أكد الرئيس سعد الحريري أنّ شهر رمضان ليس للذين يشنون الحروب ضد الشعب السوري، لافتاً الى أنّ عاماً مرّ على الفراغ الرئاسي والتحذير تعالى من الانتحار الاقتصادي والاجتماعي وكأنّ شيئاً لم يكن.
الحريري، وفي كلمة ألقاها خلال سلسلة افطارات أقامها “تيار المستقبل” على امتداد لبنان، شدّد على أنّ الرهان على متغيرات في سوريا لن يصنع رئيساً للجمهورية، مضيفاً: لم نغلق الباب على ايّ مخرج وحاولنا ان يكون التوافق الوطني القاعدة التي يتحقق من خلالها الوصول الى رئيس، ولن نتأخر عن أي جهد للخروج من مأزق الرئاسة، والأبواب ليست مغلقة في وجه أي مخرج واقعي ولا فيتو على أي إسم.
وقال: إنّ حماية لبنان من الفتنة تتقدم على اي اولوية وهي سياسة سنستمر بها مع كل ما يواكبها من ملاحظات وانتقادات، داعياً لاستراتيجية وطنية يتولاها الجيش والقوى الشرعية حصراً بوجوب مكافحة الإرهاب ومخاطر الاختراق للمناطق اللبنانية.
وتابع الحريري: سوريا تحترق امام عيوننا، وهذا يعني انّ الخطر يقف على أبوابنا وانّ صب الزيت على النار السورية هو جريمة بحق لبنان كما هو جريمة بحق سوريا وشعبها. فمئات الشباب اللبنانيين الذين تمّت التضحية بأرواحهم لم يحققوا ولن يَستطيعوا أن يحققوا أهداف “حزب الله” في حماية النظام السوري، معتبراً أنّ الذهاب إلى الحرب السورية لن يحمي لبنان وعندما تذهب إلى النار توقع أن تأتي النار إليك.
ولفت الى أنّ المجال المتاح أمامنا واضح ومحدّد، وهو أن نقيم سدّاً لحصر أضرار النيران التي تحيط بنا، موضحاً أنّ قاعدة التوافق الوطني اصطدمت بإعطاء فئة معينة من القيادات حقاً حصرياً بالرئاسة، وقال: على الدولة حماية البلدات البقاعية وضبط الحدود ومعالجة النزوح السوري، ونحن لسنا في موقع الرفض المطلق للحرب الاستباقية ضدّ الإرهاب.
وأشار الحريري إلى أنّ هناك نظرية تدعو الى قيام كيانات أمنية وعسكرية رديفة للجيوش والقوى الرسمية في بلدان المنطقة وذلك على صورة “حزب الله” في لبنان، ونسمع أيضاً كلاماً عن الفيدرالية ينطلق من التطورات العسكرية في المنطقة والأَحزمة الطائفية التي يجري العمل عليها في سوريا والعراق، مشدّداً على أنّ طريق فلسطين لا تمرّ بالزبداني ودمشق والجيش اللبناني يقوم بدوره على أكمل وجه.
وقال: أمامنا خيار واحد أن نتضامن على إعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية وحماية الفكرة التي قامت عليها دولة لبنان، مشيراً إلى أنّ اتفاق الطائف يُظلم عندما يجري الحديث عن إلغاء الطائفية السياسية.
وأضاف الحريري: حسناً فعل الرئيس تمام سلام بحماية الركن الشرعي الاخير من الشلل، فنحن لسنا في وارد ايّ مواجهة على اساس طائفي. لقد تعاوننا مع “التيار الوطني الحر” على عشرات القرارات، ولم يصدر قرار واحد في الحكومة إلا بالتوافق بين الكتل ومن ضمنها تكتل “التغيير والإصلاح”.
وتابع: هناك رأي غالب في الحكومة ورأي راجح من الرئيس نبيه بري أنّه في ظل الخلاف لا حديث عن قيادة الجيش إلا في أيلول، لافتاً الى أنّ “تيار المستقبل” منذ عشر سنوات يتصدر المواجهة مع مشاريع تخريب الدولة، وتيار رفيق الحريري يستحيل ان يشارك في اعمال الدم بين الاخوة.
