Site icon IMLebanon

النازحون ومعاناة الاستشفاء الطبي: موت بطيء

 

 

 

 

 

يبدو الموت البطيء، حالياً، الخيار الوحيد الذي يحظى به النازحون السوريون في البقاع، إزاء مآسيهم الصحية. أحمد واحد منهم: يعاني من سرطان الرئة، ولا يجد من يداويه أو يقدّم له العلاج المناسب. أحمد يبلغ من العمر 18 عاماً، ويحتاج شهرياً الى علاج تتجاوز قيمته ألفي دولار، فيما لا تملك العائلة سنتاً واحداً.

داخل تجمعات النازحين السوريين، ثمة الآلاف ممن يشبهون أحمد في مآسيهم الصحية. لم تتكفل «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» بتكاليف علاج أحمد، مبررة ذلك بـ«قلة الامكانيات المالية»، ولا تتشجع أي من الجمعيات التي تكاثرت مع بداية النزوح السوري، على مد يد المساعدة لهذا الشاب الذي قرر أن يمضي حياته من دون الاكتراث بالمرض وأوجاعه، لاسيما انها اخف واقل وطأة مما يعانيه من ذل على ابواب المفوضية الدولية، وبقية الجمعيات الدينية والإغاثية التي تبرأت منه ومن مرضه وتكاليفه.

تتشارك التجمعات السورية العشوائية في سرد يوميات من العذاب والمأساة التي تقضيها آلاف العائلات السورية النازحة، التي تشكو من تراجع التقديمات الدولية، سواء كانت اجتماعية او غذائية او طبية، بسبب ما تطلق عليه المفوضية الدولية «قلة الإمكانيات المالية»، الأمر الذي دفعها الى تخفيض حجم تقديماتها بدءاً من بدلات السكن الى السلة الغذائية، والأخطر من ذلك أن التقشف بات يطبق بشكل كبير وعلى اتساع في الموضوع الطبي.

ولم تشفع بطاقات التسجيل في سجلات المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين التي يحملها أحمد وسواه، في تأمين أكلاف الكثير من الحالات الطبية التي تتقلص من شهر الى آخر، كما أن المفوضية تحجم عن تكفل علاج الأمراض السرطانية والمزمنة، ولا تعتبر حالة احمد المرضية إصابة تهدّد حياته بالموت «السريع». يقول والد أحمد، الذي لم يترك باباً إلا وطرقه من أجل الحصول على دواء لابنه الوحيد، إن المفوضية «لا تمانع أن يكون موت ابني بطيئاً».

الشطب مستمر

تستفيق عائلة سورية نازحة، كل يوم تقريباً، على خبر «شطب» اسمها من قائمة المستفيدين من السلة الغذائية، أو من بدل السكن والمازوت، مثلما حصل مع تغريد. ويقدّر بعض العاملين في الملف السوري أن عدد الذين يحرمون من السلة الغذائية في الشهر الواحد أصبحوا بالآلاف، ويقولون إن «الخطير في الموضوع هو التأكيد الدولي بأن سياسة استكمال شطب المستفيدين ستستمر حتى نهاية العام الحالي، بانتظار الدعم المالي» .

وحتى الساعة، لا يوجد حدود للتراجع في الخدمات والتقديمات الدولية، التي كان يستفيد منها النازح السوري الذي يُراد له، وفق تعبير إحدى النازحات السوريات، أن يدفع ثمن التراجع المالي وحده ومن حسابه، من دون التطرق الى ما تجزم به وتصفه هذه النازحة من «الفساد» في هذه المؤسسة الدولية.

وسط ذلك، ثمة أرواح «تُسفك «على أبواب المستشفيات، ولا تجد من يسأل عنها، بل يكون التبرير دائماً «لا أموال ولا تغطيات لهذا المرض»، مثلما تبلغ عبد الله في حالة ابنه أحمد. ويحدث ذلك مع آلاف السوريين الذين لا يجدون علاجاً لأمراض الكلى والكبد وأمراض الأجهزة التنفسية، وحتى المراجعات في فترات الحمل غير الممولة وحوادث السقوط وكسر الأطراف لا أموال لها أيضاً، بالإضافة إلى الامراض المزمنة التي تحتاج لعلاج دائم كالسكري والضغط، وهي حالات لا تعترف المفوضية بكلفة علاجها، فيما يقتصرالعلاج الممول على حالات الإصابة بالجلطات الدماغية والنزيف في الرأس.

ابتزاز

تستذكر إحدى العائلات السورية، بمرارة، كيف تمّ احتجاز جثة ابنها الرضيع، الذي مات خنقاً، لأيام داخل البراد في المستشفى التي امتنع موظفوها عن تسليم الجثة للعائلة، إلا عندما يتم دفع الفارق المالي الذي كان باهظاً وغير قانوني. ولم تتسلم العائلة جثة ابنها الرضيع الا بعدما هددت بنشر الموضوع في الإعلام.

وتوجد عشرات الحالات الابتزازية من جانب بعض المستشفيات في البقاعين الغربي والشمالي، فيما تنأى المفوضية الدولية عن ردعها. ويشير بعض النازحين الى وجود تواطؤ ما بين اصحاب بعض المستششفيات وبين الموظفين المنتدبين اللبنانيين.

ويردد بعض القيّمين على الجمعيات الخيرية والبلديات التي تعنى بالنازح السوري، اسم إحدى الموظفات اللبنانيات المعنية بشكل أساسي في الموضوع الصحي للنازحين السوريين، ويدور حول اسمها الكثير من علامات الاستفهام التي يعززها غياب الرقابة وعملية ضبط المستشفيات ومئات شكاوى النازحين السوريين التي لا تعالج ولا تجد من يسمعها او حتى يتلقى شكواها.

في المقابل، يبدو واضحاً أن سياسة التقشف اقتصرت على النازحين السوريين، ولم تنسحب على «حياة الرفاهية» التي يعيشها بعض الموظفين الكبار، وما يحكى عن مصاريف طائلة وفواتير باهظة الثمن، مثل بدلات الاكل والشراب والنزول في الفنادق والتنقل واستئجار الشقق وحتى الفيلات، وتحويلها الى مكاتب، ناهيك عن الهدر في الموضوع الاستشفائي الذي يتستر بإكراميات مالية.