جديون راشمان
استقبل التصويت بـ “لا” في اليونان بفرحة عارمة في ميدان سينتاجما في أثينا: النوافير كانت تسبح في الضوء الأحمر، والأعلام تلوح، والحشود كانت تغني الأغاني الوطنية. وكان أليكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء، قد قال إن التصويت يدور حول الاعتزاز الوطني، وقد حركت راسلته المشاعر. امرأة شابه، وهي صحافية مستقلة، اعترفت قائلة: “أنا في الواقع صوتت بنعم. لكن هناك جزء مني سعيد بأن اليونان قالت لا. نحن بلد صغير، لكن لدينا تاريخ كبير. هذا يتعلق بكرامتنا”.
لكن عند مشاهدة الاحتفالات، كان من الصعب عدم الشعور بالخوف الحقيقي. دون اتفاق جديد وسريع مع الدائنين، يمكن أن تنهار المصارف اليونانية في غضون أيام، بالتالي إدخال البلاد إلى مستوى جديد كليا من البؤس الاقتصادي. الفخر والكرامة قد يختفيان بسرعة مع اختفاء الوظائف والمدخرات.
أخبر تسيبراس مواطنيه أن بإمكانه الحصول على صفقة أفضل من أوروبا. لكن، إذا كان بالفعل يصدق ذلك، فقد أخطأ جديا في تفسير السياسة في الاتحاد الأوروبي. في الواقع، دائنو اليونان من المرجح أن يتخذوا موقفا متشددا جدا. فهم غاضبون وقد سئموا من اليونان. الأهم من ذلك، أن كثيرين يعتقدون أيضا أن البقاء طويل الأجل للعملة الموحدة الأوروبية يعتمد على توضيح أن البلدان يجب أن تعيش حسب قواعد مشتركة، وأن توازن ميزانياتها وتسدد ديونها. إذا كانت اليونان تحتاج إلى عقاب لتوضيح هذه النقطة، فليكن.
المأساة هي أن كلا من الحكومة اليونانية ودائنيها يخطئون الآن في تفسير مصالحهم. فلا يزال اليونانيون يصرون على أنهم يريدون البقاء داخل العملة الأوروبية الموحدة – بالرغم من الأدلة المتزايدة على أنها كانت بمنزلة كارثة بالنسبة لاقتصادهم. ويشعر القادة في منطقة اليورو أنهم يجب أن يكونوا صارمين مع اليونان، لتثبيط محاولة أي بلد آخر لكسر القوانين.
في الواقع، كل من اليونان وبقية منطقة اليورو ينبغي أن يعاملا تصويت اليونان باعتباره فرصة لإعادة التفكير في مشروع اليورو الفاشل. يمكنهم العثور على مصلحة مشتركة في جعل خروج اليونان من اليورو أمرا غير مؤلم بقدر الإمكان – وذلك لتخفيف معاناة الشعب اليوناني العادي وإنشاء أنموذج قد تكون البلدان الأخرى قادرة على أن تحذو حذوه في المستقبل. ذلك لأن اليونان ليست البلد الوحيد الذي يعاني في التكيف مع اتحاد العملة. الأزمة الحالية يمكن أن تكون فرصة لإظهار أن هناك طرقا للخروج من اليورو يمكن أن تفيد جميع الأطراف – أولئك الذين يغادرون اتحاد العملة وأولئك الذين يبقون.
لكن في الوقت الحالي، كل ما يستطيع القادة في منطقة اليورو رؤيته هو مخاطر اتخاذ أية خطوة تبدو وكأنها “تكافئ” تسيبراس. فهم يعرفون أن هناك كثيرا من البلدان المثقلة بالديون في أوروبا ولا يريدون تشجيع فكرة أن البلدان تستطيع تجنب العمل الجاد لتنظيم أوضاعها المالية العامة في بلادها، على أمل أن يأتي شطب الديون يوما ما لنجدتهم. الدين العام في اليونان كنسبة من اقتصادها يبلغ حاليا 178 في المائة – الأكبر في الاتحاد الأوروبي. لكن نسبة الدين إلى الناتج في إيطاليا تبلغ أكثر من 130 في المائة. وحتى فرنسا تقترب من 100 في المائة، وهو الرقم الذي كان في اليونان عندما أصابت الأسواق أول حالة ذعر في عام 2009.
