للحديث مع رئيس الحكومة قبل ساعات من جلسة صاخبة لمجلس الوزراء تنعقد على وقع تنفيذ رئيس “التيار الوطني الحر” تهديداته بتحريك الشارع، دلالات بارزة لما ستكون عليه الجلسة. إذ حرص الرئيس سلام في كلامه إلى صحيفة “النهار” على توجيه رسائل لا ترتبط فقط بالازمة السياسية الناشئة عن التصعيد العوني فحسب بل آفاق الوضع السياسي والامني في ظل النار المشتعلة في محيطه، وعلى أبواب الاعلان عن إنجاز توقيع الاتفاق النووي وما يمكن أن يحمله من إنعكاسات على الملف الداخلي، آملا ان يحمل الواقع الجديد الذي سيرتبه إيجابيات على لبنان.
مجموعة من الرسائل الواضحة والصريحة أطلقها سلام عشية الجلسة:
– الجلسة ستنعقد وسيمارس رئيس الحكومة صلاحياته فيها، لكنه لن يكون مماحكاً أو تصادميا، بل سيمنع التعطيل. ويفهم من كلامه أن الجلسة ستقتصر على البحث في تعديل آلية العمل الحكومي، والتي فُهم أن الوزير محمد فنيش تناولها معه في لقائهما بما يسهم في وضع آلية جديدة لتفادي التعطيل.
– الاستقالة واردة إذا شعر أن ثمة نية لدى المعطّلين لايصال الامور إلى هذه المرحلة. وعندها فلتتحمل القوى السياسية المسؤولية.
– ان مهمة حكومته الائتلافية تنحصر في إدارة شؤون البلاد وتحييدها عن الملفات الخلافية. اما حل الازمة فهو عند القوى السياسية، إن عبر الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” أو بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”.
– ان التعيينات الامنية لن تطرح قبل أوانها، وهذا منوط بصاحب الاختصاص، وزير الدفاع الذي يعود له وحده رفعه الى مجلس الوزراء، وليس وقته قبل ايلول.
– إن لبنان في خطر في ظل السقوف السياسية العالية حول تغيير النظام، وجهوزيته الامنية مرتبطة بجهوزيته السياسية لمواجهة تداعيات أحداث المنطقة.
– إن مرسوم الدورة الاستثنائية قد يمر بعدما لمس سلام أن الحزب لن يعارض التوقيع، علما ان هذا يخالف ما أعلنه الوزير محمد فنيش من السرايا بأن المرسوم يحتاج الى توقيع 24 وزيرا، في رسالة واضحة إلى رئيس المجلس نبيه بري وتفاهمه مع رئيس الحكومة.
يبدأ سلام كلامه من حيث جوهر المشكلة، مؤكدا ان لا تأجيل للجلسة في معرض الرد على ما نسب الى الوزير فنيش لجهة بدعوته إلى التريث، مشيرا إلى ان فنيش دعاه الى التريث في تحييد مجلس الوزراء عن التصادم وفي إدارة الجلسة وليس في عقدها، ومذكرا بانه في اللقاء السابق “كان الحاج محمد طلب التريث خلال رمضان، وقد فعلت”.
ويلفت إلى أن “حزب الله” يحتاج إلى تأكيد دعمه لعون، من دون تعريض الحكومة او الاستقرار للاهتزاز، لأن مواقف عون تحرجه وتذهب بالبلاد إلى أماكن مربكة له.
ويحرص على التأكيد ان حكومته إئتلافية دستورية هدفها تسيير شؤون البلاد والعباد، وليست حكومة حل الازمة السياسية. ويقول: “ليس لنا أن ندير الازمة، وانا اتجنب ذلك دائماً وأعي انني جئت لأشرف على الازمة وليس لأحلها. نعمل لتسيير البلاد، وليتولّ المتحاورون في عين التينة او بين معراب والرابية او في اللقاء التشاوري مسؤولية حل الازمة. وإذا بلغ الصدام السياسي في الخارج مرحلة متقدمة من التهويل والتهديد بقلب النظام، فهذا لا يعود الى مجلس الوزراء بته، بل الى القوى السياسية”.
هل تكون جلسة اليوم مؤشراً للعودة إلى التصويت؟ يشير إلى ان هذا الموضوع سيطرح حتما المقاربة التي ستعتمد في المجلس. يرفض كلمة آلية، ويضعها في خانة المقاربة لأن الظروف فرضتها وتعدل بموجبها كما حصل مع بداية الشغور، وتغيرت منذ 4 اشهر، وكان توافق على ان اعتراض مكوّن او مكوّنين في الحكومة لا يعطل الامور. والمهم العمل للحؤول دون تعطيل مجلس الوزراء وبالتالي البلاد. فالمقاربة لا علاقة لها بالنزاع السياسي القائم بل بتسيير عمل المجلس، وواجبي ان أسهل واطرح كل المقاربات التي تؤدي الى مجلس منتج. اما تلك التي تعطل العمل نتيجة نية لدى البعض للتعطيل على قاعدة نحن او لا احد، فهذا يعني ان اي فريقين يتفقان على التعطيل ينجحان في ذلك”.
