Site icon IMLebanon

تقهقر السوق الصينية تهديد مزدوج

China-Traders-Stock-Collapse

على امتداد ثلاثة اعوام، سحق الرئيس الصيني تشي جيبينغ المعارضة بفرض الصمت على كل من تجرأ على تحدي الحكومة او بإلقائه في السجن. لكن هالة العصمة تلك هزّها مضاربو اسواق الأسهم الذين سخروا من جهود رفع اسعار أسهم الشركات التي فقدت اكثر من ربع قيمتها في ثلاثة أسابيع.
تجاهل المستثمرون المشككون كل خطوة اتخذتها الحكومية لإبقاء الأسهم مرتفعة: تخفيض معدل الفائدة والتلويح بعقاب مروجي الشائعات والسماح لصندوق التقاعد الوطني بشراء الأسهم وحتى خطط للتحقيق [مع المقرضين] على المدى القصير الذين راهنوا على انهيار السوق. أدى اخفاق الإجراءات هذه الى فراغ محرج في هالة التفوق المطمئن التي بُنيت حول إدارة تشي وهو فراغ ضاعفته حكومته هذا الأسبوع برهانها على قدرتها تطويع مشاعر السوق.
طرحت الحكومة جملة من المبادرات آملة بتثبيط تقهقر جديد للسوق ودفعت الحكومة «المصرف الشعبي الصيني» المركزي وذراعاً استثمارية لصندوق الثروة السيادية الوطنية الى دعم هذا الجهد. وقالت «اللجنة التنظيمية الصينية للأسهم» التي تشرف على اسواق الأسهم ان المصرف المركزي سيدعم «مؤسسة تمويل الأسهم الصينية» التي تديرها الدولة لتعزيز «قدرة المؤسسة على ضمان استقرار السوق».
لكن خسائر الأسواق كانت ضخمة وتطرح مجازفة اضافية – وربما خطراً اعظم – امام الاقتصاد العالمي في الوقت الذي ما زال هذا الاقتصاد يتابع صراعه مع مصاعب اليونان في اعادة دفع الديون الأجنبية وخروجها المحتمل من منطقة اليورو. وتبخر ما قيمته 2.7 تريليون دولار منذ ان وصلت سوق الأسهم الصينية الى ذروتها في 12 حزيران (يونيو). يعادل ذلك ست مرات مجمل الدين الخارجي اليوناني او احد عشر عاماً من مجمل دخل اليونان.
يقول الأستاذ المساعد في جامعة كاليفورنيا – سان دييغو فيكتور شيه الذي يدرس صنع السياسة المالية في الصين «أعتقد ان الأسبوعين الماضيين اظهرا حقاً انهم [الصينيون] لا يملكون القدرة على جعل أي شيء يحصل».
خسائر سوق الأسهم تعادل قيمة ثلاثة اشهر من انتاج الصين الاقتصادي الذي بلغ 10.3 تريليون دولار في العام الماضي. ويبدي الاقتصاديون قلقهم من أن تفضي الخسائر الى هبوط حاد في إنفاق المستهلكين الصينيين الذين فقدوا قسماً كبيراً من مدخراتهم.
وقد يؤدي انخفاض ثقة المستهلك إلى صدمة في الاقتصاد الصيني الذي يتباطئ بالفعل فيما تصارع سوق العقارات للتعامل مع الملايين من الشقق الجديدة والفارغة وتواجه الآلاف من مصانع البضائع المخصصة للتصدير فتوراً في الطلب. وقد يؤدي التدهور الحاد في سوق الأسهم في الصين التي تعتبر سوق السلع المهيمنة عالمياً والمشتري الأسرع نمواً لصادرات عمالقة المصنعين مثل ألمانيا، الى إلحاق الأذى بالنمو حول العالم.
ويمكن أن يكتسب التدهور اطاراً سياسياً. ويوضح الاختصاصي في السياسات الصينية هاري هاردينغ وهو استاذ زائر في جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا ان التدهور في سوق الأسهم الصينية يمكن أن تنجم عنه ثلاث هزات ارتدادية. تتشكل الأولى من خسائر الاستثمار لدى المالكين والثانية تظهر في بطء النمو الاقتصادي اما الأخيرة فستكون على الأرجح في رد فعل سياسي قاس ضد تشي وفريقه.
بدأت الآثار بالظهور في منازل الصينيين. ويملك اربعة أخماس سوق الأسهم مستثمرون من الأفراد وهي نسبة تزيد كثيراً عن نظيرتها في الأسواق الغربية التي تهيمن عليها اسثمارات الشركات. وثمة 112 مليون حساب للمستثمرين الصينيين في سوق الأسهم في شنغهاي؛ وعند كل تعامل في الربيع الماضي كان يفتح 20 مليون حساب بسبب تدافع المستثمرين الجدد الى المشاركة في حمّى المضاربة التي عمت على صعيد وطني.
وفاقم من قسوة الخسائر ان العديد من العائلات اقترض من المصارف والشركات المالية والجيران وغيرهم للمضاربة في السوق. وقُدِّمت القروض بفوائد سنوية تبلغ العشرين في المئة. يطرح كل ذلك السؤال عن كيفية تعامل النظام المالي الصيني مع جولة جديدة من القروض المعدومة فيما يحمل النظام المذكور بالفعل عبئاً ضخماً سببه إقراض الشركات المملوكة للدولة والحكومات المحلية التي تسدد الفوائد الشهرية بالكاد.
ما يزيد الأمور سوءاً ان العديد من مالكي الشركات موّلوا توسيع مؤسساتهم بالاقتراض من المصارف مقابل قيمة حصصهم. تقتضي شروط هذه القروض عادة من المالكين تقديم المزيد من الضمانات اذا اقتربت الأسهم من النزول الى ما دون قيمة القرض. ووصل كثير من الشركات هذه النقطة بالفعل عندما تراجع مؤشر سوق اسهم شنغهاي 29 نقطة في ثلاثة اسابيع، وهو اقسى معدل هبوط منذ 1992.
تكمن المشكلة بالنسبة الى ملايين المستثمرين في أن أسعار الأسهم قد لا تعود الى سابق عهدها قبل مرور اعوام عدة، هذا في حال عادت، بسبب الأسهم الموجهة الى المضاربات. ثلث الأسهم في سوق شنغهاي وأقل من ذلك من سوق شنجن تعود الى الأعمال الكبرى. أما بقية الأسهم فهي في الغالب لأعمال متوسطة وصغيرة يعاني اكثرها من اختلال في التوازن اضافة الى مشكلات مزمنة في حوكمة الشركة. وتبدو هذه الشركات معرضة للنهب من قبل كبار حاملي الأسهم على حساب صغارهم.
كانت الزيادة المئوية الهائلة ممكنة لأن اسهم المئات من تلك الحصص كانت عديمة القيمة تقريباً قبل عام. وعندما بدأت الأسعار في الصعود، جذبت الملايين من المستثمرين الجدد الذين اشتروا الأسهم فقط لأنها كانت ترتفع ارتفاعاً سريعاً وبدا انها ستظل كذلك. في المقابل توجه المشترون الأجانب والمؤسسات المحلية توجهاً حذراً نحو اسهم الشركات الأكبر. وترى استاذة الاقتصاد السياسي في جامعة هونغ كونغ الصينية شيرلي لين أن هبوط سوق الأسهم قد تكون له آثار عميقة في سياسات الصين وفي نموذجها المقبل للنمو الاقتصادي.