من الصعب تصوير المحادثات النووية بين إيران والقوى الدولية الست من دون وجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف المبتهج، الذي أظهر من خلال التوصل للاتفاق النووي أمس، قوة يطلق عليها الإيرانيون تعبير “الديبلوماسية الباسمة”.
وقاد الديبلوماسي البالغ من العمر 55 عاما فريق التفاوض الإيراني لإبرام اتفاق مع القوى الدولية في فيينا، بعد مفاوضات دامت قرابة عامين.
لكن ظريف، الذي أمضى فترات طويلة في الدراسة أو العمل في الولايات المتحدة، كان بحاجة لدعم الرئيس الإيراني حسن روحاني والتأييد الحذر من جانب مرشد الثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامئني لحمايته من المعارضين بالداخل، الذين شكل انعدام ثقتهم بالغرب معالم السياسة الإيرانية منذ الثورة الإسلامية في العام 1979.
وقال المحلل في مؤسسة “كارنيغي” كريم سجادبور “ظريف هو أنجح ديبلوماسي حظيت به إيران منذ الثورة”. وأضاف “هو الرجل الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يتحدث إلى (وزير الخارجية الأميركي) جون كيري في يوم ثم إلى خامنئي في اليوم التالي، وأن يقنع كلا منهما بأنه يشاركه وجهة نظره”.
واستطاع ظريف بوجهه الباسم واتقانه اللغة الانكليزية أن يبني علاقة وثيقة مع الديبلوماسيين الأجانب، ولا سيما كيري، الذي ينادي كل منهما الآخر باسمه الأول.
وقال جون ليمبرت، وهو نائب سابق لمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون إيران، “عندما بدأ ظريف وفريقه المفاوضات في العام 2013 تغيرت الأجواء في الغرفة تماما”. وأضاف “لكيري وظريف نهج مشابه في الديبلوماسية. ما يثير إعجابي فيهما هو أنهما يدركان أهمية التحلي بالصبر. لديهما قدرة على الإنصات والمثابرة وعدم الاستسلام”.
ويألف ظريف الحضارة الغربية نظرا لأنه عاش في الولايات المتحدة مرة عندما كان طالباً في السابعة عشرة من العمر، وكان يدرس في سان فرانسيسكو ودنفر، ثم عندما كان ديبلوماسيا لدى الأمم المتحدة في نيويورك، حيث كان مندوبا عن بلاده بين العامين 2002 و2007.
وأجرى ظريف اتصالات مباشرة مع مسؤولين أميركيين رغم أن ذلك كان من المحرّمات السياسية في إيران، الأمر الذي خدمه بقوة خلال التسعينيات عندما شارك في مفاوضات لتحرير رهائن أميركيين في لبنان.
لكن تآلفه مع النهج الغربي جعله شخصية مثيرة للانقسام في إيران، وانهال عليه المتشددون بالانتقاد لحديثه المباشر مع أعداء الدولة. وقال مستشار الشؤون الإيرانية السابق بوزارة الخارجية البريطانية حسين رسام “أمضى ظريف كل حياته الديبلوماسية تقريبا خارج إيران، ولديه فهم جيد للشؤون الدولية. لكن هذه أيضا نقطة ضعفه”.
وأظهرت لقطات صوِّرت سرا في أيار وزير الخارجية الإيراني وهو يتجادل بغضب مع نائب وصفه بأنه خائن خلال جلسة برلمانية مغلقة. وفي حزيران الماضي حاول البرلمان أن يكبّله باستصدار قانون جديد يفرض شروطا على أي اتفاق نووي.
ووصفه بعض المتعصبين بالجبن، لأنه كان يدرس في الولايات المتحدة خلال الثمانينيات بدلا من الدفاع عن بلده خلال الحرب مع العراق.
وكرر طوم كوتون، السناتور الجمهوري الذي يعارض الاتفاق النووي نفس الأقاويل عندما كتب تغريدة لظريف في نيسان، قال فيها “اختبأت في الولايات المتحدة خلال حرب إيران والعراق بينما كان الفلاحون والأطفال يسيرون نحو الموت”. لكن ظريف رد بتهنئة كوتون على الابن الذي كان قد رزق به، وقال “الديبلوماسية الجادة وليس التشويه الشخصي الاستعراضي هو ما نحتاجه”.
كان هذا مثالا على ما وصفه حسين موسويان المفاوض النووي الإيراني السابق بأنه نهج ظريف القائم على عدم التوتر إطلاقا والذي طبقه في المفاوضات.
وبينما ساعد هذا النهج على التقريب بين ظريف ونظرائه الغربيين كان حريصا على ألا يتجاوز سلطاته ودائما ما كان يعود إلى خامنئي الذي كان يعتمد على دعمه.
وواجه ظريف انتقادات من نشطاء إيرانيين في نيسان عندما قال في مقابلة مع التلفزيون الأميركي إن إيران “لا تسجن الناس لآرائهم” في تلميح إلى أن الصحافيين والنشطاء المسجونين انتهكوا القانون.
وقال سجادبور إن ظريف “لا يملك سلطة وضع الأهداف الإستراتيجية الإيرانية، لكنه بارع في إبراز تلك الأهداف في سياق المصالح الوطنية وليس الأيديولوجية الثورية”.
أما منتقدوه في الداخل الذين يتهمونه بتقديم مسألة تحسين العلاقات مع الغرب على تلك المصالح الوطنية فلهم أن يقرأوا مذكراته الشخصية التي نشرت في العام 2013 تحت عنوان “السيد السفير”. وكتب ظريف في مذكراته “ينبغي أن تبتسم دائما في المساعي الديبلوماسية.. لكن على ألا تنسى أبدا أنك تحادث عدوا”.