك عدة مروحيات ومئات الشاحنات والسيارات المصفحة، واستولى أيضا مع تنظيمه على سلاح حديث جدا، اهداه الاميركيون مؤخرا للقوات العراقية، ويتعلق الامر بصواريخ مضادة للدبابات وآلاف البنادق الرشاشة واجهزة للرؤية الليلية ومتفجرات.

لا يزال الرجل الذي هز الكون كله غامضا، حيث تحاول كل اجهزة الاستخبارات العالمية التعرف على تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة وعن شبابه. وكل ما يعرف عنه، أنه ولد قبل 44 عاماً وانه درس في بغداد وحائز على دكتوراه في العلوم الإسلامية.

وما يعرف ايضا عن البغدادي هو انه تزوج عدة مرات، واحدى زوجاته، وفق ما اكدته الاستخبارات اللبنانية، وضعت مولودها قبل بضعة ايام في مركز احتجاز، بالقرب من بيروت توجد فيه منذ شهور، غير ان التحقيقات معها لم تفض الى شيء، فيما اكد اختبار “الدي أن أي”، الذي أجري للمولود، ادعاء المرأة التي قالت إنها لم تعش مع البغدادي سوى بضعة شهور، وأنها ليست على اتصال معه منذ عدة سنوات، ذلك انها ارتبطت بفلسطيني لم يلتق زعيم الدولة الاسلامية.

وفي ما يخص وجهه، فلا توجد للبغدادي سوى صورتين التقطتا له حين اوقفته القوات الاميركية لمدة شهور في عام 2004، وفي الصورتين، يظهر الجهادي مسالما، مثلما يظهر هادئا ايضا في الفيديو الذي تم تسجيله في يونيو 2014 في مسجد الموصل الكبير خلال خطبة احتفى فيها البغدادي بانتصاره على الجيش العراقي وحفز فيها جنوده ودعا الى قيام دولة الخلافة.

هذا الفيديو، الذي ظهر فيه البغدادي مرتديا ساعة رولكس كبيرة في معصمه، جاب العالم كله واثار مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ما عدا ذلك لم نسمع او نر شيئا عن البغدادي الذي يحب السرية، واما انجازاته العسكرية فتتحدث عن نفسها بنفسها وتكفي لتصنع منه اسطورة.

لقد استولى البغدادي على مدينة الرقة السورية منذ ربيع 2013، ثم استولى على الفلوجة في شرق العراق في ربيع 2014، وهو الان يسيطر على شمال شرق سوريا وثلث العراق، حيث طرد السوريين من أراضيهم في شمال العراق ولا يزال يهدد بغداد ودمشق اللتين يقترب منهما برجاله اسبوعا بعد أسبوع.

ولا شك ان بمقدور البغدادي أن يتلذذ بانتصاراته وهو غير بعيد ابدا من تحقيق حلمه، وهو الغاء الحدود العراقية ـ السورية واقامة دولة “جهادستان” التي لم ينجح بن لادن ابدا في اقامتها في افغانستان.

بايع الجهاديون في العالم كله، سواء في افريقيا جنوب الصحراء أو ليبيا أو تونس أو مصر الخليفة الجديد، وحتى في قطاع غزة، بدأ رجاله بمنافسة حركة حماس، وقد تلقت المنظمة الفلسطينية معلومات من الاستخبارات الاسرائيلية للتغلب على هؤلاء المنافسين.

هذا وقد تم استخدام الكثير من الامكانات من أجل القضاء على عدو الكون رقم واحد، حيث اقترح مكتب التحقيقات الفيديرالي جائزة 10 ملايين دولار لتحقيق الهدف، فيما تحاول الاقمار الصناعية 24 ساعة على 24 التنصت على مكالماته الهاتفية، وقد عادت الاستخبارات البريطانية الى تركي البينالي وهو استاذ سابق لاحد ضباط البغدادي، مسجون في الاردن، ويعد احدى شخصيات تنظيم القاعدة في المنطقة، حيث سلمه البريطانيون رقم هاتف تلميذه السابق حتى يتصل به ويطلب منه الرأفة على الرهائن البريطانيين، لكنه لم ينجح.

وتشير التقارير الى ان البغدادي شخص حذر جدا، لذلك فهو نادرا ما يتنقل ولا يستخدم تكنولوجيا عصرية ويسير في سيارة لا تحمل اي علامات حتى يتفادى هجمات الطائرات من دون طيار، وحين يتنقل داخل امبراطوريته الصغيرة، يرتدي قناعا لا يظهر سوى عينيه، مثلما يفعل غالبية اعضاء حراسته، حيث يخشى دوما ان يخونه مخبر او احد قادة القبائل التي بايعته. والبغدادي يعرف المنطقة جيدا، فهو من محافظة ديالى شرق العراق وينحدر من مدينة سامراء في شمال بغداد، ويزعم انه ينتمي الى سلالة الرسول.

 

حكيم في مواجهة أمراء الحرب

عام 2004 لم يكن أبو بكر البغدادي سوى قائد خلية جهادية متواضعة، لم يكن في جعبتها سوى بعض العمليات الصغيرة التي لا تذكر، واما الرجل القوي حينها، والذي دعا الى الجهاد ضد الاميركيين بعد اجتياحهم العراق، فكان ابو مصعب الزرقاوي، ولا احد كان يتجرأ على منازعته او الاحتجاج على قيادته للقاعدة في المنطقة.

