ديفيد ماكوفسكي و ماثيو ليفيت
أسفرت المفاوضات بين [إيران و«مجموعة الخمسة زائد واحد»] عن التوصل أخيراً إلى اتفاق بشأن برنامج طهران النووي. ومع ذلك، بقيت هناك مفارقة خطيرة قابعة في قلب الاتفاق – والتي لا يزال يتعين معالجتها من قبل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وفي حين أن القضية النووية ودعم إيران للإرهاب يختلفان ظاهرياً، إلا أنهما في الواقع يرتبطان ضمنياً. فمن جهة، أوضح مسؤولون أمريكيون أن الاتفاق يركز مباشرة على القضايا النووية وليس جزءاً من صفقة كبرى لتعديل السلوك الإيراني القائم على زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى، تركز جوهر المفاوضات النووية على تخفيف العقوبات الرئيسية المفروضة على طهران، والتي ستوفر لها موارد كافية لتوسيع دورها الكبير في زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وحيث أن تخفيف العقوبات مرتبطاً بوفاء طهران بالالتزامات الرئيسية في الاتفاق، فسيكون بإمكان إيران النفاذ إلى الحسابات المصرفية المجمدة حالياً، والتي يترواح حجمها الإجمالي بين 100 مليار إلى 150 مليار دولار من عائدات النفط المشمولة بالعقوبات، وذلك في فترة تتراوح ما بين ستة إلى 12 شهراً. وحتى أن ذلك لا يأخذ بالحسبان المكاسب الاقتصادية التي ستعود على إيران من إعادة الاندماج في النظام المالي العالمي أو عائدات النفط في المستقبل.
ويقول كبار المسؤولين في الإدارة الامريكية أن لدى طهران مصلحة في استثمار المال في البنى الأساسية المدنية والاحتياجات المحلية المتضخمة في إيران. وتستند هذه الحجة على الفكرة القائلة بأن الرئيس الإيراني حسن روحاني كان قد خاض حملته الانتخابية عام 2013 معتمداً على رفع العقوبات الاقتصادية وتحسين معيشة الإيرانيين العاديين. ووفقاً لهذه الحجة، سيجني روحاني مكاسب سياسية – من الانتخابات البرلمانية التي ستجري في شباط/فبراير 2016 – من خلال استثماره المال من أجل رفع مستوى معيشة الإيرانيين.
ولكن تكمن مشكلة واحدة فقط وهي أن إيران ليست دولة ديمقراطية. فالمرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يتمتع بسلطة سياسية واسعة أكبر من سلطة روحاني، سيقوم على الأرجح بتعويض «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» المتشدد، بدعمه مالياً للحصول على موافقته على الاتفاق النووي. فـ «الحرس الثوري» الإيراني هو الذي يسعى إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط عن طريق دعم النظام الوحشي للرئيس السوري بشار الأسد في دمشق وتعزيز الأهداف الإيرانية في العراق أو اليمن. والآن وبعد أن تم التوقيع على الاتفاق، فسوف يكون لدى «الحرس الثوري» أموال جديدة للقيام بذلك.
وحتى لو كانت الغالبية العظمى من المكاسب المالية الإيرانية المرتقبة ستُستثمر في تنشيط الاقتصاد المحلي العليل، فإن شريحة صغيرة نسبياً من الـ 100 إلى 150 مليار دولار قد تقطع شوطاً طويلاً في تكثيف ما تقوم به قوات «الحرس الثوري» الإيراني بالفعل وهو زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. ووفقاً لأوباما، تبلغ ميزانية الدفاع الايرانية بأكملها 30 مليار دولار فقط. وفي الماضي، موّلت إيران [مساعدات] لـ «حزب الله» بلغت قيمتها نحو 200 مليون دولار سنوياً. لكن لدى «حزب الله» احتياجات أكبر بكثير في الوقت الحالي: فقدْ قُتل ما يقرب من 1000 من رجاله الذين يقاتلون إلى جانب إيران في سوريا، بالإضافة إلى سقوط عدد أكبر من الجرحى.
وحتى أن قادة «حزب الله» قد أعربوا علناً عن أملهم بأن يوفر لهم الإتفاق مع إيران مبالغ مالية كبيرة، وهو أمر ضروري لمواصلة معركتهم الشاقة في سوريا.
