يبدو أن الجنرال ميشال عون يغرّد في الشارع وحيداً بعدما بدا واضحاً أن غالبية القوى المسيحية لا تؤيده في النزول إلى الشارع لتحقيق المطالب لتي يؤمن فيها. وفي “جوجلة” لمواقف القوى المسيحية، فإن مسيحيي “14 آذار” يعارضون التحرك بشدة، كما أن رأس الهرم المسيحي البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أعلنها صراحة: “لا للشارع”. أما حلفاء عون وأولهم “تيار المردة”، فلا يحبذون النزول إلى الشارع بحسب ما قال وزير الثقافة روني عريجي.
التباين واضح في صفوف أفرقاء “8 آذار”، فالرئيس نبيه بري لا يؤيد التحرك وكانت رسالته واضحة للجنرال: “عون ابن النظام ولن يفرّط به”، أما “حزب الله” فيحاول مجاراة حليفه في المواقف لكنه لن يكون إلى جانبه ضد الحكومة الحالية التي تكسب رضاه في المرحلة الحالية في ظل الشغور الرئاسي وتعطل مجلس النواب.
وبالرغم من كل ذلك، يصرّ عون على النزول إلى الشارع، وأظهرت مواقع التواصل الاجتماعي حجم التعبئة المعتمد، ويحاول العونيون الرومانسيون العودة إلى أمجاد الماضي، الى عهد النظام السوري – اللبناني الظالم، ومشهديات الاعتقال في آب 2001، وغاب عنهم أنهم اليوم حلفاء من قمعهم في تلك الفترة.
لعبة الشارع ليست سهلة، وقلّما أثبتت التجربة ان الشارع قادرٌ على الحسم لصالح طرف بعينه، وكانون الأول من العام 2007 يشهد على هذا الأمر، فحكومة الرئيس فؤاد السنيورة لم تسقط حينها، فضلاً عن أن تجربة منع مجلس النواب من التمديد لنفسه كانت المثال الاكبر على أن لا قيمة للشارع طالما أن الشعب اللبناني متمترس خلف الطوائف والمذاهب.
شمعون: فلنرَ قوة عون
ويراهن كثيرون على الحجم المسيحي الذي سيحشده عون في الشارع الخميس، شرط أن يكون خاوياً من أنصار “حزب الله”، ويقول النائب دوري شمعون لـ”النهار”: “المسيحي أو غيره ضد النزول إلى الشارع لأن البلد لا يحتمل، وهو محاط بجو تعيس جداً، والخطر على الابواب، ومهمتنا اليوم منع الخطر من دخول لبنان وليس الوقت مناسباً “للخربطات” في الداخل من أجل مكاسب يمكن أن تؤجل”.
وبالرغم من معارضة شمعون لفكرة النزول إلى الشارع إلا انه يتمنى “أن ينزل عون إلى الشارع كي نرى قوته”، لكن شمعون يشترط “ألا يستعين عون بحزب الله وألا “يزعبر” لأن عون لن يستطيع ان يؤمن العدد الكافي من المسيحيين ليسيروا معه”.
“عرض عضلات”
حزب “الكتائب” واضحٌ في موقفه، فالاستحقاق الرئاسي بالنسبة إليه هو الأولوية القصوى، إذ يرى النائب إيلي ماروني “ان الشارع المسيحي يجب أن يتحرك فقط في اتجاه معطلي انتخاب رئيس الجمهورية وليس دعماً لهم، وكان من المفترض أن يكون هناك خجل في الدعوة لأي تحرك لأن الحفاظ على الوجود المسيحي وصلاحيات المسيحيين يكون بانتخاب رئيس جمهورية وليس بتعطيل الرئاسة، وستكون الطلبات محقة لو لم تكن الدعوة آتية من معطلي رئاسة الجمهورية لأسباب شخصية أو من معطلي الحكومة لأسباب شخصية أو من معطلي كل الحكومات على مدى سنوات لأسباب شخصية”، مشدداً على ان “التحرك المسيحي يجب أن يكون للمصلحة العامة وليس من أجل أشخاص وأنانيات”.
