IMLebanon

القطاعات الإنتاجية في لبنان ضحيّة القوانين والمواصفات والإتفاقات

WTO
لم يعد خافياً على أصحاب القطاعات الإنتاجية في لبنان على أنّ القوانين التي إعتُمدت والمواصفات القياسية التي أُنزلت والإتفاقات التجارية التي أُبرِمت منذ 1990 تصبّ كلها في خانة إستهدافها ودفعِها للإقفال. إنها حقاً مؤامرة حيكَت من قبل مؤسسات غربيّة بحجّة مساعدة لبنان على إعتماد الإنفتاح الإقتصادي وسيلةً لغزو منتجاته للأسواق العربية والعالمية بينما الهدف هو فتح الباب واسعاً أمام غزو المنتجات الغربية للأسواق اللبنانية والحلول محل الإنتاج الوطني.

نطلت على المسؤولين اللبنانيين كذبة الإنفتاح والعَولمة وسيلةً لدفع عجلة النمو وإستقطاب الإستثمارات والتكنولوجيا. لقد مرّ على مفاوضات لبنان للإنضمام الى منظمة التجارة العالمية عشرون سنة دون أن يتعدى عتبة العضو المراقِب بالرغم من إصدار قانون حماية الإنتاج الوطني وقانون حماية المستهلك وتخفيض الرسوم الجمركية الى معدل يقرب من 5%.

لم يصبح لبنان عضواً كامل العضوية في هذه المنظمة وهو يتعرّض لضغوطات لكي يُلغي الرسوم الجمركية على ما تبقى من رسوم حمائية لمنتجات قليلة لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة.

لو نظرنا الى النتائج التي ترتّبت على هذين القانونين وعلى تخفيض الرسوم الجمركية منذ عشرين سنة وحتى الآن وعلى توقيع إتفاقيات التبادل التجاري الحر لرأيناها تتلخص بالآتي:

1. إقفال صناعات عديدة كصناعة النسيج والملبوسات والأحذية والأدوية والتوقف عن زراعات كالشمندر السكري والعدس والحمص والفول والتفاح والصناعات الغذائية كالفول المدمّس والحمص بالطحينة وتخفيض إنتاج الألبان ولحوم الدواجن الى ما دون الـ 50% من حاجة الإستهلاك المحلّي.

2. هجرة الكفاءات والرساميل الى دول أخرى كافريقيا للإستثمار فيها بدلا من الإستثمار في لبنان.

3. هجرة ما يزيد عن عشرين ألف مواطن لبناني سنويّاً ذوي الإختصاصات العُليا والمتوسطة الى خارج لبنان بسبب قلّة فرص العمل فيه.

4. إرتفاع العجز التجاري الى ما يزيد عن 17 مليار دولار سنوياً مع إنخفاض مضطرد في قيمة الصادرات وخاصةً صادرات الصناعات الغذائية التي كان يعوّل عليها الكثير.

5. إعتماد لبنان على إستيراد ما يزيد عن 80% من غذائه وبالتالي ضرب سياسة الأمن الغذائي بالصميم وترك لبنان يعتمد على الدول الأخرى لتوفير الغذاء الذي يحتاج إليه بغض النظر عن أسعاره ونوعيّته.

6. إبعاد لبنان عن إمكانية إنتقاله من دولة في طور النمو الى دولة نامية ثم الى دولة صناعية في ظل دولة ريعيّة مستهلكة وليس دولة منتجة.

حماية الإنتاج الوطني

صدر قانون حماية الإنتاج الوطني بموجب المرسوم الرقم 1204 تاريخ 18/12/2006 وتمّ نشره في الجريدة الرسمية العدد 14/ في 3/4/2008 وذلك بعد أن وافق عليه مجلس الوزراء في 18/3/2008 وبعد أن كان ألغي المرسوم الاشتراعي رقم 31 تاريخ 5/8/1967 بالقانون الصادر في 8/12/2006 كي يحل قانون حماية الانتاج الوطني محلّه.

إن الغاية من هذا القانون كما هو واضح من عنوانه هو حماية الانتاج الوطني، من منتجات صناعية وزراعية، من المنافسة غير المشروعة التي قد تحصل من منتجات مماثلة مستوردة بصورة مشروعة الى لبنان.

أولاً: حماية الانتاج الوطني تنطلق بموجب المادة 2 من هذا القانون من «تلقي جهاز حماية الانتاج الوطني الشكاوى المتعلقة بمكافحة الإغراق والدعم المتزايد في الواردات التي ترد من الصناعة أو الزراعة المحلية أو من ينوب عنها ويتولى أمر تسجيلها وإتمام عمليات التبليغ والنشر بأي أعمال أخرى وتطبيقاً لأحكام المادة 3 من قانون حماية الانتاج الوطني.

ووفقاً لأحكام هذا المرسوم تتولى هيئة التحقيق ادارة التحقيق بأساليب حيادية وموضوعية، وعليها أن تصدر التوصيات اللازمة في كلّ مرحلة من مراحل التحقيق وترفعها الى وزير الاقتصاد والتجارة لانجاز الاجراء اللازم».

فبينما تنصّ المادة 2 على أن وزير الاقتصاد والتجارة ينشىء بموجب قرار جهازاً لحماية الانتاج الوطني يرتبط مباشرة بالمدير العام، فإن القانون لم يلحظ كيفية انشاء هيئة التحقيق والتي تتولى كل التحقيقات والدراسات المرتبطة بأي شكوى ترد.

