.. وأخيراً ظهرت سجى الدليمي طليقة «خليفة المسلمين» أبي بكر البغدادي أمام الصحافيين وهيئة المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت.
السجينة الأكثر شهرة بين الموقوفات في السجون اللبنانية منذ عقود طويلة، سيقت إلى المحكمة قبل موعد انعقاد جلستها. بقيت في ردهة خلفية، حتى أتى أحد العسكريين ليهمس في أذن رئيس المحكمة العميد خليل إبراهيم، فيقرر الأخير إدخالها بعد نحو خمس دقائق.
نادى «الجنرال»: سجى الدليمي، ففتح الباب المخصّص لإدخال الموقوفين وتنحى العسكريان المولجان جانباً، لتخرج امرأة ترتدي عباءة سوداء مطرّزة باللون الذهبي على أطرافها، فظهر وجهها الشاحب وكادت تجرّ نفسها حتى تصل إلى قوس المحكمة، وهي تحمل بيدها اليسرى طفلها الرضيع (عمره أقلّ من شهر) بملامحه الجميلة، لتكون بذلك أوّل امرأة تقف تحت قوس «العسكريّة» وبيدها طفل حديث الولادة.
أعطت الدليمي انطباعا مغايرا عن السائد عنها بوصفها طليقة «خليفة المسلمين» ووالدة ابنته هاجر البالغة من العمر ست سنوات، بالإضافة إلى أنّها متحدّرة من «عائلة جهادية».. فأشقاؤها وشقيقاتها إمّا يبايعون تنظيم «داعش» أو يوالون «النصرة»، أو أقلّه محكومون في سجون الدول العربيّة أو مجهولو المصير كوالدها الذي انقلب على «داعش» وناصر «النصرة» من دون أن تتأكّد حتى اليوم رواية مقتله في سوريا.
وسجى الدليمي أيضا أم لأربعة أطفال: التوأم أسامة وعمر من زوجها الأوّل فلاح إسماعيل الجاسم (كان قائد «جيش الراشدين» في محافظة الأنبار قبل مقتله في العام 2010)، والفتاة هاجر من «البغدادي»، والرضيع من زوجها الجديد الفلسطيني كمال محمد خلف، وهي لم تفارق أولادها الثلاثة منذ توقيفها، إذ كانوا معها في سجن الأمن العام بدايةً، قبل أن يتمّ نقلهم جميعاً إلى سجن آخر بعدما وضعت طفلها الأخير.
الموقوفة ذات الملامح الناعمة والقامة المتوسّطة، لم تكوّن لدى حاضري الجلسة، أمس، الانطباع نفسه الذي تركته عند المحققين معها في السجون اللبنانية وقبلها السورية، بأنّها ذكية ومراوغة. بسذاجة مطلقة، تريد الدليمي «سلق» جلسة استجوابها، التي تأجلت بسبب عدم سوق زوجها كمال خلف وعدم توكيل محامٍ عنها، «فأنا موقوفة منذ 8 أشهر، ولا أريد محامي. فما عندي إشي (ليس لديّ شيء)».
وبلهجتها العراقيّة حاولت «ام عمر» أن تنفض يديها الاثنتين من طليقها «أبو بكر البغدادي». واستطاعت في كلّ مرّة تُسأل عنه أن تقفز عن الأسئلة التي وجهها لها رئيس المحكمة.. باحتراف.
قالت بصوتٍ متهدج يكاد يُسمع وهي تتحدّث على «الميكروفون» المخصّص للمستجوبين، إنّها لم تتزوّج «الخليفة»، ولكنّها تزوّجت شخصاً عراقياً يدعى هشام محمّد لمدّة شهر واحد قبل أن يتطلّقا وتنجب منه ابنتها هاجر. وبالرغم من ذلك، فإنّها لم تنكر أنّ الرجل الذي يظهر على التلفزيون باسم «البغدادي» هو نفسه ذاك الرجل الذي تزوّجته منذ سنوات «ولكن لم يكن اسمه أبو بكر، ولم تكن الأوضاع مثلما كانت عليه منذ ست سنوات».
حاولت الموقوفة أن تستعطف هيئة المحكمة. استدارت إلى الهيئة وهي تمسح الدموع عن خديها، سائلة: «ما ذنبي، وما ذنب ابنتي وأولادي الثلاثة الآخرين الذين يمكثون معي منذ 8 أشهر تحت الأرض، وممنوعة عنا الزيارات والاتصالات، بالإضافة إلى أنني لا أعرف أي شخص هنا في لبنان لتكليف محامٍ، وذلك بعدما تركت العراق وسوريا؟»، مضيفةً: «أنا لم أفعل أي شيء، سوى دخول لبنان خلسة».
حاول العميد ابراهيم أن يشرح لها أنّ «الأمنيين» يرون أن وضعها استثنائي، وأن الحراسة المشددة مردّها أيضاً إلى تهديد البغدادي أكثر من مرة بأنّه يريد خطف ابنته (هاجر) لاسترجاعها.
كما أوضح لها أنّ المحكمة بإمكانها تقديم معونة قضائية بتكليف محامٍ من النقابة ليتوكّل عنها وعن زوجها من دون مقابل، وإن كان الأمر يأخذ وقتاً، فيما بادر ممثل النقابة في «العسكريّة» المحامي صليبا الحاج إلى التأكيد أنّه سيأخذ الموضوع على عاتقه وسيسرّع في تكليف النقابة الذي سيأخذه بنفسه.
وبشأن الأطفال، وبعدما طلب ابراهيم رأي النيابة العامة، اقترح ممثل النيابة العامة ومفوّض الحكومة في المحكمة القاضي داني الزعني نقلهم إلى سجن إن لم يكن هناك مانع أمني، أو تكليف مؤسسات اجتماعيّة بمتابعة أمرهم.
وهذا يعني أنّ المحكمة ستكلّف مؤسسات اجتماعية أو لجنة طبيّة بإعداد تقرير مفصّل عن وضع الأطفال الأربعة وإعطائه إلى النيابة العامة لاتخاذ الموقف في ضوئه.