باباك ديغانبيشه
يبدو أن الأموال التي ستتدفق نتيجة تخفيف العقوبات بعد إبرام الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية ستوجه بالأساس الى إنعاش اقتصادها المتداعي وليس لتعزيز وضعها بالمنطقة.
ويقول منتقدو الاتفاق ومنهم معظم دول الخليج العربية وإسرائيل إن إيران لا تخفي إصرارها على توسيع نطاق نفوذها بالشرق الأوسط.
لكن إيران اكتوت بنار تراجع اقتصادها كما أن الرئيس حسن روحاني وعد بنمو الاقتصاد وتوفير فرص العمل حين انتخب عام 2013 ببرنامج اشتمل على إنهاء عزلة إيران.
يقول والتر بوش خبير الشؤون الإيرانية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية “من المؤكد أن الأولويات بالنسبة لإيران تتعلق بالجانب الاقتصادي… هناك الكثير الذي يحتاج للإصلاح والحل في إيران.”
وفي الفترة الأخيرة قال وزير الخزانة الأمريكي جاكوب ليو إن الناتج المحلي الإجمالي الإيراني انخفض بنسبة تصل الى 20 بالمئة نتيجة العقوبات. وأضاف أن طهران خسرت ما يزيد على 160 مليار دولار من عوائد النفط منذ 2012.
ورغم أن قطاع النفط والغاز هو الأكثر تحقيقا للأرباح في إيران فإنه وصل الآن الى حالة سيئة لدرجة لا تسمح حتى بأن تكرر طهران ما يكفي من البنزين لتغطية احتياجات البلاد.
ويصطف المستثمرون المحتملون على الأبواب في انتظار رفع العقوبات حتى يستطيعوا التحالف مع شركاء محليين لتحسين البنية الأساسية في إيران.
وقال وليام أ. بيمان خبير الشؤون الإيرانية بجامعة مينسوتا والذي عاد حديثا من زيارة استمرت ثلاثة أسابيع لإيران “سيكون هناك الكثير من الشركات الأجنبية… لا يمكن أن تذهب الى أي مكان بالبلاد إلا وتصادف مجموعة من المستثمرين الأجانب المحتملين. إنهم في كل مكان.”
واذا نجح كل هذا النشاط الاقتصادي في توفير فرص العمل وتحقيق استقرار الأسعار فإن هذا سيساعد روحاني على إثبات أن مسعاه لإنهاء عزلة إيران الدولية قرار سليم.
وقالت شركة رويال داتش شل الشهر الماضي إنها عقدت اجتماعات مع مسؤولين إيرانيين في طهران وتبلغ قيمة ديونها لإيران نحو ملياري دولار من جملة 150 مليار دولار أو أكثر يقدر أنها مجمدة أو يحظر التصرف فيها في الخارج بموجب العقوبات.
تأثير الحرس الثوري الإيراني
وأجرت شركات للسيارات والطيران اتصالات بشركات إيرانية بشأن صفقات محتملة تتصدرها مؤسسات فرنسية وألمانية.
لكن السلطة في إيران ليست بيد الرئيس وحده. فللحرس الثوري وهو القوة العسكرية الأقوى بالبلاد دور اقتصادي كبير ولا شك أنه سيحقق مكاسب كبيرة من تدفق الاستثمارات.
وكان الحرس الثوري بالأساس منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 هو الجهة التي سعت الى استعراض نفوذ إيران في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط مما وضع طهران في خلافات مع كتلة القوى السنية المنافسة المتحالفة مع السعودية.
في الأعوام الأربعة الأخيرة أرسلت إيران مستشارين عسكريين ومقاتلين وأموالا وأسلحة لدعم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. وتلقت جماعة حزب الله اللبنانية أقدم وكلاء إيران بالمنطقة مزيدا من التمويل والأسلحة من طهران حين اضطلعت بدور بارز في مساندة قوات الأسد في الحرب بسوريا.
وفي العراق المجاور اضطلع المستشارون العسكريون الإيرانيون بدور رئيسي في مساعدة الحكومة التي يقودها الشيعة والفصائل الشيعية المسلحة في صد زحف تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة كثير من الأراضي التي سيطر عليها بالبلاد.
