همام سرحان
رغم أنها تقدَّر بمليارات الدولارات، ومصر في أمسّ الحاجة إليها؛ لم يتم التعامل مع ملف الأموال المهرّبة والمنهوبة على المستوى الرسمي بالجدية المطلوبة طوال السنوات الماضية. فلم يتم حصرها أو اتخاذ أي إجراءات قانونية نهائية ضد مَن قاموا بتحويلها، فضلاً عن أن الجهود الشعبية والمدنية لم تُسفر عن أيّ نتيجة ملموسة، في المقابل، يُطالب اليوم رجال أعمال مبارك ومحاموه بالأموال، بعدما حصلوا على أحكام “نهائية وباتّة” بالبراءة.
وتؤكّد تجارب الواقع، أن الوصول إلى الأموال المهرّبة بالخارج، ليس مسألة هينة أو سهلة، إضافة إلى أنها تحتاج إلى وقت طويل، كما أن الجهود المبذولة في نهاية المطاف قد تُسفِر عن استرداد 20% منها على الأكثر، باستثناء الأموال المجمّدة والتي تحتاج أحكاما قضائية نهائية تُثبِت بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذه الأموال تم تحصيلها بطرق غيْر قانونية.
والحقيقة، أن الجهود التي بُذِلت لاستعادة الأموال المهرّبة لم تعد بطائل حتى الآن، بل إن مصر تكلّفت أموالاً باهظة بسبب الجهود غيْر الرشيدة، تمثلت في: الأموال التي أُنفِقَت على التعاقد مع المكاتب الأجنبية بالخارج والمصاريف الخاصة بالوفود القضائية المصرية التي سافرت إلى الخارج للتفاوض حولها، إضافة إلى ترجمة الأحكام الخاصة بمبارك ورموز نظامه إلى ثلاث لغات، خاصة وأن تكاليف عملية الترجمة تصل إلى 600 ألف جنيه.
لا يزال هناك أمل!
من جانبها؛ وردّا على سؤال حول: ماذا استجدّ في ملف استرداد الأموال المهرّبة للخارج في الأيام الأخيرة؟ قالت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، وهي منظمة غير حكومية تأسست في عام 2002 وتعمل على تعزيز وحماية الحقوق والحريات الاساسية في مصر: “ما استجد هو وقف التحقيقات في شق واحد من القضية فقط، وليست القضية كلها، والإفراج عن حوالي 10% من الأصول المجمدة التي تنتمي إلى أطراف ثالثة غيْر مُدرجة في قائمة التجميد السويسري، وهي قائمة صدرت بعد الثورة مباشرة وتضم 32 رمزا من رموز نظام مبارك، وتلزم هذه القائمة السلطات السويسرية بتجميد أي أصول تابعة للأشخاص المُدرجة أسماؤهم بها”.
ولكن، هل قَلَّت بذلك فُرص الحصول على الأموال المنهوبة؟ تجيب “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”: “نعم. فبعد أن كان هناك مسلكان للتعامل مع هذه القضية، لم يعد أمام السلطات السويسرية إلا طريق واحد، وهو ما يقلل من فرص النجاح بطبيعة الحال. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشق الأول، وهو إجراء تحقيقات عادية وهو الأصعب، لأنه يتعيّن ربط الأموال المجمّدة بجريمة محدّدة، ويتطلب تعاونا حكوميا وقضائيا بين مصر وسويسرا، وهو التعاون الذي طالما واجه عوائق عديدة”.
من جهة أخرى، أشارت “المبادرة” إلى أنه لا يزال هناك أمل. فسويسرا على وشك إصدار قانون جديد يسمح باتخاذ إجراءات أكثر قوة ضد الأموال المُشتبه بها، في صورة تعسّر التعاون القضائي مع بلد المنشأ. وقد وافق مجلس النواب (الغرفة السفلى بالبرلمان الفدرالي السويسري) على النص وتم تمريره إلى مجلس الشيوخ (الغرفة العليا في البرلمان) لإقراره بشكل نهائي. كما أوضحت أنه يمكن الطعن في قرار النائب العام السويسري بوقف التحقيقات في الشق الثاني من القضية، والمتعلق بتوصيف نظام مبارك كشبكة للجريمة المنظمة من قِبل الحكومة المصرية أمام المحكمة الجنائية الفدرالية بسويسرا.
أمرٌ ليس بالسهل!
في تعليقه على الموضوع؛ قال السفير جمال بيومي، الأمين العام لـ “اتحاد المستثمرين العرب”: “برأيي لم تصدر أحكامٌ في مصر تدين أيا من الشخصيات المصرية المجمّدة حساباتهم في سويسرا بتهمة إحراز مال عام، بل لم تُثر أية تهمة بهذا الشأن. ووجود أموال في سويسرا لمتّهمين في قضايا غير مالية، لا يعني استمرار تجميد أموالهم في سويسرا إلى ما لا نهاية”؛ مشيرا إلى أنه “في رأيي لا توجد قضية جاهزة لسرقة مال عام”.
وردا على سؤال حول: كيف السبيل لاسترداد مصر هذه الأموال؟ قال بيومي، المسؤول عن اتفاقية الشراكة الأوروبية بوزارة التعاون الدولي، لـ swissinfo.ch: “أعتقد أن هذه المهمة ليست سهلة، فعلينا أولاً أن نُعلن عن اتهامٍ واضح ووقائع محددة، وعلينا ثانيا أن نثبت أن أموالاً قد سُرِقَت وأنها بالتحديد هي ذات الأموال المهرّبة إلى سويسرا والمجمدة لديها، وهو أمر ليس بالسهل”.