ورأى الحريري أنّ ما حصل في سجن رومية خطأ كبير ويجب محاسبة المسؤولين، ولكن من غير المقبول ان يتحول خطأ إلى حملة على وزير الداخلية وشعبة المعلومات، ولا احد يزايد علينا لا بالدين ولا بالوطنية ولا بالاعتدال ولا بالحرص على اللبنانيين وحقوقهم.
نصّ الكلمة الكامل
أصحاب الدولة والسماحة والسيادة،
أحبائي وأصدقائي،
إخوتي وأخواتي،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شهر رمضان يجمعنا دائماً على الرحمة والوحدة والمحبة والخير والقيم النبيلة للإسلام. شهر رمضان هو شهرٌ لله سبحانه وتعالى… ليس شهراً للمغضوب عليهم والضالين عن حقائق الدين الحنيف. ولا للذين يشنون الحروب ضد الشعب السوري، أو الذين يرتكبون أبشع الجرائم في ديار العرب والعالم. شهر رمضان، مناسبة لنلتقي، لنقول للأهل والأحبة في بيروت وطرابلس وعكار والضنية والمنية وكل الشمال، وللمجتمعين الى موائد الرحمن في صيدا والجنوب والبقاع والإقليم وجبيل وجبل لبنان، في كل لبنان وكل المغتربات:
كل عام وأنتم بخير، رغماً عمّن لا يريد لكم الخير. وكل عام ولبنان بخير رغماً عن الذين لا يريدون الخير لشعبنا والأمان لبلدنا والسلامة للعيش الوطني المشترك.
أيها الأحبة،
العام الماضي تقدّمنا بخريطة طريق لحماية لبنان من الحرائق المحيطة، وأكدنا على ان مفتاح الاستقرار وتصويب المسار السياسي، يتمثل بانتخاب رئيس للجمهورية، والانتقال الى حكومة جديدة، ووقف التورّط المتمادي في الحرب السورية. وقلنا بوجوب مكافحة الإرهاب ومخاطر الاختراق للمناطق اللبنانية، من خلال استراتيجيةٍ وطنية يتولاها الجيش اللبناني والقوى الشرعية حصراً. لكن مع الأسف الشديد، لم تتم ملاقاتنا بخطوة جدية واحدة على هذا الطريق، فواصلت البلاد الدوران في الحلقات المفرغة، ومر عام على الفراغ في رئاسة الجمهورية وكأن شيئاً لم يكن. وتعالى التحذير من الانتحار الاقتصادي والاجتماعي وبقيت المواقف أسيرة الرهان على الانقلابات الإقليمية والتوافقات النووية والانتصارات الوهمية. مشهد المراوحة في الفراغ وتعطيل المؤسسات الدستورية واحدة بعد الأخرى، يقابله مشهد القلق لدى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين. قلق على الاستقرار، وقلق على لقمة العيش، وقلق يتلازم مع التمزق الجغرافي والانساني
الذي تعانيه سوريا. هذا المشهد يزيدنا تصميماً على المبادرة لإيجاد المخارج، وقد بادرنا في أكثر من مناسبة من أجل ذلك، ولم نتأخر عن أي دعوة الى الحوار، وقلنا أن مسألة حماية لبنان من الفتنة، تتقدم على أي أولوية، وهي سياسة سنستمر بها، مع كل ما يواكبها من ملاحظات وانتقادات.
نحن أيها الأخوة والاخوات، ما زلنا عند قناعتنا بأن ما طالبنا به قبل عام، يمكن البناء عليه اليوم، وهو ما أريد ان أتوقف فيه معكم عند أربعة عناوين رئيسية.
أولاً : في موضوع رئاسة الجمهورية. نحن لم نغلق الباب على أي مخرج، ولم نجارِ الآخرين في لعبة الفيتو ضد أحد. حاولنا منذ البداية أن يكون التوافق الوطني، هو القاعدة التي يتحقق من خلالها الوصول إلى رئيس جديد، بغض النظر عن الأسماء. هذه القاعدة اصطدمت بالخيارات السياسية في الاتجاهين، وبإعطاء فئة معيّنة من القيادات، حقاً حصرياً بالرئاسة، وصولاً إلى ما سمعناه مؤخراً بأن هذا الحق الحصري، محصور أيضاً بشخص واحد. على الرغم من ذلك لن نتأخر عن أي جهد للخروج من هذا المأزق. وهذه مناسبة لنعلن من جديد أن الأبواب ليست مغلقة في وجه أي مخرج واقعي، وأن لا فيتو على أي اسم، ودائماً تحت سقف التوافق الوطني.
