كتب رضوان عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
من شاهد رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون في مؤتمره الصحافي امس، ظن ان الرجل توقف عند أواخر الثمانينات عندما كان يطلق مواقفه السياسية ضد خصومه معلناً استعداده لمواجهة الجيش السوري آنذاك، يوم كانت دولته تقبض على الحياة السياسية في البلد. لم يستطع طوال كل هذه الاعوام الاقلاع عن الاسلوب الذي يغلب على طبعه واتباع الكلام الذي يردده في التصدي لكل من يعارض سياساته. ويصب الرجل جام غضبه في الايام الاخيرة على رئيس مجلس الوزراء تمام سلام ويستهدف اولاً “تيار المستقبل” الذي استغل فرصة ازمة خلاف عون في مجلس الوزراء وعدم قدرته على امرار ما يطمح اليه ووضعه على جدول الاعمال، وخصوصاً بند التعيينات الامنية. ولم تقصر كتلة “المستقبل” في استهداف الرابية “على السريع” واتهامها عون بأنه ينفذ اعتداء سافرا على الدستور. وغمزت من انطلاقه من اهداف ومصالح عائلية. وبعد هذه المواقف لمس العونيون باليقين ان “المستقبل” لن يمنحه صوتاً واحداً في الانتخابات الرئاسية في حال حصولها في مثل هذه الظروف “وكلهم فؤاد السنيورة”. ويستقبل النواب المسيحيون في التيار الازرق بحبور في هذه الايام كل جملة يتفوه بها عون وهم يرددون في اجتماعاتهم “هذاهو الجنرال الذي نعرفه، لا يتغير”.
ويبدو ان خلاف عون و”المستقبل”، لا يزال ضمن “السجال الهادىء” فيما عين التينة لا تحبذ الدخول في موجة ردود مع الجنرال، وان كانت لا توافقه الرأي في حملته الاخيرة. ولم تخالفه في دعوته الى الاسراع في “اقرار قانون جديد يؤمن المناصفة والتمثيل الصحيح”.
وكانت العلاقة بين “حليف الحليف” قد تقدمت بعد زيارة عون أخيراً لعين التينة، وسارت الامور على ما يرام، الى حين الانتكاسة بفعل عدم توجه نواب “التيار الوطني الحر” الى المشاركة في الجلسات التشريعية في العقد العادي للمجلس. وبات من الواضح للعيان ان بري وعون لا يختلفان على المواضيع الاستراتيجية، لكنهما سرعان ما يقعان في التفاصيل. ولم تذهب علاقتهما الى “الصدام الاستراتيجي”، لان حليفهما “حزب الله” سيبقى في موقع ضابط الايقاع بين الطرفين، فهو بالطبع لن يتخلى عن حليفه الشيعي مع حرصه في الوقت نفسه على الابقاء على هذا الثنائي المتناغم في الطائفة، اضافة الى عدم التفريط بحليف وطني في وزن عون.
وفي ظل هذا التنافر بين الرجلين والرد على مسألة “ابن النظام او ابن الدولة”، ثمة من يرى ان “الود المستجد” بين رئيس المجلس و”تيار المستقبل” يعبر في محطاته الاخيرة عن تقاطع في المصالح، ولا يقوم على تفاهمات مشتركة. وان “المستقبل” في النهاية سيضعه عون امام الاختيار بين اتفاق الطائف او دفع “اثمان موضوعية” ستنتهي الى القبول باسم العماد شامل روكز على رأس قيادة الجيش. وجاء اتصال رئيس” جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط بعون امس ليعزّز آماله أكثر في امكان ايصال روكز الى هذا الموقع.
اما بالنسبة الى “حزب الله”، فلن يترك عون وحيداً في هذه المواجهة الحكومية المفتوحة، وان كانت بعض الجهات في 8 آذار لم تتلق بارتياح الكلام الناري الذي يصدر عن وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الذي يعود فيه الى اعوام الحرب السابقة التي تشتم منها روح مذهبية لا تخدم عون في معركته. ودأب باسيل وفي الاشهر الاخيرة على التركيز على هذا الموضوع الذي لا تقبله شرائح واسعة من المسيحيين والتي ترفض مخاطبة المكون المسلم بهذه الطريقة.
وتتساءل هذه الجهات: لماذا يعود باسيل الى الحديث عن الفيديرالية وطرحها وتبني الافكار التي كانت تنادي بها “القوات اللبنانية”، في وقت لم يكتب لها النجاح في عز اعوام الحرب، فكيف يعمل على المناداة بها الآن ووسط اي ظروف؟ وثمة من يرى ان مثل هذه الطروحات لن تكتب لها فرص النجاح، ويصدرها اصحابها من باب التهويل، وهي تخدم مشاريع الجماعات الارهابية والتكفيرية.
وبعد هدوء العاصفة العونية، ثمة من سيفاتح الرابية في اسباب هذه التحولات في خطابات قياديين في “التيار الوطني الحر” وفي مقدمهم باسيل. ولم يتم تناولها اليوم نظرا الى المسيرة الثابتة لعون في تحالفه مع “حزب الله” منذ توقيع ورقة التفاهم التاريخية في كنيسة مار مخايل بين عون والسيد حسن نصرالله. وبادل عون حليفه كل الوفاء في عدوان تموز 2006، وجهة تأييده الحزب في 7 ايار 2008 ووقوفه الى جانب “حزب الله” في قتاله في سوريا ودعمه للرئيس بشار الاسد اضافة الى دعوته لقتال “داعش” والجماعات المتطرفة في عرسال وعلى اي بقعة من الاراضي اللبنانية.
لكل هذه الاسباب وسواها لن يتخلى “حزب الله” عن حليفه، وهذا ما ستثبته الوقائع في المستقبل والقريب العاجل.