عزة الحاج حسن
يتربّع لبنان على ثروتين لم يذق طعم أي منهما يوماً، ثروة نفطية تقبع في باطن البحر والبر، تعرقل الخلافات السياسية الضيقة خروجها الى النور، وأخرى ذهبية تتوزّع بين مصرف لبنان وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات، يمنع فساد وانفلات الدولة مسّها او التصرّف بها.
لبنان الذي ينافس كبرى الدول في العالم والمنطقة من حيث احتياطي الذهب، ويحتل المركز الثاني عربياً، ليس أهلاً للتصرّف بذهبه أو الإستفادة منه، بشهادة أهل السياسة والإقتصاد، فالقانون الصادر عن مجلس النواب في العام 1986 ومنع بموجبه بيع ذهب الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حافظ على ذهب لبنان وحرمه في الآن معاً من استثمار ثروة، كان من المقدّر لها أن تعفي لبنان من 98% من دينه العام في أوائل التسعينيات، أي بعد انتهاء الحرب الأهلية.
ولم يقتصر تضييع لبنان الفرص للإستفادة من ثروته الذهبية على تجميدها وعدم التصرّف بها قبل أن يرتفع الدين العام بشكل هائل، بل أيضاً على عدم استثمار حجم احتياطي الذهب عندما بلغت أسعار الذهب العالمية ذروتها في العام 2011 حين قارب سعر أونصة الذهب الـ2000 دولار.
ففي العام 2011 لو قدّر للبنان الإستفادة من كل أو بعض إحتياطي الذهب لديه، كان لربّما نفذ العديد من المشاريع الإنتاجية المهمة ولكن لم يكن ليتمكّن من سد الدين العام، الذي تطور من مطلع التسعينيات الى العام 2011 من نحو 3 مليارات دولار الى أكثر من 60 مليار دولار، ولكن في المقابل، جاء ارتفاع سعر الذهب بشكل كبير في العام 2011 ليجعل من إحتياطي الذهب في لبنان ثروة كبيرة يمكن أن تحل العديد من الأزمات الإقتصادية في حال أحسن القيّمون عليها التصرف بها.
في عرض سريع لتطوّر قيمة إحتياطي الذهب في لبنان، نعود الى العام 1997 حين كان سعر أونصة الذهب وقتذاك نحو 298 دولاراً فقط ما يعني أن احتياطي لبنان من الذهب لم يكن يعادل أكثر من 2.7 مليار دولار، إذ أن حجم احتياطي الذهب يبلغ 287 طناً وكل طن يعادل 32 ألف أونصة، أما في العام 2011 فقد ارتفع سعر الذهب بشكل جنوني إذ لامس سعر الأونصة 2000 دولار، ما انعكس إيجاباً على قيمة احتياطي الذهب في لبنان فأصبح يساوي 18.3 مليار دولار، ومنذ العام 2014 عاد سعر الذهب العالمي أدراجه وهو يدور اليوم في محيط 1160 دولاراً للأونصة، وهو ما يعني أن قيمة احتياط الذهب اللبناني انخفضت الى نحو 11 مليار دولار، ما اعتبره العديد من الخبراء تضييعاً للفرص.
أمام تضييع الدولة اللبنانية فرصة كبيرة للإستفادة من قيمة احتياطي الذهب لديها، وتمسّكها بقانون عدم المس بالذهب وعدم التصرّف به، رب سؤال عن مدى الأهمية والقيمة الإقتصادية التي يرتّبها وجود الذهب في مخازن مصرف لبنان وأوروبا والولايات المتحدة، وعن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء التمسّك بتجميده، وهنا ينقسم الخبراء بين مَن يعتبر استمرار الدولة بالإحتفاظ بهذا المخزون الكبير من الذهب من دون الإستفادة منه، فقداناً فعلياً لحكمة وجوده الأساسية وهي دعم اقتصاد الدولة وتجاوز الأزمات، وبين من يصرّ على ضرورة تجميده وعدم التصرّف به، خوفاً من ضياعه في زواريب الخلافات السياسية المستمرة في لبنان منذ عشرات السنين.
وبين هذا وذاك يصرّ مصرف لبنان على اعتباره حافظاً للثقة بالإقتصاد وداعماً للعملة الوطنية، في حين يعتبره الكثير من الخبراء مبعثاً لراحة نفسية لا أكثر، بين المواطنين وفي المجتمع الدولي، أما السبب الأول والأخير الذي يحول دون المس بذهب الدولة فهو بحسب غالبية الخبراء، بينهم وزير المال السابق الدكتور جورج قرم، يعود الى عدم “أهلية” الدولة للتصرّف به، إذ وبحسب قرم في حديث الى “المدن” فعشوائية إدارة المال العام في لبنان تجعل من ذهبه في حال قررت الدولة التصرّف به، غنيمة للطبقة السياسية الفاسدة، في ظل غياب المحاسبة والمساءلة في لبنان، ويرى قرم أنه حري بالذهب أن يبقى في الخزائن محفوظاً، بدل أن يضيع هباء في بلد لا تُدرج أمواله في أي حسابات أو موازنات.