ويُقال أن زعيم «حزب الله» حسن نصر الله كان قد طرح سؤالاً هذا العام قال فيه: “إذا استعادت إيران هذه الأموال، فما الذي ستفعل بها؟” وأضاف إن “إيران [كدولة] غنية وقوية … ستكون قادرة أكثر من أي وقت مضى، على الوقوف إلى جانب حلفائها وأصدقائها وشعوب المنطقة، وخاصة المقاومة في فلسطين.”
ومن جانبها، تعهدت إدارة أوباما بأنها ستعمل على مواجهة هذه المكاسب المفاجئة التي ستحصل عليها بعض الفئات الأكثر خطورة في الشرق الأوسط.
ففي نيسان/أبريل قال وزير الخزانة الأمريكي جاك ليو، “لا تخطئوا. بغض النظر عما إذا تم التوصل إلى اتفاق أم لا، فسوف نستمر في استخدام جميع وسائلنا المتاحة، بما فيها العقوبات، لمواجهة السلوك الإيراني المُهدِّد”. وأضاف، “إن إيران تعلم أن المجموعة الكبيرة من العقوبات التي [بإكماننا استعمالها] والتي تركز على دعمها للإرهاب وانتهاكاتها لحقوق الإنسان ليست، ولم تكن أبداً، موضوعاً للنقاش. فتصنيفات وزارة الخزانة [الأمريكية] للجماعات الارهابية التي تدعمها إيران ستظل على ما هي … إن ذلك يمنحنا أداة قوية لاستهداف محاولات إيران لتمويل الإرهاب “.
ويوفّر هذا التصريح الأساس لاتخاذ إجراء ملموس واحد من قبل إدارة أوباما لكي تُثبت – لحلفائها في المنطقة وللقادة في طهران على حد سواء – أنها ستستمر في مواجهة السلوكيات التهديدية التي تقوم بها إيران. يتعيّن عليها أن تُراجع جميع العقوبات الأمريكية الحالية ضد كيانات إيرانية، فيما يتعلق بانتشار أسلحة الدمار الشامل، وإعداد قائمة بتلك التي يجب أن تبقى نافذة لأن الكيانات المصنّفة غير متورطة في نشاطات الانتشار [النووي] فحسب، بل أيضاً في السلوكيات الإيرانية “التهديدية” الأخرى.
وبدءً من عام 2006، زادت وزارة الخزانة الأمريكية من حدة ضغوط العقوبات على طهران من خلال القيام بتحديد استباقي للأفراد الإيرانيين والكيانات العاملة في نطاق السلوك غير المشروع. وكشفت هذه التحقيقات أنه في أغلب الأحيان، شاركت الكيانات الإيرانية في أكثر من نوع واحد من النشاط غير المشروع، وبالتالي فهي مؤهلة للتصنيف بموجب أوامر تنفيذية متعددة، مثل تلك المتعلقة بانتشار أسلحة الدمار الشامل، وانتهاكات حقوق الإنسان، ودعم الإرهاب.
وفي حالات نادرة، تم تصنيف كياناً إيرانياً من قبل أكثر من سلطة واحدة. على سبيل المثال، تمت تسمية قائد «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» قاسم سليماني، تحت إطار انتشار أسلحة الدمار الشامل (2007)، وانتهاكات حقوق الإنسان (2011)، ودعم الإرهاب (2011). ولكن في الغالبية العظمى من الحالات، تم تصنيف شخص أو كيان مرة واحدة فقط – تحت سلطة انتشار أسلحة الدمار الشامل، التي تمتعت بدعم أكبر بكثير من قبل الحلفاء الأوروبيين وغيرهم، من التصنيفات في مجال الإرهاب أو غيرها من الحالات. ويعني ذلك أن مجموعة من الكيانات المشاركة في الأنشطة الإيرانية غير المشروعة التي تتخطى انتشار أسلحة الدمار الشامل – ولكن تم تصنيفها فقط في إطار السلطات التي تستهدف أنشطة الانتشار الإيرانية – يُرجح أن يتم شطبها بموجب الاتفاق النووي مع إيران.