إن الرهان على متغيرات في سوريا لن يصنع رئيساً للجمهورية. وانتظار نتائج المفاوضات النووية لن يصنع رئيساً. لا خيار أمامنا جميعاً سوى التقيد بالدستور، والعودة إلى التواصل السياسي للاتفاق على مخرج عملي لمأزق الرئاسة. لنهدأ جميعاً، ولنتوقف عن سياسات التعبئة، ونعطي أنفسنا وبلدنا فرصة لالتقاط الأنفاس وإيجاد المخارج.
ثانياً : في المسألة السورية ومواجهة الإرهاب. قبل أكثر من سنتين، قلنا لحزب الله أن التورط العسكري في الحرب السورية، لن يكون في مقدوره إنقاذ نظام بشار الاسد. وقد ردوا علينا بأن سقوط النظام لم يتحقق، وهذا أمر صحيح أيضاً. ولكن الأصح أن النظام يقف فوق صفيح من الدم والنار والدمار، وأن الاهتراء يعتريه من كل الجهات. وأن مئات الشباب اللبنانيين الذين تمت التضحية بأرواحهم، لم يحققوا، ولن يستطيعوا أن يحققوا، أهداف حزب الله في حمايته، وأن الجرح الناشئ عن هذا التورط سيضرب عميقاً في الوجدان السوري، بما يدمر العلاقات الأخوية بين الشعبين والبلدين.
أيها الأخوة والاخوات، أيها الأحبة من كل لبنان، سوريا تحترق أمام عيوننا. وهذا يعني أن الخطر يقف على أبوابنا، وأن صب الزيت على النار السورية هو جريمة بحق لبنان وسلامته بمثل ما هو جريمة بحق سوريا وشعبها. قلنا في السابق ونؤكد اليوم: أن الذهاب الى الحرب السورية لن يحمي لبنان. عندما تذهب إلى النار، توقع أن تأتي النار عليك.
وبالمناسبة، سمعنا منذ يومين دعوة لتحييد لبنان. وبصراحة شعرت أنها ليست دعوة بل زلة لسان بامتياز. لإن كل ما قيل بعدها كان إصرارا على زج لبنان بكل الصراعات: من اليمن إلى العراق إلى سوريا!
المجال المتاح أمامنا واضح ومحدد: أن نقيم سداً لحصر أضرار النيران التي تحيط بنا. هذا السد إسمه الاجماع الوطني أو الوحدة الوطنية، لنعطي الدولة ما للدولة، من مسؤوليات أمنية وعسكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وتحديد الإطار الكامل لمكافحة الإرهاب وحماية البلدات البقاعية وضبط الحدود في الاتجاهين، ومعالجة النزوح السوري بما توجبه العلاقات الإنسانية والأخوية وقواعد السلامة المطلوبة للأمن اللبناني.
حزب الله لا يريد أن يسمع هذا الكلام، لكننا نراهن أن يجد هذا المنطق، مكاناً له في عقول وقلوب الأخوة من رموز وأبناء الطائفة الشيعية، والمضلّلين بوهم الحرب الاستباقية. ونحن في هذا المجال لسنا، أيها الأخوة والأخوات، في موقع الرفض المطلق للحرب الاستباقية ضد الارهاب. لكن هناك فرق بين أن يخطط لبنان لمواجهة الإرهاب، من خلال منظومة وطنية يتولاها الجيش والقوى الشرعية على الأراضي اللبنانية، وبين أن تتفرّد مجموعة لبنانية مسلحة بإعلان الحرب الاستباقية وخوضها خارج الحدود، ضمن منظومة إقليمية ذات وجه مذهبي، تبدأ في دمشق وتتصل بخطوط قاسم سليماني في الموصل وصنعاء وعدن.
وبالمناسبة، فقد كان فكري منشغلا، ولكن ما سمعته منذ يومين عاد وأكد لي أن عاصفة الحزم، يا عزيزي، ما زالت شوكة، في حلق المشروع الإيراني للهيمنة على المنطقة!
كما أن طريق فلسطين لا تمر بالزبداني ودمشق، الطريق من بيروت إلى طهران، نعم تمر بسوريا وبالعراق أما الطريق إلى فلسطين، فبالتأكيد لا.
