Site icon IMLebanon

الأسير بـ”نيو لوك”؟!

 

 

استطاع رئيس المحكمة العسكريّة العميد الركن الطيار خليل ابراهيم أن يقتنص فرصة توقيف أحد المقربين من الشيخ الفار أحمد الأسير، قبل أقلّ من شهر، حتى يسحب منه اعترافات جمّة خلال الجلسة المخصّصة، أمس، لموقوفي أحداث عبرا والمخلى سبيلهم في القضية نفسها.

لم تكن اعترافات الموقوف عابرة، بل أزاحت الستار عن الكثير من الوقائع، وأبرزها أنّ الأسير يسرح ويمرح داخل صيدا، ولكنّ بـ«نيو لوك»، وأنه أنشأ حوالي 8 مجموعات مسلّحة تضمّ كلّ واحدة منها حوالي ـ4 إلى 5 عناصر لتنفيذ مهام أمنيّة ضدّ الجيش و«حزب الله»، وكذلك يعمل على تخزين السلاح في عدد من الشقق في صيدا.

ومن الاعترافات أنّ «الأسير الجديد» يتنقّل حاليا بين صيدا وعدد من المناطق اللبنانيّة، حليق الذقن وهو يرتدي لبوساً غير ديني ويضع قبعة على رأسه حيث باتت خصلات «شعر الشيخ الفار» تنسدل على كتفيه!

ووفق افادة الموقوف الفلسطيني علاء المغربي، الذي ورد اسمه في القرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري منذ عام ونصف العام، وشوهد عبر أشرطة الفيديو التي سحبت من المكان بأنّه كان مع جماعة الأسير إبّان الاعتداء على الجيش، فانه لم يتمّ إلقاء القبض عليه طيلة عامين كاملين.. بل كان يمارس حياته الطبيعيّة من دون أيّ ضوابط ويعمد إلى تهريب الأسير وجماعته من عين الحلوة إلى صيدا، والعكس، كلّما أراد هؤلاء ذلك!

وبدا واضحاً أنّ الموقوف الفلسطيني ليس عنصراً عادياً بل إنّه من «القيادات الأسيريّة»، فهو من مؤسسي «مسجد بلال بن رباح» وكان يتردّد عليه منذ نعومة أظافره. وصار لاحقا عنصرا في مجموعة مسلّحة تابعة للأسير، يقودها محمّد أبو غدير، وتضمّ أيضاً محمّد سمهون والسوريين محمّد جمعة ومحمّد رضا (يعتقد أنهما يقاتلان في سوريا حالياً).

وكانت مهام تدريب عناصر المجموعات على استخدام السلاح والقتال موكلة إلى (الفارين) محمّد النقوزي وشهيد سليمان، وتجري في الطبقة السفليّة للمسجد. وعندما يكون الأسير بحاجة إلى هؤلاء العناصر كانت تصلهم رسائل مشفّرة إلى هواتفهم الخليويّة من المسجد بكلمة واحدة هي: «تامر» أو «أحمد»، الأولى، تعني أن يأتوا على عجل إلى المسجد، والثانية، مفادها تنفيذ انتشار واستنفار حول المسجد.

وفي يوم 26 حزيران 2015، كان «حامد» (اسم علاء الحركيّ في المجموعة) جالساً في إحدى غرف المسجد حينما طلب منه أحمد الحريري (المسؤول العسكري عند الأسير) أن يتوجّه معه إلى الحاجز بعد أن طلب الأسير أن تذهب مجموعة من مناصريه لإزالة الحاجز الذي تشاجر مع اثنين من جماعته. وبالفعل، استلم المغربي سلاحه من نوع «كلاشينكوف» من أمجد الأسير (شقيق أحمد الأسير)، وذهب برفقة الحريري (لم يكن مسلحاً) و4 أشخاص مسلحين هم: أمجد الأسير، النقوزي، فادي بيروتي ومروان أبو ظهر إلى الحاجز.

وبحسب رواية المغربي في التحقيق الأوّلي، حصل تلاسن بين الضابط على الحاجز وكل من الحريري والأسير، فعمد أحد العسكريين إلى تلقيم سلاحه وإطلاق النار في الهواء. فقام أمجد الأسير بالرجوع خطوات إلى الخلف وأطلق النار على الضابط فأرداه قتيلاً ليبدأ الاشتباك المسلّح. فيما أشار المغربي في إفادته أمام «العسكريّة» إلى أنّه لا يعرف من أطلق النار تحديداً إذ أنّ الأسير والنقوزي وبيروتي جميعهم أطلقوا النار بعد حصول التلاسن.

ومهما يكن من أمر، فإنّ المغربي انسحب من أرض المعركة بعد انسحاب المسلحين، من دون أن يطلق النار على الجيش، بحسب افادته. ثم اختبأ في المسجد حتى صباح اليوم التالي عندما هرب من شبّاك المرحاض وصار ينتقل من مبنى إلى آخر حتى وصل إلى منزل جدّه في «ساحة القدس» في صيدا حيث مكث ليومين، ثم عاد إلى منزل ذويه في مجدليون.

