إن العديد من الشركات في شرق آسيا، بما فيها كوريا واليابان وتايوان والصين، هي شركات عائلية تلعب دوراً مهماً في التطور السريع لاقتصاد هذه الدول. إن حال شركة (سامسونغ) كحال كثير من الشركات الرائدة في كوريا، حيث إنها مجموعة شركات تخضع لسيطرة العائلة، وتسهم بأكثر مما نسبته %20 من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
تظهر الدراسات أن الشركات العائلية في آسيا تميل للحفاظ على نسبة أعلى من القيمة وولاء الموظف وريادة الأعمال بالإضافة إلى القدرة على التنفيذ. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أن إجراء المعاملات التجارية وحمايتها تحتاج إلى العلاقات الخاصة في اقتصادات شرق آسيا (تماماً كأهميتها في الأسواق الناشئة الأخرى). فمع غياب العدل والتطبيق الفعال للقانون، يصبح من الخطورة إنشاء أعمال تجارية جديدة مع أشخاص من خارج العائلة. فبدلاً من ذلك، تتشكل أعمال العائلة، حيث يكون الأب هو المدير التنفيذي، والأم هي المحاسب الرئيسي، والأولاد “الذين لا يكون لهم في الغالب عقود رسمية” مسؤولون عن الأمور الوظيفية الرئيسية الأخرى. إن هذا يساعدهم في تجنب خطر التعامل مع الغرباء ويخفض كلفة المعاملات والتي أسهمت في خلق المعجزة الشرق آسيوية.
إن هذه الأعمال العائلية حالياً تواجه مفترق طرق، حيث إنها تواصل النمو من خلال التنوع المنفصل والتوسع العالمي، إلا أنها مجبرة على إشراك المستثمرين الخارجيين ومواجهة مجموعة أوسع من حملة الأسهم بينما تحكم قبضتها على شركاتها.
ومع توسع اقتصاداتها، تشرع البلدان الآسيوية في إصلاحات مؤسسية لإرساء سيادة القانون على المجتمع، وتبني الإدارة التي تستند على القوانين في عمليات الشركات. ويتضمن هذا استبدال الإدارة التقليدية المرتكزة على الأسرة بممارسات إدارة الشركات الجديدة، والتي تتطلب مجلس إدارة فعال مع مديرين مستقلين وشفافية بالمعلومات ومحاسبة المدير التنفيذي وما إلى ذلك. وعلى الرغم من ميزات صنع القرار السريع والريادة، إلا أن هناك تكاليف كامنة مرتبطة بالأعمال العائلية، حيث تتحكم العائلة المسيطرة بالشركة حتى وإن كان لدى بعض أفرادها، مثل أبناء المؤسسين، نقص في الكفاءة والاهتمام. إن هذه المشاكل هي الأكثر بروزاً عندما يواجه الاقتصاد اضطرابات واسعة النطاق، مثل الأزمة المالية التي حدثت في شرق آسيا عام 1997. وعلى أي حال، فإن الإصلاح في نظام الإدارة يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر، حيث إنه غالباً ما يواجه مقاومة من الأسر المسيطرة على هذه الشركات، ما يضر أداءها ويخلق فراغاً إدارياً. كيف تتفاعل العائلات المسيطرة مع هذه الإصلاحات؟ هل سيؤدي قيامها بالتخلي عن سيطرتها، وتبني مبدأ إدارة الشركات القائمة على القوانين إلى خلق قيم أعلى؟
إن إصلاح نظام الإدارة في تايوان في بدايات العقد الماضي يقدم حالة تاريخية نادرة يمكن الاستفادة منها، حيث تم تعديل قانون الشركات لطلب الكشف عن معلومات المساهمة في جميع الشركات المدرجة، والذي تبعه نظام إلكتروني للكشف عن المعلومات وسلسلة من اللوائح لتحسين نوعية المعلومات التي تم الإفصاح عنها من قبل (بورصة تايوان– Taiwan Stock Exchange). كما اشتركت البورصة بالمراجعات السنوية للمعلومات التي تفصح عنها الشركات ونشرت النتائج إلكترونياً لتسهيل الوصول إليها من قبل المستثمرين. كما طلب من الشركات المدرجة حديثاً أن تحجز مقعدين من أجل مديرين مستقلين. إن دراسة هذه الأحداث التاريخية والنتائج اللاحقة يقدم بعض الأفكار المثيرة للاهتمام، والتي يمكن أن ترشد الصين والدول الآسيوية الأخرى. أولاً، تحسن مؤشر حماية المساهمين، الذي يقيس كفاءة حوكمة الشركات، من 5.4 ليصبح 7.2 بعد الإصلاح، والذي هو أيضاً مرتبط بشكل إيجابي مع أداء الشركات. ثانياً، وجد أن الإصلاح قد أدى إلى تركيز أعلى لملكية الأسرة حيث ارتفعت نسبته من %28 إلى %32. وفي الوقت ذاته، كشفت الدراسة أن العائلات التي تخلت عن السيطرة بعد الإصلاح، حدت من سيطرتها على مجلس الإدارة من %23 إلى %15، حيث إن العائلات المسيطرة تفاعلت بشكل إيجابي مع الإصلاح من خلال زيادة ملكيتها، ولكن مع مزيد من التحكم الموزع.
وفي الخلاصة، تظهر حالة تايوان أن اصلاح الإدارة نحو نظام قائم على القوانين يؤدي إلى أداء أعلى للشركة، والذي يعود بالفائدة المالية على العائلات المسيطرة، وهذا بدوره أدى إلى مزيد من الاستثمارات العائلية في الشركات. كما يبدو أن الأسر أيضاً تتأقلم مع الإصلاح، وتحد من سيطرتها في مجال حوكمة الشركات. إن من الخطأ الافتراض بأن الإصلاح في شرق آسيا سيقوض الأعمال العائلية. بل إنه في الحقيقة يحسن أداء الشركات، كما يتضح في تايوان وكوريا والاقتصادات الأخرى الناشئة. إن الأعمال العائلية تبقى محتفظة بحسناتها الفريدة من النمو الريادي والمتسارع عندما تتحول إلى الإدارة المهنية في عمليات الشركات.