عبد الرحيم الطويل
يعد نظام الإفلاس من الأنظمة التي قننها القانون التجاري العالمي وجعلها مقصورة على فئة التجار والشركات، وأما غير التجار فيخضعون لنظام الإعسار الذي نظمه القانون المدني. والإفلاس هو نظام يخول للقضاء والجهات المسؤولة الوصول وتسييل أصول وأموال الشركة في حالة توقفها عن الوفاء بديونها التجارية حين حال أجل سدادها، متى كان هذا التوقف يكشف عن انهيار ائتمانه.
في المقابل تستطيع المحكمة أو هيئة القضاء التجاري أيضاً رفض طلب إشهار إفلاس شركة إذا ارتأت أن هناك إمكانية لإعادة الهيكلة. ويهدف هذا النظام إلى تصفية أموال الشركة جميعها وبيعها وتوزيع ثمن ما حصل من عملية البيع وفاءً لديونها أو على القدر الممكن منها. والإفلاس بالنسبة للتجار يتحقق حال توقفه المقصود عن دفع ما عليه من أموال، والتوقف يكون مقصوداً نتيجة مرور التجار بظروف وضائقة مالية تنبئ بأن مركزه المالي غير مستقر وان حقوق الدائنين في خطر محقق أو يحتمل تحققه.
ببساطة
وببساطة، يقع الإفلاس حين تقترض الشركة للقيام باستثمار معين، متوقعة أن تقوم عوائد هذا الاستثمار بسداد أقساط القرض، وعندما يفشل الاستثمار، تقوم الشركة بسداد الأقساط من خلال النقد الموجود في خزائنها وعند اكتماله تقوم ببيع بعض أصولها وعندما لا تستطيع هذه الأصول تغطية القرض، تضطر الشركة إلى إشهار إفلاسها. ويمكن إشهار إفلاس شركة حتى لو كان حجم وقيمة أصولها أكثر من ديونها، فإشهار الإفلاس لا علاقة له بقوة الشركة بل بملاءتها المالية، أو بمعنى آخر قدرتها على الالتزام بسداد ديونها في مواعيدها المحددة. والعكس صحيح، في حال كانت الشركة تمر بظروف مالية صعبة جداً لكنها تسدد ديونها في مواقيتها، لا يستطيع الدائنون رفع دعوى إشهار إفلاسها.
بيع الأصول
ومثلاً لو أن شركة عليها ديوناً بنحو 100 مليون درهم، ولم تستطع دفعها في آجالها كما أنها لم تستطع التوصل مع الدائنين على خطط لإعادة هيكلة هذه الديون (إما بتخفيضها أو تقسيطها أو تأجيل مواعيد السداد) فستقوم البنوك برفع قضايا على هذه الشركة أمام القضاء التجاري الذي سيقوم بعد ذلك بإعلان إفلاس الشركة رسمياً، حيث ستقوم البنوك التي يعينها القاضي ببيع جميع أصول الشركة المسجلة في مزادات علنية، وتوزيع عائد البيع على الدائنين حسب الحصص. وإذا كانت هذه الأصول تقيم بأكثر من 100 مليون درهم يتم إعطاء الباقي إلى مالك الأصول (الشركة).
أما إذا كانت قيمة هذه الأصول أقل من قيمة الديون فهنا يجب التفريق بين نوعية الشركة، حيث إن الشركات تنقسم إلى قسمين: شركات عائلية أو تضامنية أو شخصية أو شركات ذات مسؤولية محدودة أو شركات رأسمال، حيث في النوع الأول يؤدي إفلاس الشركة إلى إعطاء الحق للدائنين في حال عدم كفاية قيمة الأصول في سداد الديون إلى التحكم في الأصول الشخصية لملاك الشركة. أما في الحالة الثانية يكتفي الدائنون ببيع الأصول التابعة للشركة كشخصية اعتبارية ولا يحق لهم التحكم في أصول المساهمين في الشركة.
وفي حالة بيع الأصول لا يتم تفضيل دائن عن آخر، فإذا كانت الديون 100 مليون حصة أحد الدائنين منها 50 مليوناً أي ما يعادل 50%، وقيمة ما تم تحصيله من بيع أصول الشركة المفلسة 50 مليوناً، لا يحصل الدائن المذكور على كل أمواله بل يحصل على حصته وهي 50% والتي تعادل في هذه الحالة 25 مليون درهم.
