كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:
بعدما تدحرجت المقترحات الرئاسية لرئيس “تكتل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون من إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية على مرحلتين إلى استفتاء لمعرفة من هو الأقوى بين المرشحين، لم يبق أمامه سوى تكليف مؤسسات لاستطلاع الرأي بين المسيحيين ليؤخذ به في انتخاب الرئيس.
وبصرف النظر عن هوية المؤسسات وانتماءاتها السياسية التي تتولى استطلاع الرأي، فإن العماد عون بادر إلى تحديد طبيعة الأسئلة التي ستوجه إلى المشمولين بهذا الاستطلاع، والتي تدور حول حقوق المسيحيين المسلوبة من الآخرين كما يقول واستبعادهم من الشراكة في السلطة الإجرائية، ظناً منه أن الشعبوية التي تطغى على خطاباته السياسية تحضيراً لاختبار من هو الأقوى مسيحياً ستؤمن له مشاركة مسيحية واسعة.
وفي هذا السياق، اكدت مصادر مواكبة للاستعدادات الجارية من جانب “التيار الوطني الحر” لاستطلاع الرأي بأن عون يريد أن يعيد الاعتبار للمشروع الأرثوذكسي الذي يقترح قيام كل طائفة بانتخاب ممثليها في البرلمان أو يعود لها الحق في أن يحصر فيها هذا الاستطلاع.
وكشفت لصحيفة “الحياة” أن عون طلب من حلفائه تجييش محازبيهم لمشاركة في استطلاع الرأي بغية رفع منسوب الدعم المباشر له، وتقول أن الاجتماع الأخير “لتكتل التغيير” الذي هدد فيه بالنزول إلى الشارع وقطع الطرقات وتنظيم الاحتجاجات أمام كبرى الإدارات والمؤسسات الرسمية، انتهى إلى تباين في الآراء لأن الحلفاء لم يتناغموا معه كلياً وسألوا ما الفائدة من كل هذا التحرك في ظل بقاء الحكومة واستحالة إطاحتها.
وتلفت المصادر أيضاً إلى أن عون لم يعط جواباً يتعلق بجدوى الخطوات التصعيدية طالما أنه سيضطر عاجلاً أم آجلاً إلى الطلب من وزرائه معاودة حضور جلسات مجلس الوزراء لأن الميثاقية مؤمنة لهذه الجلسات إضافة إلى أن حليفه الأول “حزب الله” سيضطر إلى مراعاته في حدود معينة، ولن يجاريه في موقفه إذا ما لجأ إلى الانسحاب من الحكومة، لأن اهتمامه في مكان آخر وباله مشغول على الوضع في سورية.
وتكشف المصادر أن تهديد عون بالنزول إلى الشارع وقطع الطرقات قوبل بعدم ارتياح من حلفائه لأنهم يخشون من إمكانية تسلل متضررين من الاستقرار الأمني مستغلين هذه التحركات لخلق حالة من الفلتان والفوضى. وتؤكد أن قيادات “التيار الوطني” تعترف ضمناً بأن الشارع المؤيد لعون سيتحرك تحت السقف المرسوم له من “حزب الله”، ولن يكون في مقدوره الخروج عنه عبر تجاوزه الحدود التي وضعها له.
وتؤكد أيضاً أن جلسة الحوار بين تيار “المستقبل” و “حزب الله” في رعاية وحضور رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتي تلت الموقف الذي صدر عن عون بعد انفضاض جلسة مجلس الوزراء وهدد فيه بالنزول إلى الشارع، أظهرت أن الحزب ليس على تناغم كلي مع حليفه وأن ممثليه نصحوا “المستقبل” بضرورة التواصل معه للبحث في التعيينات الأمنية والعسكرية رغم أنهم تجنبوا المجيء على ذكر العميد شامل روكز كمرشح لقيادة الجيش.
وترى المصادر أن احتجاجات عون على الحكومة وإصراره على تجييش المسيحيين أو فريق منهم ضدها، وبالتالي استقوائه بنتائج الاستطلاع الذي سيجريه، لن تؤدي إلى خلق واقع سياسي جديد، وتعزو السبب إلى أن هذه النتائج لن تصرف في مكان، لا سيما أنها معروفة سلفاً وستعطي الأولوية لـ “الجنرال” على أن يحل بعده رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مع أن لا علاقة له به.
لذلك، لن يحمل استطلاع الرأي أي مفاجأة يمكن أن يوظفها عون في تحسين شروطه لخوض انتخابات الرئاسة من جهة، ولتعيين صهره العميد روكز قائداً للجيش من جهة ثانية، ويمكن أن يعيد علاقته كما تقول المصادر – بتيار “المستقبل” إلى المربع الأول، أي إلى ما كانت عليه قبل بدء الحوار بينهما.
وتضيف: أن عون بتحريضه على الشريك الآخر في الحكومة والمقصود به رئيسها والداعمين له وأولهم “المستقبل” سيجد نفسه خاسراً من دون أن يعوض عن خسارته في مكان آخر رغم أن “المستقبل” لن يدخل معه في سجال لأنه ليس في وارد أن يقدم له “خدمة مجانية” يسعى إليها ليدرجها كبند أساسي في حملته تحضيراً لاستطلاع الرأي.
وتؤكد المصادر نفسها أن عون اضطر أخيراً للهروب إلى الأمام، سواء عبر تهديده باستخدام الشارع بذريعة أن حقوق المسيحيين مهضومة لصعوبة انتخابه رئيساً أو تعيين روكز قائداً للجيش. وتسأل هل المسيحيون يستردون حقوقهم بتسليم الفريق الآخر الذي لا ينتمي إلى طائفة معينة بهذين المطلبين “للتيار الوطني”.
وتعترف بأن عون، وإن كان الأقوى في الشارع المسيحي، فإنه أَثبت عجزه عن تقديم نفسه لكثير من الكتل النيابية بأنه المرشح التوفيقي مع أنه لم يستفد من الفرص التي أعطيت له وذلك برفضه أن يتموضع في منتصف الطريق بين “14 آذار” و “8 آذار” وتحديداً القوى المنتمية فيها إلى ما يسمى دول “الممانعة” في المنطقة.
وتسأل المصادر ألم يراهن عون على الرئيس السوري بشار الأسد في معركته ضد المعارضة، وكان أول من توقع وبعد أشهر على بدء الانتفاضة على استعادته السيطرة على الأراضي السورية كافة؟ كما تسأل كيف يقدم نفسه على أنه المرشح التوفيقي طالما أنه لا يزال يتموضع سياسياً في طهران وأن حلفاءه يتعاملون معه على أنه مرشح 8 آذار؟
وتعتبر أن عون لم يخدم نفسه في تحضيره الأجواء لخوض معركته الرئاسية، وتسأل أيضاً هل تفسيره للتوفيقية التي يدعيها يجيز له بأن يسمح لسفير النظام السوري في لبنان علي عبدالكريم علي باستخدام منبره في الرابية ليهاجم دولاً عربية وإقليمية؟
وعليه، لا بد من التريث ريثما ينزل “التيار الوطني” إلى الشارع ويؤمن استطلاع الرأي لعون أرجحية في الشارع المسيحي بغية رصد الخطوات التالية التي سيلجأ إليها الأخير، والمدى السياسي الذي سيذهب إليه في تصعيده.