ضاعف الزرقاوي هجماته ضد الجنود الاميركيين، وفي تلك السنة ذبح بنفسه رجل الاعمال الاميركي نيكولاس بيرغ. في تلك الفترة كان زعيم داعش في السجن، بعد ان ألقت القوات الاميركية القبض عليه خلال عملية عسكرية ضد الارهاب.

وكان البغدادي بدون سلاح في المنزل الهدف، والقوات الخاصة لم تكن تعرف شيئا، ولا سمعت اي معلومات عنه حين القت القبض عليه، لذلك تم نقله الى معسكر بوكا في جنوب العراق، وهو سجن كبير تم افتتاحه في 2003، وكان الاميركيون يضعون فيه الجهاديين وكوادر نظام صدام حسين. في الوقع كان هذا السجن اقرب الى غوانتانامو في الصحراء ويضم عدة آلاف من السجناء.

قبل بضعة اسابيع، وبعد سنتين من التحقيق نشر الصحافي البريطاني مارتين شولوف في الغارديان شهادة مفاجئة لأحد قادة داعش، حيث اكد هذا الاخير كيف اصبح معسكر بوكا شيئا فشيئا وكرا لقادة داعش الحاليين: “في الخارج كنا مطاردين، واما في داخل السجن، كنا معا في المكان ذاته وفي امان.لقد كنا بالقرب من أبرز قادة القاعدة والمقربين من ابي مصعب الزرقاوي، وكان لدينا الوقت الضروري لتبادل وتقدير كفاءات ومعرفة كل واحد منا”.

ويؤكد مندوب سابق في اللجنة الدولية للصليب الاحمر زار المعسكر عدة مرات لمجلة لوبوان هذا الوضع السريالي: “كان الضباط الأميركيون الذين يديرون المعسكر يعرفون فداحة ما يجري داخله مع عمليات الايقاف الكبيرة والمكثفة. لقد كانوا يأتون لرؤيتنا لطلب النصيحة، ولكن في النهاية كانوا يواجهون جدارا لان مسؤوليهم لم تكن لديهم رغبة في الاستماع اليهم.. وكل اقتراح كنا نقترحه من اجل تحسين الوضع في معسكر بوكا، كانوا يردون بالاجابة نفسها: انها اوامر واشنطن، لا نستطيع فعل شيء.”

تعلم ابو بكر البغدادي الكثير خلال فترة سجنه، وكان محترما ومسموعا حتى من قبل الأميركيين. ويؤكد من القتوا به خلال تلك الفترة بأنه كان موهوبا جدا في فض النزاعات بين السجناء وادارة المعسكر، والعديد من الشهادات اكدت تميزه وروح الزعامة والقيادة التي تسكنه، وبفضل شهادة الدكتوراه في العلوم الاسلامية التي حصل عليها من جامعة بغداد الاسلامية كان الخليفة يبدو شخصا حكيما في مواجهة امراء حرب يفتقرون للتكوين الديني والفكري.

قائد عسكري وديني

في البيانات الرسمية لداعش يذكر دوما اسم الخليفة كاملا: ابو بكر البغدادي القرشي “نسبة الى قبيلة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم” الحسيني اثبات نسبه مع الرسول” وقد عزز هذا بشكل كبير هالته كقائد عسكري وديني.

سياسة إقصاء السنة فاشلة

التحق البغدادي بعد خروجه من السجن بحركة جهادية، كانت منسجمة ومنسقة، لكنها كانت ضعيفة على الميدان، فبعد ثلاث سنوات على الدخول الأميركي للعراق، فهم الجيش الاميركي ان سياسة “اجتثاث البعث” واقصاء السنة ستنتهي بالفشل، لذلك اعاد بعض السلطات لزعماء القبائل السنية، الذين كانوا مهمشين، وكانوا يدعمون في الغالب تنظيم القاعدة.

كان هؤلاء القادة السنة يرغبون في البداية ان يعم الأمن اراضيهم في شمال شرق البلاد، والكثير منهم فهموا ايضاً ان مصلحتهم العمل مع الأميركيين، الذين وضعوا تحت تصرفهم الكثير من الإمكانات لاستمالتهم، وفعلاً تراجعت العمليات الارهابية، فيما تم القضاء على الكثير من قاعدة تنظيم القاعدة، ففي يونيو 2006 قتل الزرقاوي في هجمة جوية اميركية في ديالى، التي ينحدر منها البغدادي.

استقطاب الجماعات الجهادية

في اقل من سنتين، لعب داعش دورا كبيرا في استقطاب الجماعات الجهادية في مصر وتونس وحتى في القوقاز واسيا الوسطى، والعديد من القادة العسكريين في تنظيم الدولة حاربوا لسنوات ضد القوات الروسية في الشيشان. وهذا ليس كل شيء، فاجهزة الاستخبارات الغربية تخشى ايضا من عودة الشباب الاوروبيين الذين غادروا للجهاد في صفوف داعش.

 

معسكر بوكا

يذكر ان الاميركيين قد افرجوا عن البغدادي في عام 2004، بسبب عدم امتلاكهم اي دليل ضده، لكن السجناء كانوا يغادرون سجن بوكا وقد اخفوا في ملابسهم الداخلية رسائل وتعليمات بالاضافة الى طرق الاتصال في ما بينهم وهكذا بدأت شبكة معسكر بوكا في التنظيم، ويعد اليوم قاعدة داعش ويقول البعض ان ثلث الكوادر المهمين في خلافة البغدادي قد قضوا فترة ما في معسكر بوكا.