Site icon IMLebanon

أزمة لبنان ترهق الديبلوماسية الدولية!

 

 

يجري وزير الخارجية والتعاون الدولي الايطالي باولو جنتيلوني الذي وصل الى بيروت مساء أمس جولة محادثات اليوم مع الرئيس بري ورئيس الوزراء تمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل ناقلا اليهم “كما الى القوى السياسية اللبنانية الاخرى رسالة ايطاليا بدعم لبنان الذي يمكنه ان يستمر في المساهمة في استقرار المنطقة”.

وأوضح الوزير جنتيلوني في حديث خص به “النهار” في مناسبة زيارته لبيروت ان بلاده “تشعر بقلق ازاء المأزق الذي يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية”، معتبرا ان “التزام انتخاب رئيس للجمهورية، يعني جميع اللبنانيين ولذا ينبغي ان تستمر المفاوضات بين جميع القوى السياسية لتخطي هذا المأزق ونحن سنحث الجميع على ضمان سير عمل المؤسسات اللبنانية بشكل كامل”.

وتناول موضوع الارهاب، فلفت الى ان “المعارك التي تخاض على مسافة كيلومترات قليلة من الحدود اللبنانية (مع سوريا) والضغط الهائل الناتج من وجود اللاجئين السوريين تشكل عوامل الخطر الرئيسية” على لبنان “ومع ذلك نحن نعتقد ان لبنان سيكون قادرا على الحفاظ على التعايش السلمي والديموقراطي لمصلحته ولمصلحة المنطقة ككل، مضيفا: “انا هنا لاؤكد التزامنا ودعمنا سواء على الصعيد الامني او من ناحية المساعدة الانسانية ودعم المجتمعات المضيفة”.

من جهته، قال السفير الفرنسي في بيروت باتريس باولي إن هناك “تعباً دولياً من لبنان” وأزمته، وأن دور المجموعة الدولية هو تسهيل معالجتها “ولا يمكننا الحلول مكان اللبنانيين في ذلك”، متسائلاً عن الذي يمنع القادة المسيحيين من أن يجتمعوا ويتفقوا على انتخاب رئيس للجمهورية.

وإذ شدد باولي على أن المجتمع الدولي ليس ضامناً لاستقرار لبنان بل إن جيشه وقواته المسلحة هي التي تضمنه، تحدث عشية العيد الوطني الفرنسي، اليوم، إلى مجموعة صحافيين عن تقويمه لـ “شرف الخدمة” في لبنان، قبل مغادرته إياه في 19 الجاري، ليتولى إدارة مركز الأزمات في الخارجية الفرنسية، بعد أن أمضى أكثر من 3 سنوات فيه.

وقال باولي أن كل ديبلوماسي فرنسي يشعر برضا مميز نتيجة خدمته في لبنان، ومن أسباب ذلك، النقاش المفتوح مع الناس هنا في كل المناطق ومن كل الاتجاهات السياسية وكثافة العلاقة مع الأوساط التعليمية والثقافية والفنية والمجتمع المدني.

وسجل باولي “البراغماتي”، سلبية لمسها هي صعوبة التفاهم بين اللبنانيين و”شعوري أن النظام السياسي ليس مبنياً من أجل صناعة قرارات وتوافقات. بل هو قائم على السماح لكل فريق بأن يسيطر، وإحباطي الرئيس يتعلق بعدم قدرة الماكينة اللبنانية والجهاز السياسي الدستوري على إنتاج قرارات سياسية”.

في تقويمه للنجاح أو الإخفاق، نفى أن يكون مدير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية جان فرنسوا جيرو سيزور لبنان، مشيراً إلى أنه سيتسلم منصباً جديداً قريباً، كما نفى أن يكون فشل، “وقد تكون لدي خيبة لكن ليس حيال ما قمنا به لأن دورنا ليس أن نأخذ دور اللبنانيين في القرارات. لم نتخيل يوماً أننا سنحل كل شيء، على رغم أن هناك توقعات مبالغاً بها من أصدقائنا اللبنانيين، الذين يسألونني إذا كانت لدينا مبادرة واقتراحات”. وأضاف: “نحن أصدقاء لبنان ومسهلون وفي حوار دائم. لكن اليوم إذا سألتم في الاتحاد الأوروبي أو في مجلس الأمن (عن لبنان) ستكتشفون تعباً من لبنان. نحن الفرنسيين اهتمامنا متواصل. لكننا لم نتخل يوماً، وسنتابع الحوار وسنقول الحقيقة، ومسؤوليتنا أن نشارك أصدقاءنا اللبنانيين قناعاتنا. ولم ندع أنه يجب الأخذ بها”.