إعادة الهيكلة
في حال قررت المحكمة قبول طلب إعادة الهيكلة الشخصي، تقوم بتعيين خبير أو لجنة خبراء لمساعدة المدين في إعداد خطة الهيكلة كما أنها تعين مدققين ماليين للمساعدة في تسيير أمور الشركة حتى توفي بالتزامات الدائنين. وفي هذه الفترة لا يحق لملاك الشركة أو مدراؤها التنفيذيون أو موظفوها القيام بأي وظائف تهم الجانب المالي أو الإداري للشركة وبينها التصرف في أصول الشركة أو بيع وشراء أسهم أو الحصول على قروض من بنوك أخرى دون أخذ موافقة وتوقيع الخبير الذي عينته المحكمة، وفي حالة مخالفة ذلك تعتبر المحكمة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون.
أنواع
وينقسم الإفلاس إلى ثلاثة أنواع: الإفلاس الحقيقي والإفلاس التقصيري والإفلاس الاحتيالي. فالمفلس الحقيقي: هو الذي اشتغل في التجارة على رأس مال معلوم يعتبره العرف كافياً للعمل التجاري الذي اشتغل فيه ووجدت له دفاتر منظمة ولم يبذر في مصرفه ووقع على أمواله حرق أو غرق أو خسارات ظاهرة فإذا توفرت هذه الشروط يكون مفلساً حقيقياً. أما المفلس المقصر: هو التاجر الذي يكون مبذراً في مصاريفه ولم يبين عجزه في وقته، بل كتمه على غرمائه واستمر يشتغل في التجارة حتى نفد رأس ماله وإن وجدت له دفاتر منظمة. في حين أن المفلس الاحتيالي لا يعبر عنه بمفلس إلا لتوزيع موجوداته على دائنيه، بل هو محتال والمحتال من استعمل ضروب الحيل والدسائس في رأس ماله أو قيد بدفاتره ديوناً عليه باسم أحد آخر بصورة كاذبة أو حرر بها سندات أو فراغ أمواله وعقاره إلى غيره بطريقة نقل الملك أو أخفى شيئاً من أمواله واشتغل في التجارة بطريق التمويه والاحتيال أو تغفيل التجار على أية صورة كانت وسواء أكان مبذراً أم لم يكن مبذراً أم لم توجد له دفاتر أم وجدت وكانت غير منظمة وأضاع حقوق العباد بتلك الصورة، فيكون محتالاً.
5 طرق لإعادة الهيكلة
تتم إعادة الهيكلة عبر 5 طرق رئيسية، وهي عملية يقصد بها إعطاء نفس جديد لمالية الشركة المدينة، أي تغيير تواريخ استحقاق الدين وتأجيل السداد، حيث تقرر الجهات الدائنة منح الشركة المدينة آجالا إضافية. وبهذه الطريقة يمكن للجهات الدائنة أن تحصل على أموالها بدلاً من التوقف النهائي للشركة المدينة عن الدفع، وفي الوقت نفسه تستفيد الشركة المدينة من فترة التأجيل لترتيب أوضاعها المالية والتجارية، وأهمها معالجة العجز المالي الذي هو سبب اللجوء إلى التمويل الخارجي ثم الوقوع في الدين.
أهمية إعادة الهيكلة للشركات
حتى تكون إعادة الهيكلة فاعلة، فإنه يجب ألا تقتصر على إعادة الهيكلة المالية، ولكن يجب أن تمتد لتشمل إعادة الهيكلة الإدارية؛ حتى يتلازم الاثنان معاً في تحقيق نتائج فاعلة للتغلب على الخلل المالي. وتنقسم إعادة الهيكلة إلى عدة أنواع أهمها:
إعادة تقييم الأصول
إعادة تقييم الأصول جميعها أو بعضها بما يعكس قيمتها السوقية، حيث إن زيادة هذه القيمة عن القيمة الدفترية يؤدي إلى تحسين نسبة المديونية بالنسبة لحقوق الملكية، الأمر الذي يتيح للمنظمة مجالاً أوسع للاقتراض.
إعادة هيكلة الديون
يساعد المنظمة في أن تتفاهم مع دائنيها على أحد أو بعض هذه الأمور: تحويل الديون القصيرة إلى ديون طويلة الأجل، مما يتيح للمنظمة فترة أطول لاستثمار هذه الديون. وقف سداد أقساط الدين مؤقتاً أو إعطاء فترة سماح جديدة، ويساعد ذلك في وقف جزء من التدفقات النقدية الخارجية مؤقتاً لحين تحسن الأحوال. تخفيض سعر الفائدة أو التنازل عن الفوائد المستحقة. مبادلة المديونية بالملكية: في هذه الحال يتم تحويل كل أو جزء من الديون الحالية إلى مساهمات في رأس مال الشركة عن طريق إصدار أسهم ملكية بما يعادل قيمة هذه الديون، وهذا يتوقف على مدى تفهم وتقبل الدائن لهذا الاقتراح، وكذلك الملاك، حيث سيكون للملاك الجدد تأثير مباشر على إدارة الشركة والتصويت والانتخاب.