المقاربة كما يصفها سلام ليست دستوراً، بل “تعتمد تجنب التعطيل”. ويكشف ان الجلسة اليوم ستطرح جدول الاعمال وإذا اعترض وزراء يُسجل الاعتراض”.
اما عن اللجوء الى التصويت، فيقول “نحن لم نعتمد مرة التصويت وقد تجنبنا ذلك. وعندما أخذت خياري الدستوري بموجب المادة 64 إعتمدت التوافق أولا كما تنص عليه المادة، وليس التصويت بالنصف زائد واحد أو بالثلثين وفق الحالة. اما إذا تعذر، فسيكون اللجوء الى التصويت، ولكن أنا مؤمن بالتوافق دون التعطيل ويتجاوزه”.
ويشرح: “إذا إعترض وزراء من دون حجج مقنعة لإعتراضهم كما حصل مع بند الدعم الزراعي فأنا لن أسير بذلك وسأتجاوز الاعتراض وحيث اجد ان التعطيل سيد الموقف سأحاربه وسأقف في وجهه”.
ولكن هذا يعني تخطي صلاحيات رئيس الحكومة إلى صلاحيات رئيس الجمهورية؟ “هناك جدل قائم حول هذا الامر، لذلك لجأت إلى التوافق. اما إتهام العماد عون فقد وجّهه الى العنوان الخاطىء. انا بالكاد امارس صلاحياتي كرئيس للحكومة واُنتقد على ذلك، فكيف أُتهم بالاستيلاء على صلاحيات الرئيس؟ انا امارس صلاحياتي من البعد الوطني وليس الدستوري، واسمع لوماً نتيجة ذلك. لكني ارفض تصفية الحسابات السياسية على حساب حكومتي وصلاحياتي. إذا كانوا عاجزين عن معالجة ازمتهم او ملء الشغور فهذا لا يعني تحميله للحكومة”.
يحمّل سلام عون “مسؤولية تحريك الشارع أو تغيير النظام كما يدعي او نسف البلاد. وليس الحكومة او رئيسها، ولتتحملها بجرأة ومسؤولية القوى السياسية. ليس في مجلس الوزراء نغير النظام”.
وسلام الذي يشكل الوجه الشرعي للسلطة اليوم يرد بسؤال: “هل بالتعطيل نؤمن الاستقرار؟ وهل بالتشكيك في الجيش او قيادته نحفظ الامن؟ والتشكيك يصب في خانة الاعداء”.
لدى السؤال عن التواصل مع عون، يجيب: “لا شيء مقطوع ولا موصول”.
يرفض إتهام عون له بتنفيذ سياسة “تيار المستقبل”، ويسأل: “ماذا عن القوى المسيحية الاخرى؟ اليس لها إعتبار عنده؟ هل القوات او الكتائب أو الوزراء المستقلون او النائب فرنجيه يوجهون لي مثل هذا الاتهام؟”
يدرك من تواصله مع الشارع المسيحي مدى الثقة التي يتمتع بها والتي تتجاوز في رأيه الصراعات القائمة.
وعن الفيديرالية وتهديد عون بفرط النظام والطائف، يقول ان اتفاق الطائف بخطر والوطن بخطر بظل هذا الكلام الكبير غير المسؤول وللتصعيدي والمتفلت في إتجاهات المجهول. صحيح ان النظام شيء، والدولة شيء ولكن إذا ضُرب النظام ضُربت الدولة”.
هل من مبادرة لرئيس الحكومة لثني عون عن تحركه؟ يؤكد ان الجواب ليس عنده، “وإذا كان القرار بأن تكون فشة الخلق بالحكومة فليكن. أنا أعمل على أساس ان الحكومة وجدت لاستيعاب المرحلة الصعبة. وإذا رفضوا تسيير الدولة، فأنا آخر من يفرض امرا على القوى السياسية وآخر من يتمسك بالمنصب”.
ولوّح بالاستقالة عندما قال”عندما أشعر بأن الوطن بدأ يتضرر من التعطيل سيكون لي موقف وهذا ما يحاولون ايصال الامور اليه”، لافتا إلى أن استمرار التعطيل يحوّل الحكومة إلى تصريف أعمال وعندها تصبح الاستقالة أشرف. ولكنه يضيف أنه ما زال يلمس من غالبية القوى عدم رغبتها في تطيير الحكومة.
وبسؤاله عن التحرك الشعبي للتيار وإذا كان حصل على ترخيص، يرد رئيس الحكومة بسؤال إلى أي حد يعترف عون بالدولة؟
وهل التحرك ضد الحكومة او القوى السياسية، يميز سلام بين الامرين مستغربا ان يكون ضد الحكومة وهم ممثلون فيها! “إلا إذا كان ضد القوى السياسية، فهذا إحتيال آخر، في إستعارة منه لوصف عون دعوتها مجلس الوزراء الى الانعقاد بأنها إحتيال!
ورأى أنه اذا كان التحرك سلمياً فلا بأس كما حصل مع قضية العسكريين. متسائلا عن توصيفهم له بأنه يحتال في دعوته الى عقد جلسة “فهذا إحتيال آخر”.