هناك خوف مماثل من العواقب السياسية للسماح لحزب يناهض التقشف بأن ينتصر في اليونان. البلدان مثل أيرلندا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا جميعها طبقت بتخفيضات مؤلمة في محاولة لإنعاش مواردها المالية العامة. حكومات جميع البلدان الأربعة لديها أحزاب شعبوية، على غرار حزب سيريزا، تراقب كل حركة من حركاتها. آخر ما تريده هو أن ينظر إلى حزب سيريزا على أنه نجح. في الواقع، الحقيقة الكئيبة هي أن لديها مصلحة راسخة بالفعل في رؤية اليونان تعاني – حيث يكون ذلك تحذيرا للناخبين في بلادهم لعدم اتخاذ مسار الشعبوية اليسارية.
في بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، مثل فنلندا أو ألمانيا أو هولندا، نجد أن اليمينيين – الذين عارضوا عمليات الإنقاذ الأصلية لليونان وحذروا من أنه لن يتم تسديد الأموال – هم من سيستفيد إذا اعتبر أن حزب سيريزا انتصر. هنا أيضا، الحوافز السياسية جميعا تشير إلى أن القادة الأوروبيين سيتخذون موقفا متشددا.
إلى جانب هذه العوامل يجب إضافة الإحساس بالسخط نفسه. يانيس فاروفاكيس، وزير المالية الذي استقال الآن، قارن دائني اليونان بالإرهابيين. لكن حتى تسيبراس اتهمهم بأنهم متطرفين محافظين، يبتزون اليونان. تماما كما يشعر اليونانيون بالإهانة حين يقال لهم إنهم يحاولون تجنب سداد الديون ومدينون، كذلك يشعر الألمان بالغضب لإقراض المال لليونان – ثم يجدوا بعد ذلك أنه يوصفون بالنازيين في وسائل الإعلام اليونانية.
لكن الخطر هو أن الغضب والخوف من إنشاء سابقة سيئة يجعلان البلدان في الاتحاد الأوروبي تتخذ نظرة ضيقة جدا بخصوص عواقب فشل اليونان. قد يكون الاتحاد الأوروبي محقا في الاعتقاد أن العدوى المالية من خروج اليونان من اليورو يمكن احتواؤها. لكن التكاليف السياسية ستكون عالية جدا. اليونان التي ستنزلق إلى حالات فوضى اقتصادية يمكن بسهولة أن تتحول إلى دولة فاشلة داخل الاتحاد الأوروبي. وهذا، في المقابل، من شأنه أن يعمل على إضعاف المشروع الأوروبي – في الوقت الذي يتعرض فيه للضغط من جميع الجوانب.
إذا كان القادة الأوروبيون يفكرون بوضوح، ينبغي لهم معرفة أنه بدلا من معاقبة اليونان، من مصلحة الاتحاد الأوروبي الآن أن يفعل ما بوسعه للتأكد من أن اليونان يمكن أن تخرج من اليورو، لكن تبقى داخل الاتحاد الأوروبي مع الحد الأدنى من الألم. إذا كان هذا يعني بعض الإعفاء من الديون على اليونان كجزء من حزمة الخروج، فليكن. الإعفاء من الديون، مقابل خروج اليونان، يمكن أن يبدو منطقيا من الناحية السياسية فضلا عن الناحية الاقتصادية.
حتى مع ذلك، سيكون من الصعب للغاية إعادة عملة الدراخما إلى اليونان دون إثارة أزمة اقتصادية أكثر حدة بكثير. لكن إذا كان يمكن القيام بذلك، عندها قد يملك الاتحاد الأوروبي أخيرا أنموذجا لتحرير البلدان الأوروبية الأخرى من اليورو المختل وظيفيا.