خضر حسان
فصل جديد من العلاقات الدولية إفتتحته طهران اليوم، بعد إتمام “اللحظة التاريخية” المتمثلة بتوقيع الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين)، في فيينا. “اللحظة التاريخية” كما وصفها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، تعتبر بداية النهاية لحقبة من العقوبات الدولية استمرت لعقود، أثرت سلباً على الإقتصاد الإيراني، بالرغم من إظهار الدعاية الرسمية الإيرانية ان اقتصاد الجمهورية الاسلامية بألف خير.
وبعيداً من الإنفراجات السياسية بين طهران والدول الكبرى، وبخاصة “الشيطان الأكبر”- وهي التسمية التي كان النظام الإيراني يطلقها على الولايات المتحدة الأميركية- يتطلع العالم الى إنفراجات إقتصادية، تخلق سوق تصريف للبضائع وسوقاً جديدة لتوسيع الاستثمارات العالمية. كما ان طهران ستستفيد عبر زيادة الاستثمارات الخارجية فيها، وفي ذلك انعكاسات ايجابية قد تخفض معدلات البطالة التي قاربت الـ 15%، وتسهم في خفض معدلات التضخم التي قاربت الـ 25%. وتنتظر إيران ان يتم الافراج عن الحسابات المالية المجمدة والمراقبة في الخارج، وان ترفع القيود عن النشاطات المالية للأفراد والشركات الإيرانية والمرتبطة بالمصالح الإيرانية، سواء في أوروبا أو في المنطقة العربية وشرق آسيا. واذا كان الاتفاق سيرفع الحظر الاقتصادي عن إيران، يتطلع المراقبون الى تشكيل ايران سوقاً جديدة لتجارة الاسلحة، وهذا ما تستفيد منه الولايات المتحدة ايضاً، كونها من أهم مصدّري السلاح في العالم.
وفي ما يخص النفط والغاز، يُتوقع ان يتحرك سوق تصدير إيران للنفط والغاز بإتجاه أوروبا وأميركا، بعد سنوات من تضييق الخناق على التصدير الإيراني. وحلحلة سوق النفط الايراني قد تعيد رفع اسعار النفط عالمياً بعد موجة من الانخفاضات المتتالية، رأى فيها الرئيس الإيراني حسن روحاني، في وقت سابق، انها “مؤامرة” هدفها زعزعة استقرار ايران، في حين ان المسؤولين الايرانيين اتهموا مراراً امريكا والسعودية بالوقوف وراء خفض اسعار النفط. غير ان اعادة رفع الاسعار تتطلب الحفاظ على كمية انتاج محددة، تمنع خفض الاسعار بسبب زيادة العرض مقابل الطلب، وعليه، سيأخذ سوق الانتاج الايراني من حصة السوق الخليجية نسبة لا بأس بها من حجم الانتاج. ورفع حجم الانتاج الايراني الذي يبلغ حوالي 1.2 مليون برميل حالياً، يوجه الانظار حول ردود الفعل الخليجية.
إضافة الى ذلك، يترتب على إيران إجراء حزمة من التعديلات الدستورية لديها، لكي تتناسب مع الوجه الجديد للبلاد التي تستعد لإستقبال الشركات الوافدة للإستثمار. فالقانون الإيراني ينص على أن تكون حصة الشريك الأجنبي اقل من 50%، وهذا قد لا يناسب الكثير من الشركات الأجنبية، كما ان الدستور الايراني يحظر منح امتيازات للأجانب من أجل تكوين الشركات أو المؤسسات التي تعمل في التجارة والصناعة والزراعة والمناجم والخدمات.
الاتفاق الذي جرى بين أطراف التفاوض في شأن البرنامج النووي الإيراني، يقضي بأن توافق ايران على قيود طويلة المدى على برنامجها النووي، مقابل تعليق العقوبات التي يمكنها ان تعود خلال 65 في حال لم تلتزم ايران بالإتفاق. وتحسباً لأي خرق في التنفيذ، تضمن الإتفاق استمرار حظر الاسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، لمدة خمس سنوات، في حين ان الحظر على الصواريخ الباليستية، سيمتد الى ثماني سنوات.
كل السيناريوهات باتت مفتوحة اليوم أمام النقاش، الى حين تنفيذ بنود الاتفاق. الا ان ما يمكن الجزم به، هو ان هذه السيناريوهات لا يمكنها تخطّي العنوان العريض الذي وضعته أميركا على لسان رئيسها باراك أوباما، الذي أكد انه سيستخدم حق النقض، “الفيتو”، “ضد أي تشريع في الكونغرس الأميركي يمنع تطبيق الإتفاق النووي الإيراني”.