حنان حمدان
أظهرت دراسة مصغرة لأسعار الخضار، أعدتها “جمعية حماية المستهلك” في لبنان خلال الأيام العشرة الماضية، وشملت معظم محال الخضار في منطقة بيروت، إرتفاع أرباح التجار لتتراوح بين 72 و344 في المئة. ما يشكل خرقاً فاضحاً لمرسوم تحديد أرباح تجار الجملة ونصف الجملة والمفرق والذي نص على منع تخطي أرباح التاجر نسبة 30 في المئة من سعر السلعة.
خلُصت الدراسة إلى التأكيد على “عدم تحميل المزارع الذي يعاني من كساد محاصيله وإنخفاض أسعارها، أي مسؤولية عن إرتفاع أسعار السلع الزراعية، كما تبيان حقيقة مدى سيطرة تجار المفرق على الأسواق اللبنانية”، وفق ما أكده رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو في حديث لـ”المدن”.
التوصل إلى هذه النتيجة ليس صعباً، فإن ملاحظة الفارق بين سعر صندوق الخضار في سوق الجملة، “الحسبة”، وسعر الصندوق ذاته لدى بائع المفرق، تكفي لمعرفة نسبة الأرباح المرتفعة التي يحصل عليها تاجر المفرق.
وبناء على ما جاء في نتائج الدراسة يدعو برو المستهلك اللبناني إلى “مقاطعة السلع الزراعية المرتفعة الأسعار”، ويطلب من وزارة الإقتصاد “التوجه إلى محال بيع الخضروات لاحتساب نسب الأرباح ومحاسبة التجار وتحويلهم إلى النيابة العامة فوراً إذا ثبتت مخالفتهم، وهذا سيؤدي تلقائياً إلى خفض الأسعار”، مشيراً إلى أن “تطبيق القانون واجب، ولا ينفع الحديث عن ميثاق شرف مع التجار”. أما الحل وفق برو فـ”يكون بإيجاد سوق جملة تمنع إحتكار التجار لأسعار المنتجات الزراعية”.
ولكن هل يمكن السماح بإقامة سوق جملة تضر بمصالح التجار ويستفيد منها المواطنون؟ سؤال لا تصعب الإجابة عليه في ظل جشع التجار والتقصير في تطبيق بعض القوانين ومنع إقرار بعضها لعدم رضا التجار عليه ودعم من في السلطة لهم، كقانون تحديد هوامش الأرباح الذي حاربه التجار خوفاً على مصالحهم.
هناك تجربة سابقة في هذا المجال، ففي عام 2007 تقدم رئيس جمعية المزارعين، أنطوان حويك، بطلب إلى بلدية بيروت للموافقة على إنشاء سوق جملة لبيع المنتجات الزراعية في منطقة فرن الشباك في بيروت، ولأسباب مجهولة “لم يحظ المشروع على موافقة البلدية، ولا حتى الوزارات المعنية كوزارة الأشغال العامة، التي قصدناها مراراً لتأمين عقار يسمح لنا بتنفيذ هذا المشروع ولكن من دون جدوى”، وفق ما أكده حويك في حديث إلى “المدن”.
الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية، “ولم نشهد تحرك أي مسؤول أو صاحب سلطة لدعم إنشاء سوق كهذه”، يضيف الحويك. فما الذي يمنع إنشاء أسواق جملة تضبط الأسعار، إسوة بالأسواق الشعبية الموجودة في مناطق عديدة، كمنطقتي راشيا والبقاع الغربي مثلاً؟ كما أن الحديث عن أسواق شعبية، لا يعني بالضرورة أن تكون أسواقاً عشوائية وغير منظمة، من شأنها أن تسيء إلى مظهر المدينة”.
من ناحية أخرى، تشبه سوق الجملة التي يقترحها حويك، إلى حد ما، سوق الأزهار التي إفتتحها الأخير عام 2002 في بيروت، وتهدف إلى جعل علاقة المستهلك بالمزارع مباشرة ومن دون وسيط (بائع المفرق)، لكي يتمكن المواطن من الحصول على السلع الزراعية بأسعار منخفضة، ما يفرض على بائع المفرق إلتزام أسعار تتناسب مع اسعار السوق، ويبرز عنصر المنافسة بين التجار. فلماذا لا تتم الموافقة على انشاء مثل هذه السوق؟
والجدير ذكره أنّ التقارير الأسبوعية لمهام مراقبة الأسواق، وآخرها تقرير صدر في 8/6/2015، لم تتطرق إلى أي من هذه المخالفات، بالرغم من أنها سجلت مراقبة الأسواق وزيارات الكشف التي وصلت إلى 1507 زيارة من قبل مراقبي الوزارة، ونظمت 23 محضر ضبط بمخالفات لقانون حماية المستهلك، وأحالت 10 محاضر ضبط أمام القضاء المختص.
هذا وقد تضمنت الدراسة أيضاً أسعار الفروج في منطقة بيروت، وأظهرت وجود نسبة أرباح لبائعي المفرق تتراوح بين 82 و115 في المئة. ففي حين يبلغ سعر الفروج في المزارع 2100 ليرة، يحصل عليه المواطن بقيمة 4500 ليرة لدى بائع المفرق.