وقال إن “دور فرنسا المسهل ثلاثي الجوانب: دولياً حيث لعبت دوراً في قيام مجموعة الدعم الدولية للبنان، لتحريك مجلس الأمن وآخر بيان للمجموعة في 19 آذار الماضي وفي الاتحاد الأوروبي أيضاً، وإقليمياً حيث التقينا كل الدول التي لها علاقات ومعارف ونفوذ ولا سيما السعودية وإيران، والبعد الثالث هو اللبناني، سنواصل جهودنا لكن ليست لدينا توقعات مبالغ بها”.

وتابع: “التقيت البطريرك (الماروني الكاردينال بشارة الراعي) ولاحظت معه أنه ليس هو الذي ينتخب الرئيس وليس نحن. على السياسيين اللبنانيين التفاهم، ليست القضية قضيتنا. قد نكون تمنينا أن تكون قناعاتنا مثمرة أكثر”.

وأكد أن فرنسا “تريد أن تعمل المؤسسات وليس لدينا دروس لنعطيها لأحد. وعندما تكون هناك مؤسسات لا تعمل لا نستطيع نحن أن نعمل. قد لا يكون الاستقرار مهدداً بذاته لكن الوضع ليس جيداً لأن المؤسسات مشلولة وهناك شغور رئاسي وحكومة تجد صعوبة في العمل كما حصل (الخميس الماضي) وبرلمان لا يجتمع، وإدارة تخضع لنتائج كل ذلك وتعمل بصعوبة”.

وعن “المظلة الدولية” لحماية لبنان قال: “كثيراً ما يسألني اللبنانيون عن توافق دولي على حماية الاستقرار. لكن نحن لا نستطيع أن نضمن استقرار لبنان لأنه قيل أن هناك مظلة. فهي لا تضمن المخاطر الداخلية ولا الخارجية. كفرنسيين لدينا مسؤولية في قوات الأمم المتحدة في الجنوب بحدود الإمكانات. لا يمكن القول إننا في وضعية ضمان الوضع، نتمنى ذلك. استقرار لبنان يضمنه الجيش اللبناني خصوصاً وقوى الأمن الداخلي… هذا لم يكن قائماً في 2005. فهو منتشر في كل الأراضي وصولاً إلى حدود الجنوب. ودورنا مساعدة القوات المسلحة. ومن هنا برنامج المساعدة الفرنسية – السعودية”.

وشدد رداً على سؤال، على أنه “من المؤكد أن هذا البرنامج مستمر. هناك التزام فرنسي – سعودي أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأخيراً كانت زيارة لولي ولي العهد رئيس الديوان، وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لباريس ونستجيب لمطالب لبنان. ولسنا وحدنا الذين نساعد، بل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية أيضاً”. وأضاف: “كانت هناك إشاعات ونحن نرد في كل مرة بأن الأمور تتقدم. أؤكد اليوم من دون أي لبس أن برنامج تسليم الأسلحة للجيش اللبناني، الذي سيستغرق سنوات يسير في شكل طبيعي. والدفعة الثانية ستسلم قريباً”.

وعن التحركات الأخيرة لزعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون من أجل حماية حقوق المسيحيين، قال: “أنا لا أدعم هذا الفريق أو ذاك، ليس هذا دوري. في المقابل نشارك اللبنانيين وسكان المنطقة قلقهم على مصير الأقليات ومسيحيي الشرق، لا سيما إزاء ما حصل في العراق وفي سورية، كما هي حال المسيحيين والأيزيديين وأقليات أخرى”.