الجيش اللبناني يقوم بدوره على أكمل وجه، والتجارب من عرسال إلى طرابلس لا تحتاج إلى دليل، وتؤكد أن المواكبة الوطنية لمهمات الجيش في عرسال وطرابلس وعكار وصيدا والعديد من المناطق، هي الحد الفاصل بين حقيقة البيئة الحاضنة للدولة وأجهزتها وبين حملات التجني التي تروِج لوجود بيئات حاضنة للارهاب.
هناك، أيها الأخوة والأخوات، نظرية غريبة عجيبة تدعو إلى قيام كيانات أمنية وعسكرية، رديفة للجيوش والقوى الرسمية في بلدان المنطقة، وذلك على صورة حزب الله في لبنان في موازاة الجيش اللبناني، والحشد الشعبي في العراق في موازاة الجيش العراقي، وقوات الدفاع الشعبي في سوريا في موازاة الجيش السوري، وأنصار الله في اليمن في موازاة الجيش اليمني، وهكذا دواليك من تجارب، على نموذج الحرس الثوري في إيران. وفي النظرية أن هذه الكيانات، قادرة على مواجهة الإرهاب أفضل من الجيوش النظامية. والواقع أن أخطر ما في الأدوار التي تتولاها هذه الكيانات، هو تجريد المعركة ضد الإرهاب من بُعدها الوطني الجامع، وإحالة الجيوش على التقاعد او استخدامها في مهمات تحدَّد لها مسبقاً، واستبدال رايات الإجماع الوطني ضد الإرهاب برايات الفتنة والحروب المذهبية. هذه ليست مجرد نظرية. هذه لعنة موصوفة لانقسام المجتمعات والدول، وإبقاء الفتنة سيفاً مسلطاً على الوحدة الإسلامية، وهو ما لن نتردد في لبنان عن الدعوة إلى رفضه، والتمسك بحصرية استخدام السلاح في يد الدولة، سبيلاً وحيداً لمحاربة الإرهاب.
ثالثاً : في اتفاق الطائف ودور المؤسسات الدستورية، من الآخر، إتفاق الطائف يُظلَم! إتفاق الطائف يظلم عندما يجري الحديث عن إلغاء الطائفية السياسية، وهذا الكلام مفهوم. ويُظلَم عندما يجري الحديث عن الانتخابات النيابية، وهذا الكلام أيضا مفهوم، ويُظلَم عندما نتحدث عن اللامركزية، وأيضا وأيضا هذا الكلام مفهوم.
لكن الظلم الأكبر على اتفاق الطائف يقع عندما نتحدث عن حصرية السلاح، فهل هذا الكلام مفهوم؟ مفهوم؟ عن حصرية السلاح بيد الشرعية وحل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.
سمعنا قبل فترة كلاماً عن المثالثة كبديل لاتفاق الطائف وللمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ثم سمعنا كلاماً يطالب بعقد مؤتمر تأسيسي، يطوي مرحلة الطائف ويبحث في اتفاق جديد مجهول المعالم. هذه الأفكار سحبت من التداول، وعاد أصحابها إلى القول بالتزام الطائف بكل مضامينه. واليوم نسمع كلاماً عن الفيدرالية، ينطلق من التطورات العسكرية في المنطقة، والأحزمة الطائفية التي يجري العمل عليها في سوريا والعراق.
أمامنا خيار واحد لا ثاني له: أن نتضامن على إعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية، وحماية الفكرة التي قامت عليها دولة لبنان، وتكرست من خلال الميثاق الوطني في الأربعينات، وتجددت من خلال وثيقة الوفاق الوطني في الطائف. وحسناً فعل الرئيس تمام سلام بحماية الركن الأخير في السلطة التنفيذية من الوقوع في الفراغ والشلل. وهو ما نتطلع إلى أن يتكامل مع جهود الرئيس نبيه بري لتفعيل العمل التشريعي في نطاق التفاهم السياسي على الأولويات، وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية، يمسك زمام القيادة ويجدد الأمل الضائع بمفهوم الدولة.
وهنا دعوني أتحدث بصراحة، نرى اليوم محاولة لتحويل الموضوع من حوار سياسي إلى متاريس طائفية. ونحن لسنا موجودين على هذه المتاريس! نحن تيار المستقبل لسنا بوارد أي مواجهة على أساس طائفي. خلاف سياسي؟ نعم. في موضوع رئاسة الجمهورية قلنا: ليس لدينا فيتو على أحد. ونزلنا إلى كل جلسة لانتخاب رئيس. لكن النصاب لم يتحقق لأنه ليس هناك توافق.
