عدنان الحاج
يرتدي الحديث عن تفاقم تراجع المؤشرات الاقتصادية والمالية أهمية خاصة في هذه المرحلة الحرجة سياسياً وأمنياً، مع انعدام محاولات المعالجة وتزايد التفتت الداخلي وتعاظم التحديات في المنطقة. فالبلد متروك للتطورات من دون محاولات الحد من الآثار السلبية على الوطن والمواطن، باستثناء بعض التدابير الخاصة بالحفاظ على الاستقرار النقدي من قبل السلطات النقدية والمصرفية، مع العلم أن التراجعات لم تستثن هذا القطاع من خلال تراجع التسليفات المصرفية للقطاعات حوالي 62.1 في المئة مقارنة مع العام 2014، حيث تراجع نمو التسليفات من حوالي 1240 مليون دولار حتى أيار 2014 إلى حوالي 470 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2015، إي بـــتراجع حوالي 770 مليون دولار في الأشهر الخمسة الأولى من السنة. هذا مع العلم ان الودائع زادت خلال هذه الفترة حوالي 880 مليون دولار، بما نسبته 31 في المئة، على اعتبار أن المصارف احضرت من الخارج حوالي الملياري دولار، نتيجة انعدام التوظيف وفرص الاستثمار في المنطقة المحيطة، نتيجة الأحداث الإقليمة والأزمات الخارجية.
لا بد من العودة، في الحديث الاقتصادي والنتائج المالية والاجتماعية، إلى التوقف عند بعض المؤشرات الحاصلة في لبنان، والتي تدل من دون أدنى شك على التراجع في العديد من القطاعات الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد اللبناني، والتي بني عليها النمو الاقتصادي في البلاد أو جزء كبير منه.
باستثناء الأداء المؤقت الذي يقوم به مصرف لبنان، على صعيد تثبيت الوضع النقدي وأسعار صرف الليرة، في ظل تراجع القدرات في المؤسسات ولدى الدولة، على تحمل أي زيادات أو تعديلات في الأجور والرواتب على صعيد موظفي القطاعين العام والخاص، ومنها سلسلة الرتب والرواتب، التي حذر صندوق النقد الدولي من انعكاساتها على المالية العامة، ووضع عجز الخزينة في حال إقرارها، فإن التضخم يستوجب تصحيح الأجور، وهو أمر لا يستطيع أي قطاع مقاربته اليوم أو المطالبة به، نتيجة تردي أوضاع المؤسسات الخاصة وتراجع القطاعات الاساسية من زراعة وصناعة وسياحة، وهذا أمر أساسي يتصدر أسباب عمليات الصرف من الخدمة وتراجع التقديمات لدى العديد من القطاعات. فالوضع الاقتصادي والمالي للدولة والمؤسسات ينعكس تراجعاً على القدرة في تحسين العطاءات والتقديمات، ويحلل عمليات الصرف التي تتذرع بها المؤسسات، للقيام بعمليات صرف غير مسبوقة، ويطمر حجم الشكاوى التي تتلقاها وزارة العمل من العمال والمستخدمين، في القطاع الخاص من المضمونين وغير المضمونين.
حتى حالات التصفية لمضموني نهاية الخدمة في الضمان، تتركز على عمليات الترك المبكر من قبل العمال (تصفية التعويضات قبل بلوغ السن أو قبل انتهاء فترة 20 سنة خدمة من قبل العامل المضمون، مما يحرمه من حوالي 50 إلى 25 في المئة من مستحقات التعويض بسبب التصفية المبكرة).
تكفي الإشارة الى استـــكمال التذكير ببــــعض النتائج الحاصـــلة في القضية الاقتصادية، لكي تكون الفكرة عــــند محاولي استخدام النــــتائج لمصالح سياسية ضيقة، عن طريق محاولة تجميل الصورة تبعاً للمصلحة، أو عدم التحدث عن الحقائق والوقائع الحقيقية، خدمة لتوجه سياسي ضد توجه آخر.
امثلة على مكامن التراجع
معظم المؤشرات الاساسية إلى تراجع، بفعل جملة تطورات في المنطقة وفي الداخل. وأضرار الداخل، نتيجة الانقسام والتشرذم، هي أكثر ضرراً من العوامل الخارجية، بفعل الانقسام وتعطيل المؤسسات.