وإذ ذكّر بدور فرنسا في طرح حماية الأقليات على مجلس الأمن، قال إن وسائل الحماية الممكنة ثلاث: استقبال الناس عندنا، لكن هذا يشجع المسيحيين على الهجرة فيما نعتقد أن مكانهم في بلدهم، إرسال الجيش ولا قدرة لنا على القيام بذلك ولا تفويض دولياً، أما الوسيلة الثالثة فهي أن تسمح الدولة القائمة بحرية الأقليات وحمايتها. وهذا كان موقفنا التاريخي منذ حصلت اعتداءات في الإسكندرية وبغداد، بأن نطلب من مصر والعراق ضمان حماية حرية المعتقد وأمكنة العبادة. الحل المفتاح. نساعد إذا طلبت الحكومات لكن لا نحل مكانها. في سورية، الوضع مأسوي ومعقد جداً.

وأضاف: “أما لبنان، فليست فيه أكثرية، بل مجموعات دينية، بحجم متساوٍ تقريباً، المسيحيون، الشيعة، السنّة والدروز وغيرهم من الأقليات. هم مجبرون على التفاهم ولا أحد قادر على الانتصار على الآخر والمفتاح هو التوصل إلى ميثاق داخل حدود لبنان، والحل أمامنا كما ظهر في اتفاق الطائف، لبنان يحتاج لاتفاق سياسي، وميثاق حول المؤسسات”.

وعن تظاهرات مناصري العماد عون قال: “مبدئياً أنا مع حق التظاهر، إلا إذا كانت التظاهرات عنيفة أو لهدف مناهض للمبادئ الجمهورية. لكن هل ستسمح بحصول تقدم؟ شعوري أنه لم يحصل نقاش حول الأمر. أنا لا أعلن موقفاً ضد أو مع، إنه حق لحزب سياسي ولمواطنين وليس لي أن أعلّق على تظاهرات الخميس. أكتفي بتأييد مبدأ التظاهر الذي يجب احترامه، بالنسبة للحكومة نحن ندعم المؤسسات وليس لنا أن نقول إذا كانت قراراتها جيدة أو سيئة”.

وأكد باولي أنه “كنت آمل إحراز تقدم في ملفات المساعدات الفرنسية لمشاريع، لم تخرج للنور للأسف لقصور في قرار السلطات والمؤسسات اللبنانية. سنلغي قرضاً بقيمة 46.5 مليون يورو لبناء مدارس، وفي آخر العام الماضي ألغينا قرضاً بـ 70 مليون يورو للكهرباء. وكنا ألغينا قبلها 115 مليون يورو لقطاع الاتصالات. المقرض يحتاج لتلبية شروط وكنا نحتاج لدفتر شروط للتلزيم وأن يتم التصويت في البرلمان عليه. الشلل في المؤسسات وقواعد اللعبة اللبنانية جعلت الأمور تتعطل”، “أسفي الوحيد أني أغادر من دون وجود رئيس للجمهورية”.

وعما إذا كان يفهم الأزمة اللبنانية على أنها سياسية أو دستورية أو أزمة نظام قال: “إنها أزمة سياسية وتمكن ترجمتها كما تريدون. فيها العامل الداخلي والإقليمي، والدولي الذي هو ضعيف وبالتالي العامل الإقليمي أهم لأنه أثقل دائماً على لبنان، من دون أن يعفي رجال السياسية اللبنانيين من مسؤوليتهم. النظام اللبناني يعطي ضمانات لكل طرف كي يتمكن من حماية نفسه من أي إساءة (استغلال) للسلطة، وهذا يقود إلى تعطيل وهناك مسألة النصاب. لم أسمع بهذا القدر حسابات حول الثلثين والثلث المعطل والوزير الملك والصوت التاسع”…

وأضاف: “الدستور لا يلحظ إلزاماً بنصاب الثلثين لانتخاب رئيس، إلا للاقتراع الأول (الدورة الأولى)، حيث على الرئيس أن يحصل على الثلثين، لكن في الدستور ليس هناك ما يقول بوجوب تأمين النصاب بالثلثين. هذا أمر أنشأه السياسيون اللبنانيون حتى تكون هناك ضمانة، هذه إضافة، فينتقل النظام هكذا إلى التعطيل. وحين يكون هناك تفاهم كما حصل في أول 3 أشهر بعد تأليف الحكومة اتخذت قرارات. لكن ما إن يحصل خلاف، فإن كل الوسائل والأقفال موجودة لتعطيل القرارات. ونادراً ما رأيت قاعدة تسهل اتخاذ القرار”.