وبعد أن تأكد والده من أحد الأمنيين أن اسم ابنه غير وارد في لائحة المطلوبين، عاد علاء يمارس حياته، كما لو أن شيئاً لم يكن.

ولكنّ القصّة لم تنته، بل إن علاقته مع الأسير تجدّدت بعد فترة، عندما تواصل معه أحد المقربين من الشيخ الفار وهو شهيد سليمان وشاهدا سوية شريطا تسجيليا للأسير يدعو فيه مناصريه إلى «تحضير أنفسهم والانضمام إلى مجموعاته للانتقام لأخوتنا».

وتحت هذا العنوان، انضوى المغربي في هذه المجموعة وكان اسمه الحركي «داني»، بالإضافة إلى العناصر الآخرين: محمّد السبع أعين الملقّب بـ«فؤاد» وطارق سرحان (سائق فان)، معتصم قدورة (داهمت القوى الأمنيّة منزله بعد اعترافات خالد حبلص، من دون أن تتمكّن من العثور عليه).

وبعد عدّة لقاءات، سلّم شاهين علاء المغربي شريحة لخطّ أمني حتى يكون على تواصل دائم معه من دون مراقبة، فوضعه الأخير في هاتف قديم من نوع «نوكيا» تصعب مراقبته أيضاً. كما سلّمه ثلاث بندقيات حربيّة وجعب فوضعها في منزله الواقع في مجدليون وفي المبنى نفسه حيث يقطن ذووه. وطلب منه سليمان أن يعمل على مراقبة عنصرين من «سرايا المقاومة» لاغتيالهما لاحقاً، بالإضافة إلى مراقبة عدد من طرقات صيدا، وأبرزها الأوتوستراد العام.

وما إن وقعت أحداث طرابلس، حتى طلب منه شاهين أن يلتحق بمجموعة الأسير في طرابلس لأنّها على وشك أن تعلن إمارة إسلاميّة!

غير أن المغربي لم يلبِ النداء، وإنما سبقه إلى ذلك كل من: بيروتي وصهيون وأيمن مستو. وعندما قرّر الأخير العودة من طرابلس إلى مخيّم عين الحلوة، كان ذلك على يد المغربي نفسه، الذي أوصله إلى المخيّم عبر طريق البساتين غير المراقب ومن دون المرور عبر حواجز الجيش. بعدها صار منزل المغربي وجهة الزامية لكل الأسيريين العائدين من طرابلس إلى صيدا. وبعد أيّام قليلة، زاره أمجد الأسير برفقة زوجة أحد مناصري الأسير من آل شريطح (منقّبة).

ثم توالت الزيارات إلى المنزل، حيث استقبل سليمان وبيروتي والنقوزي، الذين مكثوا عنده لأيّام وكشفوا له أنّ الأسير (كان) معنا (في طرابلس)، وطلبوا منه إدخالهم جميعاً إلى مخيّم عين الحلوة عبر الطريق الذي سلكه مستو.

وبعد أيّام، أخبروه أن الأسير سيلاقيه في صيدا بالقرب من «بنك عودة» و«مدرسة عائشة». وهناك، كان قدورة يقود سيارته من نوع «Honda CRV» وكانت زوجته تجلس إلى يمينه، فيما الأسير بحلّته الجديدة ونجله محمّد يجلسان في الخلف، وانتقلوا إلى منزل المغربي.

وبعد يومين، نقل المغربي المجموعة ومعهم الأسير إلى «حيّ الطوارئ» في المخيّم عبر البساتين (اضطر لرفع الأسير على كتفيه حتى يستطيع القفز فوق السور حيث كان ينتظره مستو في الجانب الثاني).

وبعد حوالي الشهرين، عاد قدورة واتصل بالمغربي ليأخذ الأسير من المكان الذي أوصله إليه في المرّة الأخيرة، ليلتقيا في صيدا.

وهكذا بقي المغربي ولأشهر عدة، ينقل الأسير من المخيّم إلى صيدا، حيث يتركه مع قدورة لأيّام وحتى لأشهر ليعاود إيصاله إلى البساتين.

ولم يكتف المغربي بذلك، بل خصّص منزله الفارغ لعقد الاجتماعات الأمنيّة، حيث كان الأسير يترأس اجتماعات شارك فيها شاهين والنقوزي والبيروتي وعبدالله العجمي، وأعلن في اللقاء الأوّل أنّه أسّس سرايا صغيرة مهمتها استهداف الجيش و«حزب الله».

وفي منزل المغربي، كانت تجري دورات التدريب على السلاح على يد النقوزي، بالإضافة إلى تخزين السلاح. في حين أن المخزن الأهم الذي كانت تنقل الأسلحة إليه يقع في بستان في منطقة القياعة.

وفي سياق متصل، أبدت هيئة المحكمة العسكرية رأيها بلائحة المطالب التي قدّمها وكلاء الدفاع عن موقوفي عبرا والمخلى سبيلهم، ليقرّر العميد خليل ابراهيم عقد المرافعات على أربع جلسات متتاليّة، تبدأ في 30 الحالي، على أن تصدر الأحكام خلال شهر آب المقبل، أي بعد انتهاء كلّ المرافعات.