في الحكومة: تعاوننا مع التيار الوطني الحر على تشكيلها. وتيار المستقبل ليس الأكثرية في الحكومة. ودخلنا إلى الحكومة بخلاف رأي حلفائنا في القوات اللبنانية. وتعاوننا مع التيار الوطني الحر على عشرات القرارات، ولم يصدر قرار واحد في الحكومة إلا بالتوافق بين الكتل، ومن ضمنها كتلة التيار الوطني الحر. ووصلنا إلى التعيينات الأمنية. نعم حصل خلاف، خلاف داخل الحكومة، التي لا نشكل نحن الأكثرية فيها. هناك رأي غالب في الحكومة، وبين القوى السياسية، ورأي واضح من وزير الدفاع ورأي راجح من دولة الرئيس بري، بأنه في ظل الخلاف، موضوع قيادة الجيش يُبحث في وقته، أي في شهر أيلول؟ وفجأةً، باتت كل الحقوق مهدورة، وعدنا نفتح دفاتر منذ 30 سنة. نحن لسنا في مواجهة طائفية مع أحد. وإذا كان هناك من يريد فتح هكذا مواجهة سيجد نفسه في مواجهة مع نفسه، ومن هو متحمس ليؤكد ويصر على أن كل المشكلة هي بين التيار الوطني والمستقبل، فهو، كما سمعتم قبل يومين، حزب الله. فالحزب لا يزال يطلق الوعظ والنصائح بأن تيار المستقبل يعتمد سياسة التفرد والتهميش. والله إنه لشيء عجَب: كلام صادر عن الجهة المتخصصة بالتفرد والتهميش، والتي تحمل الرقم القياسي بالخروج على الإجماع الوطني، منذ قيام دولة لبنان.
رابعاً : عن تيار المستقبل ودوره الوطني. تيار المستقبل أمانة رفيق الحريري في الحياة الوطنية اللبنانية. هذا أمر يريدون أن ينسوكم إياه، لكنه أمانة. منذ عشر سنوات والتيار يتصدر المواجهة مع مشاريع تخريب الدولة. قتلوا رئيسنا ورمز كرامتنا فكانت ثورة الأرز وكنا في قلبها العصب الذي حقق خروج الجيش السوري. زرعوا العبوات والكمائن لقياداتنا ونوابنا ومفكرينا، فواجهنا الموت بصدور عارية وبقينا أمناء على المسيرة. شهروا السلاح في وجوهنا واجتاحوا بيروت بسرايا الفلتان الأمني، وبقي التيار قوة الاعتدال التي تستعصي على الإلغاء. تحاملوا على طرابلس وأهلها وأغرقوها في مسلسل من الفتن والفوضى والنزاعات المسلحة، واستمرت طرابلس مدينة الوفاء لرفيق الحريري وقاعدة العبور إلى الدولة فوق ركام المرتزقة ولو كره الكارهون. رصدوا الأموال الطائلة وكل أشكال الترغيب والترهيب لإسقاط عرسال في بحر متلاطم من الاتهامات، ولاستفزاز صيدا والإقليم، والعديد العديد من المناطق في عكار والشمال والبقاع، وكل جهة ترفع راية المستقبل وتحفر في وجدانها صورة الوفاء لرفيق الحريري. ولم تسقط الرايات رغم كل الأهوال ومحاولات الخرق الأمني والسياسي. بذلوا المستحيل لتركيب البدائل السياسية للمستقبل، وقدموا إغراءات لا تحصى لمتمولين ورجال أعمال وطامحين لبلوغ السلطة بأي وسيلة، وها هي النتيجة أمام أعينهم، تتحدث عن نفسها في كل الساحات. فكان الانتقال إلى موجة تلو الموجة من الخروقات الأمنية شمالاً وجنوباً وبقاعاً وعاصمةً، وكانت التفجيرات في طرابلس ومؤامرة سماحة – المملوك ثم اغتيال الشيخ أحمد عبد الواحد في عكار واغتيال وسام الحسن ومحمد شطح في قلب بيروت.
راهنوا ان نكون على صورتهم. لكنهم فشلوا في استدراجنا إلى هذه اللعبة، وأدركوا متأخرين أن الميلشيا ليست ملعبنا، لأن تيار رفيق الحريري يستحيل أن يشارك في ألعاب الدم بين الأخوة.