وتابع: “كفرنسيين ليس علينا أن نقول ما هو جيد دستورياً أم لا، أُمنيتنا أن تعمل المؤسسات. أن نقول أنه تجب إعادة النظر بالدستور؟ هذا يقرره اللبنانيون، فهو ينص على آلية انتخاب رئيس للجمهورية، وهي أن على النواب انتخاب الرئيس”.

وقال إنه لم يرَ بلداً حيث “كل الناس الذين التقيتهم معهم حق، لكن ليس هناك شخصان يفكران بالطريقة نفسها. وأعتقد أن هناك نقصاً في الحوار والثقة بين القوى السياسية، وبينها وبين المواطنين، لكن أيضاً في داخل الأحزاب السياسية والمشكلة ليست بين 14 و8 آذار، بل داخل مجموعة. ولا أنتقد بل آسف، والمشكلة أنه لا انتخابات لأن البرلمان مدد لنفسه.”

وعن توقعاته للاتفاق على النووي، ذكّر باولي بأن بلاده كانت بين الدول التي أطلقت الحوار مع إيران. وقال: “نتمنى اتفاقاً صلباً… سيكون له تأثير حكماً أولاً في إيران نفسها ثم عموماً سيقود إلى استرخاء بالنسبة لبلد معزول نوعاً ما. ولا أرى أن الاتفاق سينتج آثاراً فورية إقليمياً. والمرشد خامنئي نفسه يفصل الاتفاق عن خيارات إيران الإقليمية الاستراتيجية، ولا يجب انتظار نتائج إيجابية سريعة”. وعن موقف الحلفاء العرب من الاتفاق قال: “نحن مع الاتفاق وسنقول لمن ضده، أننا معه، لأنه عندما يحصل فلأنه سيكون مرضياً لنا”.

وعاد فأكد تعليقاً على تغيير الحدود في المنطقة وانعكاسه على لبنان، أن “الوصفة للبنان هي الاتفاق بين الطوائف الثلاث الأساسية”. “نحن مع الحدود الدولية واستقرارها، بالنسبة للبنان حدوده جاءت خارج إطار اتفاقية سايكس بيكو”.

وعن حوار السفارة مع “حزب الله” أوضح “أننا لسنا مع تدخلهم في سورية وقلنا لهم ذلك. لدينا خلاف مع الحزب حول امتلاكه السلاح بموازاة سلاح الحكومة. استخدام القوة يجب أن يكون في إطار المؤسسات: الجيش والشرطة والمؤسسات”.

ورفض القول أن الرئاسة اللبنانية مرتبطة بالأزمة السورية، معتبراً أنها متصلة بعوامل داخلية وإقليمية، “وإذا أراد الفرقاء اللبنانيون التفاهم فهم يستطيعون. تجاوز جزء من الطريق لانهاء التعطيل، لنتصور أن القادة المسيحيين الأربعة اجتمعوا لأن الرئيس مسيحي وعليهم مسؤولية مميزة واقترحوا ما يحدث تقدماً. ماذا يمنع ذلك؟ هل هم مجبرون على اتباع نصائح حلفاء الخارج؟ ما يحصل أنه يتم الاختباء وراء الوضع الخارجي. هناك إمكانية للتفاهم. لا نرى سبباً لعدم تصويت النواب على الرئيس، يجري التصرف على أنه ليست هناك مخاطر. وقلنا للنواب: اذهبوا واقترعوا”.

وعن إمكان تغيير اتفاق الطائف، أكد باولي أنه “ميثاق يشكل مكوناً للدستور ودعمناه باعتباره نتاج عمل الجامعة العربية، لأنه أنهى الحرب الأهلية وعنصر توازن بين الفرقاء. ليس صحيحاً أننا مع تغيير الطائف، لا نقترح ذلك. إذا أرد اللبنانيون فهذا شأنهم. لن نقول للفرقاء غيروا ميثاقكم”.

في ما يخص الأزمة السورية قال أن “لا أجوبة جميلة لدي. حاولنا إيجاد حل وكنا على استعداد للمشاركة في ضربة عسكرية ضد استخدام السلاح الكيماوي فوجدنا أننا معزولون. اصطدمنا برفض روسي لتحريك المجتمع الدولي. سنواصل جهودنا. ربما يمكن القول إننا لم نقم بما يكفي لكن ليست لدينا عصا سحرية”.