IMLebanon

أوزبورن الرأسمالي الشرس يدوس على برامج الرعاية الاجتماعية

BritishBudgetUK3

مارتن وولف من لندن

قدم جورج أوزبورن أول موازنة لحزب المحافظين على مدى 18 عاما. إنها موازنة سياسية بشكل شجاع. مع ذلك، تخبرنا أيضا أن وزير المالية ليس أيديولوجيا متطرفا. إذ لديه اهتمام ضئيل بجعل النظام الضريبي أقل تعقيدا وأكثر تماسكا.

بدلا من ذلك، لديه ميول غريزية: نحو الجانب الطبيعي التقليدي للمالية العامة في العصر الفكتوري؛ ونحو دولة أصغر حجما؛ ونحو جعل العمل مجزيا من خلال أجور أعلى، وليس من خلال الرعاية الاجتماعية؛ ونحو مساعدة أصحاب البيوت الكثيرة؛ ونحو الفوز في المنافسة العالمية على رأسمال الشركات.

ثم إنه أيضا يفضل القول إن “بريطانيا تستحق زيادة في الأجور” بدلا من الاعتماد على إجراء تحليل دقيق للإيجابيات والسلبيات، للقضاء على النهج الحذر الخاص بحزب العمال في تحديد الحد الأدنى للأجور.

لا يزال الاتجاه الرئيسي للسياسة المالية العامة هو تحقيق فائض إجمالي كبير عن طريق تقليص الإنفاق، لكن، كما يذكر مكتب مسؤولية الموازنة، خفف وزير المالية الضغط الوشيك بشكل لا يستهان به.

وهذا التخفيف، كما يذكر المكتب، “يتم تمويله من خلال تخفيضات الرعاية الاجتماعية، وصافي الزيادات الضريبية، وثلاث سنوات من الاقتراض الحكومي الأعلى. عملت الحكومة على تأخير العائدات المتوقعة لفائض الموازنة سنويا حتى عام 2019-2020، لكنها بالتالي تهدف إلى تحقيق فائض أكبر قليلا على المدى المتوسط”.

إن الزيادات في الضرائب تعتبر مؤشرا مهما على واقعية أوزبورن، فهو يجمع 47.2 مليار جنيه استرليني على مدى عمر هذا البرلمان، من خلال الضرائب المفروضة على أرباح الأسهم وأقساط التأمين، ورسوم المركبات، والتخفيضات في الإعفاءات الضريبية الخاصة بالمعاشات التقاعدية.

في نفس الوقت، يعتزم تنفيذ استقطاعات بقيمة 34.9 مليار جنيه استرليني من خلال التخفيضات في الرعاية الاجتماعية، بما في ذلك التجميد لأربع سنوات لترقية معظم منافع من هم في سن العمل، وتخفيضات في الإعفاءات الضريبية.

بتمهيد الطريق للفائض المالي، الذي سيتم تحقيقه بعد عام، وبالسماح لمزيد من الاقتراض، يكون المستشار قد عمل على تقليل التخفيضات في الإنفاق الحقيقي بشكل حاد. وفقا لمكتب مسؤولية الموازنة، ذلك يرتفع إلى ذروة تبلغ 17.9 مليار جنيه استرليني في الفترة 2019-2020، نزولا من 41.9 مليار جنيه استرليني خلال الفترة 2018-2019. مثل هذا التمهيد يعتبر معقولا إلى حد رائع، لكن استهداف فائض إجمالي لا يعتبر كذلك – حتى لو خوف أوزبورن حزب العمال ليدفعه إلى الموافقة على تشريع ذلك. تباهى الوزير بأنه، بحلول 2019-2020، “ستعود بريطانيا مرة أخرى إلى كونها خالية من الديون”.

غير أن الحكومة والدولة ليسا نفس الشيء: وفقا لمكتب مسؤولية الموازنة، سيكون القطاع الخاص مسؤولا عن إدارة عجز مالي كبير، وسترتفع ديون الأسر. حتى من وجهة نظر المالية العامة، استهداف فائض ليس له معنى يذكر.

إن تحقيق هذا الهدف ليس شرطا ضروريا لتخفيض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. بالتركيز فقط على الديون، فإن هذا الهدف يتجاهل جانب الأصول من الموازنة العمومية. ثم إنه يتجاهل أيضا تكلفة الدين، التي هي الآن منخفضة جدا.من المؤكد أن الاقتصاد ينمو الآن بشكل قوي، لكن، كما يذكر الوزير نفسه، هذا يعود إلى حد كبير إلى ارتفاع العمالة. يبقى الانهيار في نمو الإنتاجية مصدرا للقلق. يفترض مكتب مسؤولية الموازنة أنه سيعود إلى المعدلات التاريخية. وعلينا أن نرجو ذلك.

