جديون راشمان
استيقظت أوروبا يوم الإثنين على كثير من العناوين حول إذلال اليونان، وانتصار ألمانيا القديرة، وتخريب للديمقراطية في أوروبا.
هذا كله كلام فارغ. إذا كان أي شخص قد استسلم، فإنه ألمانيا. الحكومة الألمانية وافقت للتو، من حيث المبدأ، على آخر إنقاذ بمليارات اليورو لليونان – وهي ثالث عملية إنقاذ حتى الآن. في المقابل، تلقت وعودا بالإصلاح الاقتصادي من حكومة يونانية لا تخفي أنها تختلف بشكل كبير مع كل شيء وافقت عليه للتو. من الواضح أن حكومة سيريزا ستفعل كل ما في وسعها لإفشال الاتفاق الذي وقع للتو. إذا كان هذا يعتبر انتصارا لألمانيا، فكيف ستكون حالها في الهزيمة؟
أما بالنسبة لما يقال حول تحطيم الديمقراطية في اليونان – فهذا هو أيضا كلام فارغ. كان الاستفتاء اليوناني يوم الخامس من تموز (يوليو) في جوهره تصويتا بأنه يجب على بقية منطقة اليورو أن تواصل إقراض المليارات لليونان – لكن بناء على شروط تحدد في أثينا. لم يكن ذلك واقعيا أبدا. القيد الحقيقي على حرية التصرف في اليونان ليس الطبيعة غير الديمقراطية للاتحاد الأوروبي. وإنما هو حقيقة أن اليونان مفلسة.
الكثير من التعليقات حول فقدان السيادة اليونانية، في صفقة الخطوط العريضة المتفق عليها للتو، ركزت على فكرة أن اليونان ستضطر الآن لتخصيص أصول بقيمة 50 مليار يورو، وأن الأجانب سيشرفون على الصندوق الذي سيتخذ من أثينا مقرا له. وبالنظر إلى سجل الفساد والمحسوبية للحكومات اليونانية المتعاقبة، يبدو ذلك وكأنه فكرة جيدة للغاية. لكن معارضة حزب سيريزا العميقة للتخصيص تجعل من غير المرجح أن شيئا قريبا من 50 مليار يورو سيتم جمعه.
بطبيعة الحال، معضلة المواطن اليوناني العادي أمر مروع. كنت في أثينا الأسبوع الماضي وشعرت بالأسف الشديد لكثير من الأفراد الذين التقيت بهم، الذين يخشون على وظائفهم ومدخراتهم والمستقبل. ولكن فكرة أن كل هذا هو خطأ من الأوروبيين القساة، الذين فرضوا (دون تدبر للعواقب) التقشف على بلد كان في وضع صحي بخلاف ذلك، هو أحد أوهام اليساريين الجدد. كانت اليونان محكومة بشكل سيئ منذ عقود وكانت تنفق أكثر مما هو ضمن قدرتها.
عندما جاءت الأزمة، كانت الحكومة اليونانية تدير عجزا في الميزانية يبلغ أكثر من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وكان القطاع الخاص يرفض إقراض البلاد. دون القروض المقدمة إلى اليونان من قبل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، لكان التكيف مع التقشف فوريا وأكثر وحشية بكثير. فكرة أن دائني اليونان كانوا غير مرنين نهائيا هي أيضا غير صحيحة. فقد قبل دائنو القطاع الخاص لليونان بالفعل ما هو أقل من القيمة المطلوبة لديهم في عام 2012 – كما تم تمديد تسديد الديون اليونانية فترة طويلة في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، لدى الألمان والهولنديين والفنلنديين وغيرهم من الناس العاديين أيضا كل الحق في الشعور بالظلم. عندما انضموا إلى اليورو، قيل لهم إنه لا توجد فقرة “إنقاذ” في معاهدة إعداد العملة الموحدة. كان الهدف من ذلك هو طمأنة دافعي الضرائب أنهم لن يضطروا أبدا إلى دفع فواتير بلدان منطقة اليورو الأخرى.
الآن تبين أن كل هذا غير صحيح. كانت هناك بالفعل عمليات إنقاذ لإسبانيا والبرتغال وايرلندا – وكذلك ثلاث حزم مساعدات لليونان. ومن شأن قرض جديد بقيمة 85 مليار يورو إلى اليونان يكاد يكون ضعف الناتج المحلي الإجمالي السنوي للصرب، وهي بلد متوسط الحجم في المنطقة نفسها. ورغم كل الحديث عن أن الأوروبيين يرفضون ببخل شطب الديون اليونانية، إلا أنه في الواقع مفهوم جيدا أن من المستبعد جدا تسديد اليونان للمبلغ الذي تدين به والبالغ 320 مليار يورو بالكامل على الإطلاق.
ومن اللافت للنظر أن الشجب الأكثر صخبا لحقارة منطقة اليورو، في رفض شطب ديون اليونان، يأتي من الاقتصاديين المقيمين في البلدان التي لم يكن فيها دافعو الضرائب في مأزق.
وشهد هذا التكرار الأخير للأزمة اليونانية خلافا أكثر توسعا بين فرنسا وألمانيا. ظهرت الحكومة الفرنسية باعتبارها بطلة إبقاء اليونان داخل منطقة اليورو وتخفيف التقشف. لا شك أن لدى فرنسا دوافع نبيلة لإصرارها على إبقاء اليونان، وهي دوافع لها علاقة بالتضامن الأوروبي، والجيوسياسة، وما شابه ذلك. ولكن لو كنت من دافعي الضرائب الألمان، لكنت بدلا من ذلك أشعر بالقشعريرة من رؤية الرئيس فرانسوا هولاند وهو يعانق ألكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء اليوناني، بينما كانا يغادران مبنى الاتحاد الأوروبي.
ذلك أن فرنسا لديها أيضا أسباب أنانية لمحاولة عكس التقشف في أوروبا. فهي البلد الذي لم ينجح في إخراج ميزانية متوازنة، ولو مرة واحدة، منذ منتصف السبعينيات. وتجد الحكومات الفرنسية أن من الصعب تقريبا إقرار الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد على النحو الذي يفعله نظراؤها في اليونان. بعد هذه الأزمة الأخيرة، من المرجح للحكومة الفرنسية أن تعود إلى حلبة الصراع مع أفكار نيرة حول “تعزيز” منطقة اليورو – مثل التأمين الاجتماعي على مستوى الاتحاد الأوروبي. وأتساءل عن من الذي يعتقدون أنه يمكن أن يسدد تكاليف ذلك؟
أما بالنسبة للألمان، في آخر قمة، كانت تراودهم بشكل واضح فكرة “خروج اليونان” – بمعنى إجبار اليونان على الخروج من منطقة اليورو. وتراجعوا عن ذلك بعد تحذيرات عديدة، مثل تحذير صادر عن وزير خارجية لوكسمبورج بأن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يكون “قاتلا لسمعة ألمانيا في الاتحاد الأوروبي والعالم”.
بدلا من المخاطرة بمثل هذه النتيجة، وافقت الحكومة الألمانية حتى الآن على خطة إنقاذ أخرى لليونان. لكن، في الواقع، يعمل اليورو بالفعل على تسميم موقف ألمانيا تجاه أوروبا وموقف أوروبا تجاه ألمانيا.
القصة بأكملها تعيد إلى الأذهان قولا مأثورا للألماني، كارل ماركس – “التاريخ يعيد نفسه، أولا كمأساة، ثم كمهزلة”. أحدث صفقة ديون يونانية يمكن أن تكون مهزلة ومأساة في آن معا.