وآخر ما توصلوا إليه فيلم الاعتداء على المساجين في سجن رومية. دعوني أكون واضحا في هذا الموضوع، ما حصل خطأ وخطأ كبير، بل خطأ فادح. من ارتكبوه يجب أن يحاسبوا، وهم يحاسَبون. أما أن يتحول خطأ إلى حملة على وزير الداخلية وقوى الأمن وشعبة المعلومات، فهذا غير مقبول. شعبة المعلومات التي شاركت في كشف شبكات المتهمين باغتيال رفيق الحريري، وتعرفون من يحميهم، شعبة المعلومات التي كشفت مؤامرة سماحة – المملوك وعشرات شبكات الإرهاب وشبكات الجاسوسية الإسرائيلية. شعبة المعلومات التي دفعت الثمن بشهداء، وعلى رأسهم وسام الحسن ووسام عيد، فهذه ليست شعبة المعلومات التي يمكن أن يشنوا عليها الحملات.
على كل حال، على أبوابنا وعند حدودنا، نظام يرتكب، مع حزب الله، أبشع أنواع العنف والإرهاب بحق شعبه. ومنظمات إرهابية، ترتكب أكبر جريمة بحق الدين الإسلامي أولا، وبحق المسلمين وصورتهم في العالم، وبحق الأبرياء من كل الأديان، في العالم العربي وخارج العالم العربي، أكبر جريمة بحق الدين، باسم الدين.
نحن في لبنان، قد يكون لدينا شعور، بأننا مقارنة بما يحدث حولنا، لا زلنا بألف خير. لكن الرائج عندنا في السياسة في هذه الأيام هو التصعيد والمزايدة والتطرف في الكلام والمواقف والتشدد والمعاندة.
وطبعا، هناك أطراف عديدة، من كل الفئات، لا عمل لديها سوى إلصاق الاتهامات بنا وبكم، بتيار المستقبل، بجمهور تيار المستقبل، تهمة التطرف والداعشية والبيئة الحاضنة، إلى ما هنالك من كلام.
لا يهمني ما يحاول غيرنا القيام به، بل يهمني ما نقوم به نحن. أولا، أنا على قناعة، أننا رغم كل الضجيج والمزايدات والتصعيد، لا زالت الغالبية الساحقة من اللبنانيين، من كل المناطق والطوائف والقناعات السياسية، تريد سماع صوت العقل والهدوء والمنطق. ونحن تيار المستقبل، تيار رفيق الحريري، تيار العقل، والهدوء والمنطق.
نحن لا ننجر إلى المزايدات والتصعيد والتطرف، لإنها وصفة لضرب السلم الأهلي وخطوة أولى وأخيرة ونهائية باتجاه الحرب الأهلية. ونحن منذ أيام رفيق الحريري، رصيدنا وقناعاتنا وإنجازاتنا، قائمة على التصدي للحرب الأهلية. إذا كانت هناك من جريمة أكبر من ضرب الدين باسم الدين، فهي جريمة حرق الوطن باسم الوطن، وتدمير حياة أهلنا باسم الدفاع عن أهلنا، والمزايدة على اعتدالنا، باسم محاربة التطرف.
أريد أن أقول بكل هدوء وبكل صدق: لا يزايد علينا أحد، لا بالدين، ولا بالوطنية ولا بالاعتدال ولا بالحرص على اللبنانيين وحقوقهم. نحن اسمنا “تيار المستقبل”، لإننا نتطلع إلى الأمام، وليس إلى الخلف. وأنا على يقين أن الصبر والتزام الأخلاق والاعتدال والحكمة هو في صميم خياراتكم الوطنية، لأنكم مؤتمنون، كما أنا مؤتمن، على رسالة رفيق الحريري بمنع الفتنة وقيام دولة ناجحة. أنتم قوة الاعتدال التي لا تنكسر، ولا أحد يكسرها، تمسكوا بهذا النهج ودعوا رفيق الحريري في وجدانكم، ودافعوا عن بلدنا الصغير ليبقى كبيرا، بدوره ورسالته وشعبه.
عشتم وعاش لبنان، وإن شاء الله أكون في المرة المقبلة معكم في بيروت أو في طرابلس أو في أي مكان من لبنان.