من هــــذا المنطلق يكفي التوقف عند بعض النـــقاط استكــــمالاً للدلالة على مخاطر الأمور، التي تتهدد البلاد في ظل التردي الأمني والسياسي.
1 ـ كان لبنان يتغنى بمقولة أن القطاع العقاري بخير والبلد والاقتصاد بخير، هذه المنطق لم يعد صالحاً في هذه المرحلة، على اعتبار ان مكونات القطاع العقاري كلها إلى تراجع، من المبيعات العقارية، التي تراجعت حوالي 900 مليون دولار حتى بداية النصف الأول من السنة، من حوالي 3.9 مليارات دولار في خمسة أشهر من العام 2014 إلى حوالي 2.9 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام 2015، أي بتراجع نسبته 24 في المئة. وهناك مخاطر أخرى في القول إن المستثمرين من دول الخليج يبيعون عقاراتهم في لبنان، ولا يسألون اليوم عن الشراء في لبنان، وهذا أمر خطير. حتى في وسط بيروت، وحسب مصادر شركة «سوليدير»، أن من يسأل عن الاستثمارات في وسط بيروت، التي لم تكن تهدأ عملياتها في السابق، فهم من اللبنانيين من غير المقيمن، لا سيما من العاملين في أفريقيا والدول العربية ومنها الخليجية. التي كانت تشكل مصادر أساسية للطلب على القطاع العقاري والبناء.
كذلك تراجعت رخص البناء حوالي 19 في المئة وتسليمات الإسمنت حوالي 23 في المئة. هذا القطاع يشغل أكثر المهن اللبنانية والإنتاج اللبناني، من المهن المتعلقة بمختلف المهن التي يقوم عليها تشغيل اليد العاملة، من الحدادة إلى النجارة والبلاط والكهرباء، ناهيك عن المفروشات والدهانات.
2 ـ الموضوع الأكثر إشارة إلى فرص الاستثمار والمشاريع الجديدة في لبنان من داخلية وغير لبنانية، كلها متراجعة، في هذا الصدد يمكن التوقف عند عنصر أساسي وهو حجم الرساميل الوافدة إلى لبنان خلال العام 2015، وقد تراجعت من حوالي 6.3 مليارات ليرة إلى حوالي 3.9 مليارات ليرة في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2015، بما قيمته حوالي 2.3 مليار دولار، بما نسبته حوالي 37 في المئة، وهي النسبة الأعلى خلال السنوات الأخيرة، مما ينعكس تراجعاً بصورة مباشرة على فرص العمل من جهة، وعلى المشاريع التي تخلق نمواً في النشاط الاقتصادي المضروب في مثلثه الأساسي للنمو الاقتصادي في البلاد.
3 ـ أما الدين العام، وهو مؤشر مرتبط بتراجع مؤسسات القطاع العام ووضع المالية العامة وعجزها، فقد بلغ في الفترة الراهنة حوالي 69.5 مليار دولار، بزيادة حوالي 7.2 في المئة.
وهذا يعني أن نمو الدين الـــعام بأكــــثر من النمو الاقتــــصادي، يعكس وضعية غير سليمة. وهو أمر قاربه تقرير صندوق النقد الدولي في إطار التــحذير مـــن تزايد العجز وتراجع النمو خلال السنوات المقبـــلة. مع التحذير من استمرار عجز الكهـــرباء وعــدم تفعيل المؤسسات العامة.
4 ـ بالنسبة لميزان المدفوعات فهو يحافظ على عجز بحوالي 525 مليون دولار، بتراجع كبير عن العام 2014، حيث كان يسجل فائضا بحوالي 774 مليون دولار، وهذا مؤشر على حركة الاستثمارات والرساميل العاملة في لبنان.
في المحصلة فإن ضعف الإقبال على التسليف من قبل المؤسسات، على الرغم من تسهيلات مصرف لبنان بالقروض المدعمة، يعكس ضعف حركة الاستثمارات والتوظيفات وتقلص فرص العمل. ناهيك عن ضعف مؤشرات المالية العامة في المشاريع الاستثمارية وغياب الموازنة.