زيادة رأس المال
وتلجأ الشركة إلى إصدار أسهم جديدة لتوفير بعض السيولة وعلى الأخص إذا كانت المنظمة أو هذه الشركة تستطيع تحقيق أرباح مستقبلا في ضوء توفير السيولة، وذلك عن طريق زيادة رأس مال الشركة بإصدارات سهمية جديدة، ولكن يواجه هذا البديل بعض الانتقادات منها: لا يصلح هذا الحل إلا في حالات الفشل المالي أو التعثر المؤقت. لا تجد الأسهم الجديدة إقبالاً من قبل المساهمين لخوفهم من حالة الشركة وظروفها المستقبلية. إن حملة الأسهم يمثلون قيداً جديداً على الإدارة يقلل من قدرتها على التحرك بمرونة كافية للخروج بالشركة من ظروفها الحالية.
زيادة التدفقات النقدية الداخلة
يمكن تحقيق ذلك من خلال العديد من الاستراتيچيات أو التصرفات المطلوبة التي تؤثر إيجاباً على النقدية الداخلة، ومن ذلك (على سبيل المثال): زيادة المبيعات لزيادة إيرادات الشركة. تغيير استراتيجيات التحصيل لديون الشركة ومنح بعض خصومات تعجيل الدفع. التخلص من المخزون الراكد كالبيع بالمزاد أو بالقسط أو مبادلته بآخر تحتاج إليه المنظمة. بيع الأصول قليلة أو منعدمة القيمة كالخردة والعادم والتالف والمعيب. بيع وإعادة استئجار بعض الأصول غير الرئيسة (الثانوية).
خفض التدفقات النقدية الخارجة
تستطيع المنظمة أن تخفض مدفوعاتها النقدية أو تؤجل بعضها للتغلب على بعض الصعوبات المالية. ومن الوسائل الممكن استخدامها في ذلك: الاتفاق مع الدائنين على تأجيل سداد بعض الأقساط وفوائد الدين. التفاوض مع الموردين للمواد الخام والأجزاء على الشراء بالتقسيط أو بالائتمان أو بدون مقدم. الحصول على فترات سماح جديدة من الدائنين. ترشيد بنود الإنفاق المباشر وغير المباشر. تأجيل سداد الالتزامات قصيرة الأجل أو تحويلها إلى التزامات طويلة الأجل. خفض كمية المشتريات عن طريق الشراء الفوري بدلاً من الشراء المقدم، ومحاولة البحث عن مواد بديلة أقل تكلفة من المواد الحالية.
إعادة الهيكلة الإدارية
تعتبر إعادة الهيكلة الإدارية جزءاً متمماً لإعادة الهيكلة المالية، ورغم أن إعادة الهيكلة الإدارية بعيدة نسبياً عن إعادة الهيكلة المالية مما يدفعنا لعدم التوسع فيها، ولكننا نختصر في أن ذلك يمكن أن يتم بواحدة أو أكثر مما يلي: إعادة دراسة استراتيجيات الإنتاج بغرض تحسين الإنتاج وخفض تكاليفه. إعادة دراسة استراتيجيات التسويق لزيادة الفاعلية التسويقية وخفض تكاليف التسويق. إعادة دراسة سياسات الأفراد لزيادة فاعليتها وخفض تكاليف عنصر العمل. زيادة المبيعات لخفض نصيب الوحدة من التكاليف الثابتة مما يخفض التكاليف الكلية.
تتوقع الأوساط الاقتصادية في دولة الإمارات أن يتم إصدار قانون الإفلاس قريباً، حيث من المتوقع أن يتبنى القانون قواعد جديدة لحماية الشركات من الإفلاس، ومساعدتها على إعادة الهيكلة، بدلاً من تصفية ممتلكات الأطراف التي تواجه مشكلات مالية وبيع أصولها بأسعار متدنية. وسيتضمن القانون الجديد بالإضافة إلى ذلك بنوداً خاصة بسرعة البت في الإجراءات، والتخفيف من الأعباء المطلوبة لتقديم طلب الصلح الواقي الذي يتيح للطرف المدين إعادة هيكلة أعماله بمقتضى خطة صلح واقٍ من الإفلاس مع دائنيه تحت إشراف الجهة المعنية.