أما السؤال البديهي فهو فيما إذا كان من المرجح أن يكون لخطط الوزير تأثير كبير في نمو الإنتاجية. الإجابة يجب أن تكون: لا. هناك خطة من المقرر أن تصدر يوم الجمعة. العناوين الرئيسية أشارت إلى تحسينات ضئيلة. على الرغم من ذلك، تعد الزيادة المقصودة في الاستثمار في الطرق أمرا معقولا. وكذلك، أيضا، الاستثمار في التدريب الصناعي، عن طريق فرض رسوم على التدريب المهني على الشركات الكبرى.

ومن المنطقي إدخال مزيد من إصلاح المدارس، ومن المنطقي أيضا تحويل منح صيانة الجامعات إلى قروض. كما أن الخطط المتعلقة بتفويض الإنفاق في داخل إنجلترا تستحق الدعم أيضا. كل هذا من المستبعد جدا أن يكون له أثر كبير في الأداء.

تعتبر خطط الحكومة المتعلقة بالإسكان وفرض الضرائب على الثروة الإسكانية فوضى فظيعة. إن التخفيف الضريبي الجديد على المواريث، الذي سيسمح للطبقات العليا والمتوسطة بتوريث ما يصل إلى مليون جنيه استرليني لأبنائهم، معفاة من ضرائب الميراث، يضيف أمرا لا يمكن تبريره إلى نظام غير متماسك.

هذا لا يعني القول إن الضرائب المفروضة على التركات لا تحتاج إلى إصلاحات. ينبغي أن تكون ضريبة تراكمية على المتلقين مع إعانة مرتفعة معفاة من الضرائب. المجموعة الحالية من التغييرات تعتبر هبة لا يمكن تبريرها.

يُعَد المقترح بتخفيض ضرائب الشركات إلى 18 في المائة أيضا مصدرا للقلق. تصبح المملكة المتحدة رائدة في السباق العالمي نحو ضرائب منخفضة على الدخل من رأسمال الشركات. يعتبر هذا اتجاها مثيرا للقلق، من وجهة النظر العالمية. كما أن خطة رامية إلى تقليل رسوم المصارف وفي نهاية المطاف، فإن عدم تطبيقها على الميزانيات العمومية في جميع أنحاء العالم، مع إدخال رسوم إضافية بنسبة 8 في المائة على أرباح المصارف بدءا من عام 2016، يبدو بالفعل أنه أمر منطقي.

مع ذلك، فإن القرار الأكثر إثارة للدهشة من بين جميع القرارات الأخرى – والقرار الذي يوضح تماما مزيج البراجماتية والجرأة في النهج السياسي الكبير لهذا الوزير – هو قرار إصدار تشريعات لأجور المعيشة تزيد كثيرا على المستوى الحالي للحد الأدنى من الأجور. إن الجمع بين هذا التغيير مع إجراء تخفيضات كبيرة على ضرائب القروض، وزيادة أخرى على المخصصات ضد ضريبة الدخل يعد أمرا مهولا. الهدف هو جعل أرباب العمل، وليس دافعي الضرائب، يدفعون. ضمنيا، يعد هذا مكافئا تنظيميا لفرض ضريبة على العمالة التي يتحملها الموظف. بالمعنى الدقيق للكلمة، ينبغي أن يتم تضمينها في الموازنة كضريبة وكإعانة للأجور. بدلا من ذلك، سعى أوزبورن بذكاء لقتل جزء من إحدى سياسات جوردون براون – امتيازات ضريبية للفقراء العاملين – عن طريق توسيع نطاق آخر للحد الأدنى من الأجور. يعتبر هذا مقامرة على قدرة سوق العمل على التأقلم، لكنه أيضا يتخلى عن التحليل الدقيق حتى الآن المطبق على الحد الأدنى للأجور. هذا ربما سيتبين أنه خطأ كبير. مع ذلك، هذا لن يسبب القلق لأوزبورن. إذ إنه اتبع نهج بنجامين ديزرائيلي، ففي عام 1876 “هزم طبقة النبلاء وأصحاب الأراضي” عن طريق تشجيع الإصلاحات البرلمانية. الآن، يهزم أوزبورن حزب العمال عن طريق رفع الحد الأدنى للأجور. في الواقع، يعد الوزير من أتباع ديزرائيلي الحقيقيين، الذي كان أيضا المؤسس لمبدأ “أمة واحدة لحزب المحافظين” التي أشار إليه الوزير في كثير من الأحيان. إن مزيج اللغة الاستعراضية مع المرونة الملحوظة، كان إحدى ميزات دزرائيلي. أتصور أن أوزبورن كان سعيدا جدا ليحذو حذو هذا المثال.

في النهاية، على أي حال، يعتمد مصير الحكومة على ما سيحدث للاقتصاد. إنها متسابقة تركب حصانا غير مستقر. الأزمة المالية أسقطت الحصان وكذلك فارسها من حزب العمال. إن حزب أوزبورن هو المستفيد من تلك الصدمة غير المتوقعة. ويأمل الآن في ركوب متوازن وبسرعة متوازنة. تتظاهر الحكومات بأنها هي المسيطرة. إلا أنها أبدا ليست كذلك. ويجب عليها أن تأمل في حدوث الأفضل.