“ورقة اللجوء الى الشارع” تكون عادة آخر الأوراق التي يلعبها فريق أو حزب أو زعيم، بعد استنفاد الأوراق السياسية.
والانتقال من الطاولة (طاولة الحكومة أو طاولة الحوار) الى الشارع يعني الانتقال من وسيلة الإقناع الى وسيلة الضغط، وبعد وصول الطرف المبادر الى خيار الشارع الى قناعة بأن الحوار السياسي لم يعد متاحا ولم يعد مجديا، وأن اللعبة السياسية أقفلت ووضعته في حال حصار، وحيث لم يعد من مجال لكسر هذا الواقع إلا بطرق التفافية ووسائل ضاغطة لتحسين الشروط والحؤول دون تغيير قواعد اللعبة السياسية والإبقاء على «وضع متكافئ».
خيار اللجوء الى الشارع وصل إليه العماد ميشال عون هذه الأيام ويعود إليه مجددا بعد طول غياب وفي ظل ظروف مختلفة.
وهو اضطر الى سلوك هذا “الطريق الوعر” لوقف دورة الخسائر السياسية التي لا تقف عند حد: معركة رئاسة الجمهورية خسرها عمليا لمجرد أن فرصه للوصول الى قصر بعبدا صارت ضعيفة وإلى حد ما متعذرة، معركة قيادة الجيش على وشك أن يخسرها والقرار السياسي المتخذ بالتمديد للعماد جان قهوجي لا ينقصه إلا الترجمة العملية عبر قرار لوزير الدفاع يصدر قريبا، وقواعد اللعبة الحكومية المطبقة في فترة الشغور الرئاسي يراد لها أن تتغير.
فجدول الأعمال بات محصورا برئيس الحكومة، والقرارات تتخذ بالتصويت بدل التوافق، والإجماع الوزاري لم يعد شرطا وعائقا.
وفي الواقع وصل العماد عون الى وضع لم يعد لديه ما يخسره ولم يعد بإمكانه السكوت في وجه خصومه وسياستهم التي تتراوح بين “الخداع والاستفزاز”.
إذا كان واضحا أن “الشارع” صار خيارا سياسيا لدى العماد عون، ليس واضحا حتى الآن الطريقة التي سيتم بها اللجوء الى الشارع وطبيعة التحركات الاحتجاجية التي ستعتمد على الأرض، وهل تكون مماثلة لما حدث سابقا عندما اعتصم التيار الوطني الحر لفترة في وسط بيروت متضامنا مع اعتصام حزب الله، أو عندما تم قطع طرق رئيسية بالمتظاهرين وبإطارات مشتعلة.
لا يكشف مسؤولو التيار الوطني عن طبيعة التحركات وساعة الصفر للبدء فيها ويكتفون بالقول إنها لن تكون تقليدية وإنما ستكون موجعة ومفاجئة في نوعيتها، وأن كل شيء بات معدا وجاهزا بعد سلسلة اجتماعات عقدت على مدى الأسابيع الماضية وأعادت تنظيم صفوف التيار وأعدت خططا لكل الظروف والاحتمالات بما في ذلك تنفيذ “انتشار شعبي” على الأرض… لجوء عون الى الشارع، ويبدو بمثابة خرق لقواعد اللعبة ومثل عزف سياسي منفرد على إيقاع أوضاع داخلية متوترة وأوضاع إقليمية ساخنة، يقابل بتحذيرات وتحفظات، وهو مازال حتى الآن تهديدا وقبل أن يصبح واقعا، من خصوم عون وحلفائه على حد سواء.
ومن الحلفاء كان فرنجية الأوضح والأصرح في رفض لعبة الشارع، فيما تحفظ “حزب الله” بشكل ضمني ورأى أن لا ضرورة لذلك مادامت اللعبة الحكومية ممسوكة.
أما بري فهو حاليا لا يعد على لائحة الحلفاء وإنما على لائحة الخصوم بعدما عاد طيف التحالف الثلاثي الذي يقول أركانه (بري – الحريري – جنبلاط) إن لعبة الشارع لا توصل الى نتيجة وسبق أن جربت على يد أكثر من طرف، وأن كل شارع في لبنان يقابله شارع وكل فعل يولد ردة فعل، ولعبة الشارع لا توصل الى حلول وإنما تزيد في تعقيد المشاكل.
وعلى الساحة المسيحية ثمة حالة من الحذر والتشكيك في جدوى تحريك الشارع وفي توقيت التصعيد (في عز الموسم السياحي) وظروفه وأهدافه، وحيث تختلط المسائل الشخصية مع العناوين المسيحية الكبرى.
وثمة خشية من تكرار حالات ونماذج سابقة عندما كانت التحركات المسيحية في الشارع توضع في تماس وتصادم مع الجيش والقوى الأمنية.
وفي هذه النقطة لا تكفي تأكيدات وزير الداخلية بأن لا مشكلة مع التحركات السلمية ولا ما ينقل عن قيادة الجيش بأن المسألة تقع في اختصاص ونطاق «قوى الأمن الداخلي»، ذلك أن دينامية الشارع لا يمكن ضبطها والتحكم بها خصوصا مع وجود احتمالات ومحاولات للدخول على خط الأحداث وتأجيج الموقف واللعب على التناقضات والحساسيات بما فيها تلك الموجودة بين عون وقهوجي.
هل تنتقل الأزمة السياسية الى الشارع أم تقف الأمور عند هذا الحد، وعند “حافة الهاوية”، وحيث تطورات ربع الساعة الأخير تشير الى دخول لـ”حزب الله” على الخط، والى “رسالة سياسية عاجلة” بعث بها الحريري الى عون وتدعو الى التهدئة وإفساح المجال أمام مخارج سياسية وحكومية.