عبد الله الثويني
أدى الصراع على المال بين أصحاب النفوذ الاقتصادي وانتشار الفساد بين كبار موظفي الدولة في العراق، إلى ارتفاع ظاهرة تبييض الأموال (غسل الأموال)، خلال السنوات الأخيرة، حيث تحولت إلى جريمة منظمة تدافع عنها عصابات ولها هياكل تنظيمية، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ تدابير تناهض جرائم الأموال في بلد نفطي نخر الفساد أكثر مؤسساته الغنية.
وفي أبريل/نيسان الماضي، كشفت اللجنة المالية في البرلمان العراقي عن خسارة البلاد نحو 360 مليار دولار، بسبب عمليات الفساد وغسيل الأموال، جرت مدة 9 سنوات في الفترة ما بين عامي 2006 و2014، والتي حكم فيها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي البلاد.
وأصدرت الحكومة العراقية، الأسبوع الماضي، قانوناً يكافح تبييض الأموال ويمنع إخفاءها في قنوات رسمية، كان البنك المركزي قد تقدم به قبل أسابيع. وغسيل الأموال هي جريمة اقتصادية تهدف إلى إضفاء شرعية على أموال قذرة تُكسب في الغالب من أعمال مخالفة للقوانين، كالتهريب وتجارة الممنوعات والرشى وغيرها.
وتمت هذه العملية عبر مراحل عدة أهمها “التمويه”، وهو إيداع هذه الأموال في حسابات مصرفية والقيام بعمليات تحويل متعددة من مصرف إلى آخر داخل الدولة وخارجها بهدف تعقيد عملية تتبع هذه الأموال أو معرفة مصدرها الرئيسي قبل أن يتم دمجها في مشروعات علنية مشروعة كالتجارة والصناعة.
وقال سعد الحديثي، المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إن مجلس الوزراء وافق قبل أيام على مشروع قانون مكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب.
وأضاف، في حديث خاص مع “العربي الجديد”، أن هذا المشروع يكتسب أهمية كبيرة لدوره في تجفيف منابع الإرهاب والاستجابة للتوجهات الدولية في هذا المجال. مشيراً إلى أن فريقاً حكومياً في العراق سيعمل على متابعة ورسم سياسات خاصة لمعالجة قضايا غسل الأموال وفق القانون الذي صدر.
وأضاف، أن الفريق الذي من المرجح أن يرأسه وزير المالية أو محافظ البنك المركزي سيتكون من ممثلين آخرين عن وزارات الخارجية والداخلية والدفاع والتجارة والاستخبارات وباقي المؤسسات المعنية بالأمن والمال العام، ويقوم الفريق بمراقبة حركة الأموال العراقية في الداخل والخارج وفرض إجراءات وقائية رادعة لغسل الأموال. ورأى المتحدث باسم الحكومة، أن القانون الجديد الذي من المفترض أن يشرعه البرلمان قريباً، سيوفر رصانة للنظام المصرفي والمالي في العراق، ويحد من حركة تمويل الإرهاب في البلاد عبر التعاون مع الخلايا الدولية المهتمة بهذا الشأن. بدورها أعلنت رابطة المصارف الخاصة العراقية، أن إقرار مجلس الوزراء قانون مكافحة تبييض الأموال الذي يعد من القوانين المهمة والداعمة للقطاع المصرفي، سيعطي ثقة عالمية للمصارف الخاصة في العراق. وأضافت الرابطة في بيان صحافي، الأسبوع الماضي، أن كل المصارف الأعضاء في الرابطة حريصة على الالتزام بالقانون حال تشريعه، لما له من أهمية وأثر مباشر في الاقتصاد والمجتمع، خصوصاً في المرحلة الحالية، كما أن إقراره، في وقت قريب، يجنب العراق الدخول إلى القائمة السوداء فيما يتعلق بجرائم غسل الأموال.
وقال المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إن جريمة تبييض الأموال تحتاج إلى قانون قوي وفعال من البرلمان بالتعاون مع الجهات الرقابية والتنفيذية، لأنها عملية واسعة وتحتاج مظلة سياسية مشتركة من كل الدوائر والجهات لملاحقة المجرمين. وأشار لـ “العربي الجديد” إلى أن تدقيق الإجراءات والمعلومات متوقف على تشريع قانون تبييض الأموال المعروض، حالياً، على البرلمان، موضحاً أن القانون الجديد سيمكن العراق من التعاون مع الفريق الدولي الذي يفرض شروطاً معينة للعمل معه، كما سيمكنه من التعاون مع الأمم المتحدة والبنك الدولي. وأشاد محافظ البنك المركزي، علي العلاق، بقرار مجلس الوزراء بالتصويت على مشروع القانون الذي قدمه البنك المركزي، داعياً البرلمان العراقي إلى إعطاء الأولوية لتمريره.
وحذر العلاق في أكثر من مناسبة من توسع ظاهرة تبييض الأموال في القطاع المصرفي العراقي، ووصفها بالآفة التي تضرّ بالقطاع وتهدد النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة للبلد، باعتبارها من الجرائم الاقتصادية الأخطر على المجتمع. وكانت اتهامات رسمية قد صدرت في حق بعض المصارف الخاصة في هذا الشأن من دون تحديدها، ما أثار حفيظة رابطة المصارف الخاصة العراقية التي حذرت من نتائج سلبية قد تطاول القطاع المصرفي في حال توجيه اتهامات تتعلق بجرائم تبييض الأموال. وقال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، حيدر مسعود، في مؤتمر صحافي، في أبريل/نيسان الماضي، إن نحو 360 مليار دولار من إيرادات العراق النفطية تم بيعها في مزاد العملة في بغداد الذي ينظمه البنك المركزي العراقي في الفترة بين عامي 2006 و2014، وجرى تحويلها إلى خارج البلاد عن طريق شركات أهلية ومصارف في ظروف غامضة”. إلى ذلك، قال عضو اللجنة المالية البرلمانية، هيثم الجبوري، في تصريح لـ “العربي الجديد”، إن القانون الجديد سيمكن البنك المركزي من التحرك بصورة أسهل في متابعة حركة الأموال، مؤكدا أن البنك المركزي أخبر اللجنة المالية بأنه مقيد ولا يستطيع بسهولة متابعة قضايا غسل الأموال لعدم وجود قانون يدعم عمله، حيث تم تهريب أموال طائلة وعجز البنك عن مواجهة ذلك. وفي المقابل، أكد عضو اللجنة القانونية، محسن السعدون، أن جريمة غسيل الأموال في العراق أصبحت خطيرة، لاسيما أموال الفساد المالي، وعلى الرغم من ذلك فإنه يجد أن هذه الجريمة لا تصل خطورةَ جرائم غسيل الأموال التي تحصل في دول العالم. مضيفاً أن اللجنة القانونية تحقق في وجود اتهامات لقاض قام بإيقاف إجراءات ضد عدد من المصارف التي تهرب أموالاً إلى الخارج.