كتب أسعد حيدر في صحيفة “المستقبل”:
الحاجة المتبادلة إلى اتفاق نووي زائد الواقعية السياسية، أوصلت المفاوضين من مجموعة خمسة زائد واحد من جهة وإيران من جهة أخرى إلى الاتفاق مهما تأخر إعلانه. من الطبيعي أن يكون الطرفان قد قدما تنازلات متبادلة وقاسية. دون ذلك لا يمكن النجاح. واشنطن وطهران بذلتا جهوداً ضخمة للنجاح. الرئيس باراك أوباما يريد التأكيد على أنّه كان يستحق جائزة نوبل للسلام وانّه قد يستحقها مرّة أخرى ربما مع شريكه جون كيري. أيضاً أوباما سجل اسمه في تاريخ الرؤساء الأميركيين بتحقيق إنجازات من دون أن يخسر الأميركيون جندياً واحداً ودولاراً واحداً، على عكس الرؤساء الأميركيين السابقين. أوباما نجح في تحقيق المصالحة مع كوبا وغداً مع إيران. أوباما قد يفاجئ العالم في زيارة هافانا وطهران على مثال الرئيس نيكسون في زيارته لبكين بعد الاتفاق.
الرئيس حسن روحاني الذي سيردّد دائماً انطلاقاً من تركيبة النظام الإيراني ودستوره أنّه نجح تحت رقابة الولي الفقيه والالتزام بنهجه في إنقاذ الاقتصاد الإيراني. آلية هذا النجاح لا بد أن تترجم داخلياً في إعادة تركيبة التوازنات ومواقع القوى السياسية. لن تبقى إيران كما كانت قبل التوقيع. انتهت مرحلة الثورة وبدأت مرحلة الدولة.
من أجل التوصّل إلى اتفاق، قبلت إيران بعيداً عن المكابرة و»سكاكين» الخطاب الايديولوجي «خصي» مشروعها النووي. قدّمت إيران تنازلات تقنية أساسية، فأصبح مشروعها سلمياً مئة في المئة. لتدخل إيران، مقابل ذلك، النادي النووي السلمي وتصبح عضواً فيه يمكنها من تطوير استخداماتها النووية السلمية في مشاريع طبية وصناعية ضخمة جداً تعود باستثمارات مالية ضخمة.
قبلت إيران «خصي» مشروعها النووي بالمشاركة مع موسكو التي ستشتري مخزونها من الاورانيوم المخصب والمياه الثقيلة، والصين التي ستتولى بالإشراف مع الخبراء من الدول الغربية في تفكيك «قلب» مفاعل «اراك» بحيث لا يعود يعمل على المياه الثقيلة الذي تثير القلق من استخداماته النووية العسكرية، كما أنها قبلت عملياً إقفال مفاعل «فوردو» المحصن وتحويله إلى مركز أبحاث. فقط مفاعل «ناتانز» سيعمل مع غيره بواسطة 5060 آلة طرد مركزي بدلاً من 19 ألف آلة، إلى جانب ذلك بقاء العقوبات على الاسلحة التقليدية لفترة لم تتوضح حتى صدور النص، كل هذا من الأساسيات تبقى تفاصيل تقنية كثيرة ليس من الضروري الدخول في تفاصيلها هنا.
منطقة الشرق الأوسط لن تكون كما كانت قبله. إيران قوّة اقليمية كبرى. ليس هذا جديداً ولا طارئاً، لكن بالتأكيد كسبت إيران في السنوات الأربع الأخيرة حضوراً تفاخر به علناً أنه أصبح من عدن إلى شواطئ البحر الأبيض. السؤال هل تتابع إيران في التمدّد عبر الانخراط في سياسة سلبية أقل ما يُقال فيها المشاركة المباشرة في إشعال النار على طول «الهلال الشيعي»؟ هل تستقوي إيران بالاعتراف بها قوة نووية على محيطها الجغرافي العربي، أم أنها ستلتزم أيضاً بالواقعية السياسية وتعمل على أساس أنها قوة اقليمية كبرى إلى جانب قوى اقليمية لها وجودها ولا يمكنها إلغاؤها؟
ما يزيد من أهمية هذا السؤال انها في الوقت الذي أضرمت أو شاركت في إضرام النار على طول «الهلال الشيعي»، تساكنت مع إسرائيل التي كانت تصفها «بالسرطان الذي يجب استئصاله»، وأصبح هذا الشعار مجرد عنوان لاحتفال سنوي في «يوم القدس»، وفي هذا الجانب يتبلور سؤال واقعي وهو: ما هي الضمانات التي أخذتها واشنطن لحليفتها إسرائيل وما هي تردداتها على مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي لاحقاً؟
هذا السؤال يقود إلى سؤال آخر مهم: ما هي حقيقة الموقف الأميركي من «الشراهة» الإيرانية خصوصاً ما يتعلق بحلفائها العرب؟
الأشهر الستّة بعد التوقيع تاريخية بكل معنى الكلمة، إذ خلالها سيتم اختيار إيران وصلابة الاتفاق ويتم بناء عوامل الثقة مقدّمة للانطلاق في بناء علاقات شاملة قائمة على أسس جديدة. توجد نقاط مشتعلة في المنطقة أبرزها العراق وسوريا واليمن ولبنان.
لا شك أنّ لبنان هو الحلقة الأسهل لحل مشاكله. لكنه قد لا يكون الحلقة الأولى للاختبار. اليمن تتقدم على الجميع لأنّها الاختبار البارز لواشنطن لنوايا إيران تجاه السعودية ودول الخليج العربية، في الإسراع في إطفاء النار اليمنية وصياغة حل يحفظ للجميع وجودهم وحقوقهم وواجباتهم. الحل في اليمن يبلور طبيعة العلاقة المقبلة بين واشنطن وطهران. كيفية تصرف الدول العربية وحركتها أساسية في عملية إعادة تنظيم المنطقة وموقعها فيها.
لا شيء يضمن النجاح مئة في المئة، لكن من المهم بالنسبة لإيران الاستمرار في واقعيتها السياسية، لأنّ أحوال الدول تتغير خصوصاً في دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية حيث لا يبقى الرئيس في البيت الأبيض أكثر من ثماني سنوات وليس أكثر من ربع قرن بلا حساب ولا محاسبة!