ويعتبر ماروني انه “طالما ان غالبية القوى لا تؤيد هذا التحرك، فسيكون مجرد عرض عضلات ومغامرة من مغامرات مجهولة المصير، لأن لكل شارع شارعاً مقابلا”، مشدداً على أن “تحريك الشوارع اليوم في ظل الوضع الامني الدقيق المحيط بلبنان والوضع الاقتصادي السيىء وفراغ المؤسسات هو ذهاب نحو المجهول، لهذا خطوة عون ناقصة ومجهولة المصير ومرفوضة في هذا الظرف”.
“القوات” مع المطالب لكن: “الشارع ليس أسلوبنا”
يتفهم “حزب القوات” مطالب عون، ويشعر أيضاً بأن هناك طائفة يجب ان تحصل على حقوقها، لكنه يختلف معه في اسلوب التحرك، ويقول النائب شانت جنجنيان لـ”النهار”: “في المجتمع اللبناني هناك أكثر من مكوّن يشتكي من الغبن وعدم الحصول على حقوقه الكاملة، ولا ينحصر الأمر بالمسيحيين الذين تتفق غالبيتهم على ان هناك غبناً وانتقاصاً لحقوقهم وعدم تمثيل في كثير من المجالات خصوصاً في القطاع العام، انما طريقة التعبير هي التي تختلف، وما يحصل مع الوطني الحر ينطبق على شارعه انما نحن كفريق لسنا مع هذا الاسلوب في التعبير”.
وأضاف: “أسلوب القوات اللبنانية يكمن في اقتراحنا لقانون انتخابات نيابية تنتج عنه حركة وتمثيل جديدان، وهذه القضية تحل عبر القنوات الديموقراطية، وتبدأ من المجلس النيابي وبعدها الحكومة وصولاً إلى رئاسة الجمهورية وغيرها من القطاعات. ويؤكد: “لسنا مع عون في الاسلوب لكن هناك الكثير من المواطنين مسيحيين وغير مسيحيين معه في موضوع الغبن الذي حصل من ناحية التمثيل”. ولا يتخوف جنجنيان من صدام بين العونيين وشبان من “القوات”، ويقول: “نحن لسنا طلاب مشاكل ولا نزول إلى الشارع الذي له ظروفه والتغيير يبدأ من المجلس النيابي والانتخابات”.
“يذكروننا بأيام الوجود السوري”
في المقابل، يستغرب قيادي في “التيار الوطني الحر” التحذيرات من الشارع والحديث عن طابور خامس، ويقول لـ”النهار”: “هذا الكلام يذكرنا بعهد الوجود السوري في لبنان حينما كان يقال لنا احذروا الطابور الخامس، وهذا يعني ان الذهنية التي كانت تتحكم بالوضع في لبنان لا تزال موجودة”. ويضيف: “اعتقد ان كل الشارع المسيحي مساندٌ للتحرك، وليس هناك من هو ضد الحصول على حقوقه ومطالبنا لا تطال أحداً أو تحاصره، لكن لكل طرف أسلوبه في التحرك”.
وسأل: “منذ العام 2005 إلى اليوم، ما الذي استطعنا انتزاعه من دون تحرك؟ لماذا حرب الالغاء تشن علينا منذ سنة 2005 حتى اليوم؟ هم أوصلونا إلى التحرك؟ من في لبنان ضد قانون انتخاب عادل لانتخاب مجلس نيابي جديد ورئيس جمهورية يعبّر عن روح هذه الانتخابات، لماذا هناك فئة لبنانية تريد فقط ان تتحكم؟”. وعن استخدام أنصار “الوطني الحر” مشهديات العام 2001 في التعبئة للتحرك، يقول: “إنه جزء من تراثنا واليوم هناك من يذكرنا بايام السوريين”.