علي البغدادي
لجأ أكراد العراق بعد أن ضيّقت حكومة بغداد الخناق عليهم اقتصادياً الى خيارات صعبة من خلال إقدامهم على تصدير النفط الكردي من دون المرور بالحكومة الاتحادية، في مؤشر يدل على اهتزاز الثقة برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وقدرته على إبقاء العراق غير قابل للتقسيم.
ويضع الاستقلال الاقتصادي لإقليم كردستان مستقبل البلاد وبقاءها موحدة على المحك في ظل انتشار تنظيم «داعش» وسيطرته على أجزاء واسعة من العراق وخروجها عن سلطة الحكومة المركزية، لا سيما أن الخطوة الكردية تحمل في طياتها انعكاسات تشي بأن المزاج العام في إقليم كردستان يسير بخطوات هادئة ومدروسة نحو الاستقلال التام عن العراق على الرغم من وجود عوائق تتمثل بالخلافات الداخلية بين الأحزاب الكردية الرئيسية.
ولا ينكر على أكراد العراق قدرتهم على انتهاز الاضطراب الأمني والفوضى السياسية والانقسام الطائفي في الجزء العربي من العراق الذي مكنهم من توسيع رقعة منطقتهم لتضم مدينة كركوك التي يوجد فيها مخزونات نفطية كبيرة ومناطق أخرى متنازع عليها يمكن أن تجعل الدولة المستقلة التي يحلم بها كثيرون قادرة على البقاء اقتصادياً.
فحكومة إقليم كردستان أعلنت أخيراً عن استقلالها في بيع نفط الإقليم من دون الرجوع الى الحكومة الاتحادية في بغداد وهو ما يعني أن عائدات النفط المالية سوف تحول بصورة مباشرة الى وزارة المالية والاقتصاد في حكومة الإقليم، إذ قال رئيس لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي عزيز عبد الله إن «حكومة إقليم كردستان باشرت في مطلع تموز (يوليو) ببيع نفط الإقليم وكركوك بصورة مباشرة من دون الرجوع إلى بغداد وهذا بداية تقسيم العراق».
أما المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان سفين دزيي فقد أكد أن «الإقليم قام بهذه الخطوة لمعالجة المشكلة المالية وضمان عدم تأخر رواتب الموظفين»، مشيراً الى أن «الحكومة التركية طمأنت إقليم كردستان بالاتفاقية المبرمة بين الطرفين وأنها لن تفتعل أي أزمات أو عراقيل في مسألة بيع أربيل للنفط من دون الرجوع إلى بغداد».
وعلى الرغم من أن الاستقلال التام عن العراق تعتريه صعوبات جمّة حالياً إلا أن الاستقلال الاقتصادي قد يكون مدخلاً له لكنه يواجه عقبات داخلية وأخرى تتعلق بالحاجة الى علاقة تكاملية مع دول المنطقة وقبولاً منها للدولة الوليدة التي يخطط لها الأكراد وسط منطقة مضطربة أمنياً وسياسياً وتشهد هزات وتحولات كبرى لكن المؤكد أن إقليم كردستان نجح بنسج خطوط تواصل وعلاقات مهمة مع دول كثيرة.
ويقول رئيس مركز أكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية والمحلل الاستراتيجي حسين علاوي إن «قرار إقليم كردستان بتصدير النفط مباشرة من دون الرجوع الى الحكومة يهدف للضغط على بغداد لرفع سقف المطالب التفاوضية فكردستان ليس لديها نفط إشارة والعالم يتعامل بنفط الإشارة ولحد الآن تواجه تحديات جسيمة في هذا المجال»، مشيراً الى أن «الإدارة الأميركية لا تشجع على تصدير النفط من الإقليم ولن تقبل أو تسمح بذلك كونها أصدرت بيانات عدة تحذر الشركات الأميركية من الإقدام على هذه الخطوة».
وأضاف علاوي في تصريح لـ «المستقبل» أن «الأطراف الإقليمية والدولية تعيد الآن حساباتها السياسية فتركيا مثلاً وسياستها المقبلة تجاه الإقليم ستكون عبر الحكومة الاتحادية العراقية فحتى الاستقلال الاقتصادي من غير الممكن تطبيقة والأكراد جربوا ذلك الخيار منذ 2007 ولغاية الآن ولم تنجح السياسة النفطية في حل الأزمة المالية للإقليم»،
وعن الآثار السياسية للخطوة الكردية وإمكانية أن تمهد لاستقلال الإقليم عن العراق أكد رئيس مركز اكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية أن «الأجندة الدولية لا تحمل الآن أي فكرة للتقسيم وأي طرف في العراق عندما يفكر في التقسيم فإنه يتناوله من ناحية محلية وليس دولية»، منوهاً الى ان «البيئة الدولية لا تتيح هكذا خيار بالرغم من وجود أفكار بهذا الشأن لكن حتى الآن لا يوجد من سياسات تشجع على خطوة الانفصال».