وتقدم ايران دعما سياسيا لجماعة الحوثي التي سيطرت على معظم اليمن وللشيعة في البحرين التي يحكمها السنة وإن كانت تنفي تسليح الحوثيين أو تشجيع الشيعة على الاحتجاج في البحرين.
وفي رسالة الى روحاني نشرت الأسبوع الماضي تحدد الأهداف السياسية لخطة الحكومة للتنمية قال الزعيم الإيراني آية الله خامنئي إنه يجب تخصيص خمسة بالمئة على الأقل من ميزانية البلاد للدفاع “لزيادة القدرات الدفاعية على مستوى القوة الإقليمية من أجل تحقيق المصالح والأمن القومي.” وتنفق معظم دول حلف شمال الأطلسي أقل من ثلاثة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.
لكن المحللين يقولون إن من الصعب تصور أن توسع إيران هذه الأنشطة أكثر وإن كان احتمال توفر مزيد من الأموال لدفع تكاليف العمليات الكبيرة في العراق وسوريا سيكون محل ترحيب.
وقال بيمان “أعرف النظرية الأمريكية التي تقول ’إذا أبرمنا اتفاقا مع إيران فإنها ستمارس هيمنتها في أنحاء المنطقة’.”
وأضاف “لا أرى هذا. لإيران حضور بالفعل في كل مكان بالمنطقة ولا أدري كيف سيتغير ذلك.”
حزب الله
يستشهد محللون بحزب الله باعتباره مثالا لسيطرة إيران المحكمة على حلفائها وممارستها للنفوذ بصورة عملية.
فمنذ انتهاء الحرب العنيفة التي استمرت 34 يوما عام 2006 لم تجر مواجهة خطيرة بين حزب الله وإسرائيل.
وعلى الرغم من مقتل جنرال بالحرس الثوري الإيراني وابن قائد بارز بحزب الله في ضربة جوية إسرائيلية داخل سوريا في يناير كانون الثاني فإن حزب الله لم يجازف بإشعال حرب جديدة عبر إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية ربما تخوفا من خوض حربين في نفس الوقت.
وقال هلال خشان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت وهو صاحب اطلاع واسع على شؤون حزب الله “الإيرانيون ساسة دهاة وهم لاعبون سياسيون عقلانيون بالمنطقة. وكذلك حزب الله.”
وأضاف “حزب الله لا يخوض معارك خاسرة. إنه يقاتل حين يكلفه الإيرانيون بذلك بناء على قرارات إيرانية منطقية.”
من جانبهم يعتبر الإيرانيون أنفسهم قوة تساعد على تحقيق الاستقرار. في الشهر الماضي شرح وزير الخارجية محمد جواد ظريف من خلال موقع هارفارد انترناشونال ريفيو على الإنترنت رؤيته لكيفية مواجهة الدول لتنظيم الدولة الإسلامية فأشار الى أنها معركة ستجد واشنطن وطهران نفسيهما تقاتلان فيها عدوا مشتركا على الرغم من غرابة هذا الموقف.
قال منصور حقيقت بور نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني في مقابلة إن الاتفاق النووي الإيراني لن يغير مساهمة إيران في استقرار المنطقة وإن تحسين العلاقات الاقتصادية سيساعد في هذا.
وأضاف “نتمتع بالفعل بتعاون جيد في الأمور الاقتصادية ومجالات أخرى مع الدول الأخرى… اذا أزيلت العقبات (العقوبات) فحينئذ يمكن أن تنمو هذه العلاقات.”
وقال خشان إن صناع القرار في إيران خلصوا إلى وجهة نظر منطقية بأن التوتر الدائم مع الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة لا يصب في مصلحة إيران بمفهومها الأوسع.
وأضاف “يريدون إقامة البنية الأساسية للتحديث ويريدون دورا قياديا في السياسة بالمنطقة… هذه أمور شديدة الأهمية لإيران. يريدون وضع نهاية للتوترات.”