ثانياً: تنص المادة 4 على انه «تسري الاجراءات والرسوم والتدابير التي تفرض وفقاً لأحكام هذا المرسوم على المنتجات المستوردة التي سجّل بها بيان جمركي».

يعني ذلك أن حماية الانتاج الوطني بموجب هذا القانون لا تنطبق على المنتجات المهرّبة الى لبنان أو التي تمر عبر المعابر الشرعية دون بيان جمركي.

ثالثاً: إن التحقيقات في أي شكوى منوطة بما سمّته المادة 5 «بالمصلحة الوطنية العامة التي تأخذ بالإعتبار مصلحة الصناعة أو الزراعة المعنيّة، ووضع المنافسة المحلية للمنتج موضوع التحقيق وحاجات المستعملين الصناعيين أو الزراعيين ومصالح المستهلكين».
إذاً فشكوى الصناعيين أو المزارعين لا تعني بالضرورة أن يُؤخذ بها.

رابعاً: تنص المادة 11 من القانون أنه «لا تعتبر الشكوى المقدمّة من الصناعة أو الزراعة المحلّية أو من ينوب عنها إلاّ إذا كانت نسبة المُنتجين المحلّيين المؤيّدين للشكوى تشكل أكثر من 50% من إجمالي إنتاج المنتج المماثل من الصناعة أو الزراعة المحلية الذي أيّد الطلب أو عارضه، وعلى ألا تقل نسبة المنتجين الذين يؤيدون الشكوى عن 25% من إجمالي إنتاج الصناعة أو الزراعة المحلية من المنتج المماثل».

ذلك يعني أن مجرّد قبول طلب الشكوى يقتضي إثباتاً يصعب إقراره من الجهة المقدّمة للشكوى أو من جهاز حماية الإنتاج الوطني المتلقي للشكوى، وبالتالي يصبح عرضةً للتأويل والأخذ والرّد.

خامساً:تعطي المادة 22 من القانون هيئة التحقيق مهلة تتراوح بين 60 و 120 يوماً لإجراء تحديد أوّلي لثبوت الإغراق أو الدعم والضرر أو الضرر البالغ. وتعطي المادة 23 الهيئة مهلة 120 يوماً إضافية لإجراء تحديد نهائي لثبوت الإغراق والدعم والضرر. كما تعطي المادة 26 الهيئة مهلة قد تصل إلى ثمانية عشر شهراً من تاريخ بدء التحقيق كي تُنهي إجراءات التحقيق.

هذا يعني أنّ على مقدّم الطلب إنتظار مدة قد تصل الى ثمانية عشر شهراً لمعرفة قرار هيئة التحقيق النهائي. وفي هذه الأثناء وبموجب المادة 6 «لا يجوز عرقلة إجراءات التخليص الجمركي للمنتج موضوع التحقيق» وبالتالي فإنّ المستورِد قد يلجأ إلى زيادة مستورداته من ذات المنتج وتخزينها مستفيداً من الرسوم المخفضّة قبل صدور قرار بزيادتها.

سادساً: إنّ إجراءات التحقيق الواردة في الفصلين الرابع والخامس والتي تشمل تحديد الإغراق وتحديد الدعم وإثبات الضرر والتهديد بإحداث ضرر والتأخير في إقامة الصناعة أو الزراعة المحلية جراء الإغراق أو الدعم هي في الواقع إجراءات بالغة التعقيد تستوجب جمع قدر كبير من المعلومات من البلدان المصدّرة إلى لبنان والتي قد لا تتوفر بصورة صحيحة تماماً، الأمر الذي يمكن أن يدعو هيئة التحقيق إلى إلغاء طلب التحقيق وإغلاق الملف وبالتالي إبقاء الإستيراد على مستواه الذي ينافس ويؤثر بالإنتاج المحلي.

سابعاً: قد تكون الإجراءات الوقائية من التزايد في الورادات والمنصوص عنها في الفصل السادس من قانون حماية الإنتاج الوطني هي الأكثر فاعلية والأسهل من المنتجات المستوردة إلى لبنان.

ذلك أنّ هيئة التحقيق تعتمد على المعلومات والإحصاءات المتوفرة في لبنان لإتخاذ توصيتها بوضع قيود على الكميات المسموح إستيرادها أو وضع رسوم جمركية، إضافةً للرسوم المعمول بها على المنتج موضوع التحقيق.

أنّ أفضل وسيلة لتحفيز الإنتاج المحلي وتخفيف حجم الإستيراد تكمن في الحماية الجمركية الثابتة بدلاً من اللجوء إلى الإجراءات المعقّدة من جهة والآنية. وإذا إعترضت بعض الدول الشركاء في منظمة التجارة العالمية حري بنا البقاء خارجها لأنّ لا مصلحة للبنان بدخول المنظمة إلاّ بالرسوم الجمركية.

أمّا إذا إختار المسؤولون دخول منظمة التجارة العالمية برسوم جمركية منخفضة ترضى عنها الدول الأعضاء الشركاء كي يصبح لبنان عضواً فإنه يتوجب إعتماد التدابير الوقائية النهائية المنصوص عنها في قانون حماية الإنتاج الوطني إعتماداً مفرطاً من أجل حماية الإنتاج الصناعي والزراعي في لبنان وعدم اللجوء إلى فرض رسوم مكافحة الإغراق أو الرسوم التعويضية التي تأخذ وقتاً طويلاً لإقرارها وبسبب قصر مدة صلاحيتها.