وينطبق ذلك على البنوك الإيرانية، التي صُنفت أكثرها تحت سلطات انتشار أسلحة الدمار الشامل، ولكنها مَوّلت مجموعة واسعة من التصرفات غير القانونية. إلا أنها لا تتوقف عند هذا الحد. لننظر في تصنيف شركة «تايدووتر الشرق الأوسط» – شركة إيرانية مسؤولة عن العمليات البحرية وتشغيل المرافئ في إيران – في حزيران/يونيو 2011. فقد تم وضع «تايدووتر» على القائمة السوداء بموجب “الأمر التنفيذي 13382” – وهي السلطة التي تهدف الى “تجميد أصول ناشري أسلحة الدمار الشامل وأنصارهم”، كما وصفتها وزارة الخزانة الأمريكية. ولكن وفقاً لذلك التصنيف نفسه من قبل وزارة الخزانة، “استخدمت الحكومة الإيرانية – مراراً وتكراراً – الموانئ التي تديرها شركة «تايدووتر» لتصدير الأسلحة أو المواد ذات الصلة، وذلك في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي”. أو لننظر في قضية “الخطوط الجوية الإيرانية”، التي صُنفت أيضاً بموجب “الأمر التنفيذي 13382″، والتي أشارت إليها وزارة الخزانة بأنها قد استُخدمت من قبل «الحرس الثوري الإسلامي» لنقل الصواريخ أو القذائف إلى البلدان التي تعاني من الحروب مثل سوريا – وهي الصواريخ والقذائف التي تم تسجيلها أحياناً على لائحات الرحلات بصورة خفية كأدوية وقطع غيار عامة.
ولطالما التزمت وزارة الخزانة بشدة بالقول المأثور: إتْبع المال. ففي شباط/فبراير 2010، صنفت الوزارة [على قائمة العقوبات] العديد من الشركات المملوكة أو التي تخضع لسيطرة شركات فرعية تملكها أو تسيطر عليها شركة «خاتم الأنبياء» للبناء التي يملكها «الحرس الثوري الإسلامي». وأشارت الوزارة إلى أن الأرباح الناتجة عن الأنشطة المالية لهذه الشركات المرتبطة بـ «الحرس الثوري الإسلامي»، “متوفرة لدعم مجموعة كاملة من الأنشطة غير المشروعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني، بما فيها انتشار أسلحة الدمار الشامل ودعم الإرهاب”. وفي أعقاب إبرام الاتفاق النووي، فإن الأساس للعقوبات المفروضة بسبب انتشار أسلحة الدمار الشامل ربما لن يكون قائماً بعد الآن – إلا أن عدداً من المخاوف الإيرانية كإدانتها بدعم الإرهاب ستبقى على ما كانت عليه، ويجب أن تبقى تحت نظام العقوبات.
وهذه ليست حيلة لإعادة تنفيذ الإسلوب الكامل للعقوبات في حال إبرام اتفاق نووي، بل وسيلة تستهدف التصدي لتلك الأنشطة الإيرانية غير المشروعة التي ستبقى قائمة [بعد إبرام الاتفاق]. وينطبق ذلك على العقوبات الأمريكية أحادية الجانب، ولكن يمكن تشجيع الدول الأوروبية على أن تحذو حذو الولايات المتحدة أيضاً، مما يعزز الضغوط الدولية ضد النشاطات الإيرانية غير المشروعة التي تتخطى الملف النووي. وسوف تبقى إيران قادرة على الوصول إلى 100 مليار إلى 150 مليار دولار أمريكي المحتجزة في الحسابات المجمدة في الخارج، ولكن ليس تلك المحتجزة في البنوك الأمريكية، والتي يجب أن تلتزم بالأوامر التنفيذية للإدارة الأمريكية.
ومثل هذه الخطوة تشكل أيضاً وسيلة أساسية لأوباما لكي ينفذ ما وعد به لمواجهة طموحات طهران الإقليمية. ففي النهاية، إذا كان بالإمكان أن يكون لإيران نفوذ ضخم، إن لم نقل تحكم تام، على العواصم العربية مثل بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، في حين لا تزال تخضع للعقوبات، فما الذي سيكون نفوذها بعد حصولها على تدفق كبير من الأموال التي ستتيح لها تمكين نفس تلك العناصر التابعة لنظامها أو وكلائها الذين يريدون زيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة؟
وتصر الإدارة الأمريكية على أنها ستُخضِع إيران للمساءلة والمحاسبة بكل ما يتعلق بمجموعة كاملة من سلوكياتها التهديدية. وحيث تم الآن إبرام اتفاق نووي، تحتاج إدارة أوباما إلى وضع خطة للقيام بذلك. ويمكنها أن تبدأ من هنا.