يجري كثيراً ذكر الهند على أنها القوّة الآسيوية العملاقة الصاعدة الثانية بعد الصين. ويتم توصيفها أنها أكبر ديمقراطية في العالم.
ونعوت أخرى كثيرة تتردد باتجاه كيل المديح لها أو للتعبير عن مدى النجاحات التي حققتها، خاصّة على صعيد تكنولوجيات المعلوماتية الدقيقة. هذا ما تدل عليه بوضوح سلسلة الكتب لمؤلفين هنود وغيرهم، والتي تذهب عامّة في اتجاه التعبير عن «مديح التجربة الهندية» بنسختها «الراهنة».
لكن الباحث والصحافي الاقتصادي الهندي المعروف «ميهير س. شارما» يذهب في كتابه الأخير باتجاه معاكس. يحمل الكتاب عنوان «الانطلاق من جديد» باعتبار ذلك «الحظ الأخير للاقتصاد الهندي»، حـــــسبما جاء في العــنوان الفرعي للكتاب.
ويعلن المؤلف منذ الأسطر الأولى للكتاب أنه سيسمّي الأشياء بمسمياتها دون لبس أو غموض، مع رسم لوحة للواقع الهندي كما هو «دون رتوش». ويؤكّد مباشرة أن الهند أقامت واقعياً شهرة «نجاحها الاقتصادي» على مجالين أساسيين هما «عالم التمويل» و«تكنولوجيات المعلوماتية والاتصالات»، بينما كانت النتائج متواضعة في مختلف المبادين الأخرى.
هذا ما يشرحه المؤلف بالتفصيل في الأقسام الثلاثة الأولى من الكتاب.. وليس أقل النماذج التي يقدّمها لحالات الغش والتحايل تلك التي تمثّلها شركات صناعات الأدوية الهندية.
والتأكيد بأشكال مختلفة في التحليلات المقدّمة على أن المجالين المتعلّقين بـ «التمويل» وبـ«تكنولوجيات المعلوماتية والاتصالات» لم يسمحا بتحقيق تطوير «سريع» لمجال خلق فرص العمل بحيث يحقق زيادة سنوية بنسبة 3 بالمائة، أي ضعف ما يتحقق في سياق ما بعد تبنّي سياسة اقتصادية لبرالية. والإشارة في هذا السياق أن هناك «13 مليوناً من طالبي العمل يُضافون لأسواق العمل كل عام» في الهند.
نقرأ « إن الهند تُبدي نوعاً من الهوى المستمر وغير المفهوم حيال التكاسل في تحقيق إيقاع سريع للنمو يعادل هواها حيال لعبة الكريكيت ــ الرياضة الهندية المفضّلة». مثل هذا «الهوى» يرى فيه المؤلف الدافع الخفي وراء «ميل الهند نحو الخيارات السهلة» في ما يتعلّق بـ «خطط النهوض الصناعي بعد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية».
ولا يتردد مؤلف هذا الكتاب في أن يوجّه أصابع الاتهام الكامنة وراء ذلك التكاسل والتقاعس ونقص الدينامية التي تسمح بتحقيق السرعة المطلوبة في النمو العام إلى عمل الحكومات الهندية المتعاقبة منذ عدّة عقود، وللقطاع الهندي الخاص، ولسوء التصرّف بأموال الاستثمارات. ولكن أيضاً، وخاصّة، إلى بعض رموز التاريخ الهندي الكبرى.
هكذا يحمل أحد فصول هذا الكتاب عنوان «الإرث السيئ للمهاتما غاندي»، أب الاستقلال الهندي. ويعتبره المؤلّف، حسب التحليلات المقدّمة، المسؤول الأول عن حالة «التقشّف» التي أصبحت أحد التوصيفات الشائعة للهند وللهنود. لكنه يعتبرها أبعد من ذلك «عائقاً أمام التنمية الاقتصادية للبلاد منذ عدّة عقود من الزمن». وسبب آخر لتباطؤ النمو الاقتصادي الهندي يجده المؤلف في «فشل الدولة الهندية».
ومما يؤكّده المؤلف هو أن أصحاب القرار السياسي والاقتصادي في الهند لم يقوموا بالإصلاحات الضرورية المطلوبة، ذلك على خلفية «حجّج مغلوطة» تتعلّق بالخلط بين «الإصلاحات» و«رغد العيش». لكنه يعتبر بالمقابل أن «القطاع الخاص» يتحمل هو الآخر مسؤولية تباطؤ النمو الاقتصادي الهندي.
لكن، ما العمل؟
الإجابة عن مثل هذا السؤال يشرحها المؤلف، من وجهة نظره، في الصفحات الأخيرة من الكتاب. والمحور الأساسي فيها يتلخّص بالقول إن الهند بحاجة إلى طريقة أخرى، غير السائدة منذ عدّة عقود، لتحقيق نموّها الاقتصادي السريع. أمّا أهم الخطوط العريضة فيحددها في استثمار الأموال بمكانها الصحيح، ومحاسبة المستفيدين من القروض على نتائج عملهم وعلى متطلبات السوق.