وبحسب الاتفاق الموقع بين بغداد وأربيل والمثبت في الموازنة المالية للعام الحالي فإن أربيل ملزمة بتصدير 250 ألف برميل يومياً من نفط إقليم كردستان و300 ألف برميل من نفط كركوك عبر شركة سومو التي تشرف عليها الحكومة الاتحادية لكن بسبب عدم التزام الحكومة المركزية بإرسال المستحقات المالية لحكومة إقليم كردستان خفضت حكومة الإقليم صادراتها عبر سومو الى 149 ألف برميل يومياً.
ويبدو أن الملفات الموروثة منذ عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ما زالت تلقي بظلالها على الواقع السياسي وشكل العلاقة بين بغداد وأربيل، فالمالكي والاكراد خاضا معارك سياسية قادتهما الى الافتراق دفعت الأكراد لمساندة أي جهد لمنع المالكي من تولي السلطة مرة أخرى وهو ما أثمر تولي العبادي لرئاسة الحكومة لكن الأخير لم يتخذ القرارات التي ينتظرها الأكراد لتتراكم المشاكل بل ربما تتفاقم بشكل كبير قد يجعل الجميع أمام مفترق طرق إن أخفقوا بالتوصل الى حلول ناجعة.
ويرى سعود هاشم مدير معهد كردستان للطاقة ورئيس تحرير مجلة وزة (طاقة) الكردية أن «إقليم كردستان وحكومة بغداد لم يستطيعا إدارة الملف النفطي وجعله عامل تقارب بين بغداد وأربيل».
وأضاف هاشم في تصريح لصحيفة «المستقبل» أن «حكومة نوري المالكي وبعدها حكومة حيدر العبادي لم تتمكنا من تفهم التطورات الحاصلة في القطاع النفطي بكردستان فسرعان ما أصبحت إدارة النفط من أهم نقاط الخلاف وتحول النفط الى ورقة ضغط سياسي بين أربيل وبغداد».
وأشار الخبير النفطي الكردي «كان هناك تفاهم أو اتفاق بين حكومة إقليم كردستان وبغداد بشأن تصدير 550 ألف برميل يومياً لكنه اتفاق يفتقر الى تناول الجانب الفني ومشكلة النفط بين بغداد وأربيل تكمن في قرارات مسبقة من قبل حكومة بغداد التي تقف ضد أي توجه للاستثمار أو خطوات إقليم كردستان للتنقيب والتطوير وتصدير نفط لذا فالمشكلة ليست في كمية النفط المصدر أو حجم إنتاج النفط في الإقليم بل في رغبة بغداد بالسيطرة على ملف النفط والتحكم به».
ولفت هاشم أن «إقليم كردستان قرر تصدير النفط الخام بشكل مستقل وبدون الرجوع الى حكومة المركز كرد فعل على حكومة المركز لتأخرها وعدم إرسال حصة الإقليم من ميزانية 2015 وعدم دفع مستحقات الشركات العاملة في كردستان» كاشفاً عن «وجود الكثير من الشركات الأميركية والصينية والخليحية التي أبدت استعدادها بأن تشتري نفط كردستان كدولة وليس كإقليم، فقطاع النفط بكردستان وصل الى مرحلة لا يمكن رجوع عنها».
ويرى سعود هاشم مدير معهد كردستان للطاقة أن «الاستقلال الاقتصادي سيعزز من الاستقلال السياسي فالخطوة الكردية بخصوص النفط تعتبر مخرجاً من أزمة خلقها العبادي الذي لا يمكن له التحكم بنفط كردستان مجدداً، لافتاً الى أن «مستقبل كردستان مرهون بتعامل أميركا والدول الأوروبية والعربية في قطاع الطاقة وخلال هذه الفترة سجلنا تعاملاً إيجابياً تجاه خطوات الإقليم في قراره بالاستقلال الاقتصادي».
وبحسب الخبير النفطي الكردي فإن مكانة إقليم كردستان على المستوى الدولي ستتعزز بعد خطوة تصدير النفط مشيراً الى أن «هذه الخطوة تثبت بأن العراق أصبح ينقسم عملياً الى 3 أقاليم (اقتصادياً) وإذا استمرت بغداد بذات النهج والسياسة فإن المناطق السنية بعد مرحلة داعش ستخطو ذات خطوات إقليم كردستان لأن المناطق سنية لديها مقومات اقتصادية لإعلان إقليمها واستثمار ثرواتها الطبيعية».
ويرمي الأكراد الكرة في ملعب حكومة بغداد ويحملونها نتائج الخطوات الكردية أو ما يمكن اللجوء اليه مستقبلاً لضمان الخروج من المأزق الاقتصادي والتخلص من قيود مفروضة عليهم من دون أن يغفلوا أن خطوة الاستقلال الاقتصادي ستعزز من تحركاتهم الرامية للاستقلال عن العراق.