كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:
في «هدوء ما بعد العاصفة الحكومية»، وفي فترة الأسبوعين الفاصلة عن الجولة الثانية، هذه ملاحظات واستنتاجات سياسية حول الوضع المستجد وفي تطورات اليومين الماضيين التي تميزت بأربع إطلالات لكل من (حسب الترتيب الزمني) العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية والسيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري:
1 – خرج العماد عون من هذه الجولة منهوك القوى الى وضع غير مريح، وبنتائج أقل من المتوقع، ذلك أن حملته ومعركته انطوت على أربع ثغرات أساسية:
٭ الحجم المتواضع للحركة الاحتجاجية في الشارع التي لم تكن في حجم المعركة وعناوينها.
وثمة أسباب كثيرة لهذا الانكفاء الشعبي لا مجال للخوض فيها الآن، ولكن ما حدث على الأرض يظهر قصورا في التعبئة السياسية وأن هناك فجوة بين عون وجمهوره الذي لم تصله «الرسالة» كما يجب وبدا غير معني بالمعركة وغير جاهز لها.
٭حالة تأفف وتذمر عند قطاعات مسيحية واسعة لسببين على الأقل: توقيت التحرك في عز موسم سياحي تستقطبه المناطق المسيحية أكثر من غيرها، والتصادم غير المفهوم وغير الطبيعي بين العونيين والجيش اللبناني على الأرض والمستند الى أجواء سياسية متوترة ومشحونة بين عون والعماد جان قهوجي، أخرجها عون الى العلن مع تحميل قائد الجيش مسؤولية ما تعرض له أنصاره وفي عملية «تصفية حسابات» مكشوفة.
٭ التحول في مسار المعركة من معركة سياسية مع تيار المستقبل الى معركة شخصية مع الرئيس تمام سلام والاصطدام به واتهامه بـ«الداعشية السياسية»… تمام سلام ليس العنوان والهدف المناسب أو الصحيح لخلق حالة مسيحية مناهضة للواقع ومعبأة لتغييره والمشكلة ليست معه..
٭ عدم تأمين الحد الكافي من التأييد السياسي لدى الحلفاء، حيث طغى التباين على التضامن وبدا عون وكأنه يقاتل وحيدا على ثلاث جبهات مترابطة: التعيينات، الحكومة، الرئاسة.
وهذا ما حمله على إدخال تعديلات وتقديم توضيحات بدءا من توضيح الموقف من الفيدرالية التي لم ينسها ودفع الى طرحها كحل ممكن ومشروط بتوافق لبناني حولها…
2 – سليمان فرنجية هو أبرز الرابحين في هذه الجولة وأكثر المستفيدين منها، وأفضل من استثمر سياسيا فيها وإلى درجة يمكن القول إنه لو جرت انتخابات رئاسية الآن لكان فرنجية الأوفر حظا للفوز ومن موقع «الرئيس التوافقي» رغم لونه السياسي الفاقع وعلاقته مع الرئيس السوري بشار الأسد.
يحرص فرنجية على التأكيد والتذكير أنه مع عون ولن يتخلى عنه وسيظل مرشحه وخياره الأول لرئاسة الجمهورية.. ولكن فرنجية في الواقع ابتعد عن عون كثيرا ونسف طروحاته وكشف أنه ليس معه في أشياء كثيرة يقوم بها: من النزول الى الشارع ورفض الدورة الاستثنائية، الى الاستفتاء المسيحي وطرح الفيدرالية…
فرنجية المتناغم والمنسجم تكتيكيا مع الرئيس بري واستراتيجيا مع حزب الله أخرج حساباته الخاصة الى العلن ووجد أن الوقت قد حان للشروع في معركته الرئاسية كناخب رئيسي أو حتى كمرشح قوي من خارج ثنائية عون جعجع… فرنجية تلقى اتصالات تهنئة وإشادة وتأييد من الرئيس نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط والرئيس فؤاد السنيورة والوزير نهاد المشنوق، وانتقل في لحظة سياسية أحسن اختيارها الى لعب دور الجسر والوسيط بين 8 و14 آذار، الدور الذي لعبه لفترة وليد جنبلاط سياسيا ولعبه لفترة عون حكوميا.
3 – السيد حسن نصرالله أكد مجددا أن الأولوية عنده هي للتطورات والأوضاع الإقليمية، بدءا من سورية وصولا الى اليمن…
وأنه مع الوضع اللبناني الداخلي يتعاطى بهدوء ودقة وبين حدين: عدم إسقاط الحكومة وعدم تعطيلها… وعدم كسر العماد عون وعدم السماح باستفراده.
ولذلك يعمل على نزع فتيل التصعيد السياسي وينصح باستئناف الحوار بين المستقبل والتيار الوطني الحر، ولا يجد حرجا في تظهير منمق لنقاط تباين مع حليفه عون في موضوعي الفيدرالية والدورة الاستثنائية لمجلس النواب، كما لا يجد حرجا في مد يد المساعدة لتيار المستقبل إذا أراد النزول عن الشجرة التي تسلقها…
4 – الرئيس سعد الحريري فاجأ الجميع بأنه لم يكن حادا مع عون ولم يبادله بالمثل، لا بل ظهر مهادنا ومهدئا له مقارنة بما صدر عن مسؤولي تيار المستقبل.
ولكن الحريري لم يكن مفاجئا في انتقاداته الحادة واللاذعة لحزب الله والسيد حسن نصرالله وهو حرص على التذكير بأن معركته الأساسية هي مع حزب الله وعلى التوضيح أنه لا يريد الدخول في معركة جانبية يستدرجه إليها حزب الله مع عون لإذكاء صراع سني مسيحي وتحويل الأنظار وتشتيت تركيز المستقبل وقواه.