وكان مصدر قضائي قال لصحيفة “اليوم السابع” المصرية، إن إيقاف سويسرا جميع تحقيقاتها حول أموال مبارك وأولاده وإعلامها السلطات المصرية بذلك، لا يعنى إلغاء قرارها القديم بتمديد تجميد هذه الأموال 3 سنوات أخرى حتى 2017. موضحا أن القرار السويسري يشير لعدم إجرائها أي تحقيقات قضائية أخرى حول وصول الأموال التي هُرِّبَت إليها وكيفية تهريبها وحجمها، إضافة لإيقاف تتبعها الأسهم المملوكة لرأس نظام مبارك ورجال أعماله.
مَن أبلغ سويسرا بالبراءة؟
من ناحيته؛ قال الخبير القانوني الدكتور السيد مصطفى أبو الخير: “أعتقد أن السلطات السويسرية لم ترسل هذا الخطاب، لأن إجراءات مصادرة الأموال في سويسرا، تبدأ بخطاب تقدّمه السلطات المصرية، وهو ما سبق أن أرسلته الحكومة المصرية، ولا يحق لسويسرا غلق الباب، إلا في حالتين، وهما: طلب الحكومة المصرية منها ذلك بخِطاب رسمي، وفي هذه الحالة تستجيب سويسرا لطلبها”.
أما في الحالة الثانية، فلابد من إبلاغ الحكومة السويسرية رسميا بأحكام البراءة التي حصل عليها المتّهمون المجمّدة أموالهم في بنوك سويسرا، سواء كان هذا التبليغ من قِبل المتّهمين أنفسهم أو من قِبَل الحكومة المصرية، والتي سبق أن طلبت مصادرة الأموال”؛ متسائلاً: فمَن يا ترى الذي أبلغ الحكومة السويسرية بأحكام البراءة؟! هل هُم المتّهمون، ومنهم مبارك، الذي لا يزال موقفه القانوني مُعلّق أمام محكمة النقض؟!
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أشار أبو الخير، أستاذ القانون الدولي، إلى أن “هناك قضية القصور الرئاسية، والتي حُكِم فيها على المتّهمين مبارك ونجليه جمال وعلاء، بثلاث سنوات. فبغضّ النظر عن أنهم قضوا مدّة الحكم في الحبس الاحتياطي، فإنه حُكمٌ لا يُبَرِّئ ذِمّتَهم، لأنهم بموجبه يُعتبرون في حُكم القانون مُدانين بسرقة أموال الشعب”.
هل هي صفقة تبادلية؟
الخبير القانوني يعتقد أيضا أن الحكومة المصرية الحالية، قد تكون أرسلت طلبا للحكومة السويسرية تتنازل بموجبه عن طلب مصادرة الأموال الذي سبق أن تقدّمت به، لأنه لا يجوز قانونيا أن ترسل سويسرا خطابا بوقف تجميد هذه الأموال، لأن موقف المتّهمين لا يزال معلّقا. معتبرا أن خطاب الحكومة السويسرية أرسل بناءً على خطاب الحكومة المصرية بالتنازل عن طلب المصادرة، وذلك في إطار صفقة بين النظام الحالي في مصر ونظام المتّهم حسني مبارك.
وأوضح أبو الخير، أنه لا يوجد في القانون الدولي أو الأوروبي أو السويسري، ما يسمح لأي حكومة أن ترفض التحفّظ على أموال متّهم لا يزال موقفه القانوني معلقا، إلا في حال تنازل هذه الدولة عن الطلب الذي سبق أن تقدّمت به، معتبرا أن النظام الحالي “يتسوّل الشرعية من الخارج برشاوى دولية، وأبرز مثال على ذلك: صفقة الرافال مع فرنسا وصفقة الغاز مع قبرص وإسرائيل وعقد الشراكة مع ألمانيا”، على حد قوله.
“نظام مبارك” يعود بقوة!
من جانبه؛ أعرب الناشط السياسي تامر فؤاد القاضي، عن أسفه لما يشعر به الشعب المصري من إحباط، لخروج أفراد نظام مبارك من السجون، وحصولهم على البراءة، وزاد من الإحباط القضاء على أي فرصة لاسترجاع أموال مصر المنهوبة والمهرّبة خارج مصر وداخلها، ومن بينها الأموال المهرّبة إلى سويسرا.
وقال “القاضي”، عضو المكتب التنفيذي والمتحدث باسم “اتحاد شباب الثورة” لـ swissinfo.ch: “الجميع يعلم أن الحكومة السويسرية كانت تنتظر نتيجة التحقيقات والأحكام القضائية الجارية في مصر، حتى تُرد هذه الأموال إلى مصر، لكن انتهت القصة ولن تعود هذه الأموال إلى مصر بعد مهرجان البراءة للجميع”.
وأضاف، أن “ما يحدث ليس مستغرباً، حيث أننا نشهد عودة نظام مبارك بكل قوة إلى واجهة الأحداث في المشهد السياسي والاقتصادي، خاصة وجودهم في مواقع مسؤولة وحساسة في الدولة أو تسللهم إلى البرلمان القادم، عبْر مرشّحيهم الذين لا يوجد غيرهم في الساحة الإنتخابية، نظرا لإحجام الناس عن المشاركة السياسية. فمسألة استرداد الأموال المهربة إلى سويسرا، هي تحصيل حاصل”، حسب رأيه.