أضفى توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول الـ(5+1) دينامية جديدة ليس فقط على المشهد الدولي والإقليمي بل أيضاً على المشهد المحلي، فانشغلت الساحة الداخلية بردود أفعال وتوقعات من قبل السياسيين حول تأثيره على الأزمة السياسة المستفحلة في لبنان، وكان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أول المبادرين الى التعبير عن تفاؤله بأن ينال لبنان نصيبه من الأجواء “التسووية”، التي ستعم المنطقة نتيجة توقيع الاتفاق قائلاً “بعد الاتفاق ليس كما قبله”، وفي الإطار نفسه أكد وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر أنّ برّي “سيعمل مجدّداً بعدما فتحت الطريق الإقليمية أمامه، وسيحاول الوصول إلى تسوية تنتج رئيساً للجمهورية كان يعمل على انتخابه قبل النووي وسيستمرّ بعده”.
هذا الحراك الذي سيفتتحه بري، يقابله صمت من قبل نواب ووزراء “حزب الله” في التعبير عن تأثير هذا الاتفاق على المجريات الداخلية اللبنانية، في الوقت الذي ينقسم فيه باقي المكونات السياسية بين مترقب لنتائج الاتفاق، وهذا هو حال كل من “المستقبل” و”القوات” و”الكتائب”، إذ يلفت عضو كتلة “المستقبل” النائب عمار حوري لصحيفة ”المستقبل” “أنه من المبكر إصدار حكم حول تأثير الاتفاق على لبنان، لكنه بالتأكيد فرصة لإيران للإندماج بالأسرة الدولية، ولذلك الجميع سيكون في حالة انتظار وترقب ما إذا كانت ستنجح في هذا الاختبار وبسياسة حسن الجوار مع جيرانها العرب، أم ستتبع سياساتها السابقة التي انتهجتها في بغداد وصنعاء وسوريا؟”. ويشير عضو كتلة “القوات اللبنانية” النائب فادي كرم إلى أنه “في حال تم استخدام هذا الاتفاق من قبل فريق للاستقواء على باقي الأفرقاء فهذا سيزيد الأمور تعقيداً في لبنان، أما إذا أراد حزب الله التفاهم على الأمور الداخلية فستكون النتائج مرضية للجميع”.
ويعتبر عضو كتلة “الكتائب” النائب فادي الهبر أن “لبنان محصن من محاولات استقواء حزب الله بهذا الاتفاق لفرض شروطه على الساحة الداخلية، فالتوازنات المفروضة على الساحة الداخلية تمنع استقواء أي فريق على الآخر، لكن الاتفاق يمكن أن يحمل جديداً على مستوى انتخاب رئيس لكن ليس خلال مدة قصير لأن لبنان في أسفل قائمة التسويات التي ستحصل في المنطقة ومن الصعب أن يكون هناك رئيس للبنان إذا لم يحدد مصير بشار الأسد”.
هذا الترقب يقابله تفاؤل لدى كل من كتلتي “التحرير والتنمية” و”المردة”، إذ يلفت عضو كتلة “التحرير والتنمية” النائب علي خريس إلى أن “الرئيس بري سعى الى لبننة الاستحقاق الرئاسي ولم ينجح لأن جميع الأطراف لها حسابات إقليمية، وبالتالي التسوية التي ستتم بين الولايات المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية حول ملفات المنطقة ستطال لبنان لا محالة، لأن الملف اللبناني هو من أسهل الملفات واللبنانيون معتادون على هذا الأمر للأسف”.
ويوافقه الرأي المسؤول الإعلامي في تيار “المردة” المحامي سليمان فرنجية قائلاً: “صحيح أنه لا يمكن تكهّن ما إذا كان الملف اللبناني هو أولوية في جدول التسويات التي ستحصل في المنطقة نتيجة توقيع الاتفاق، لكن ما يمكن الجزم به أن العلاقات الايجابية بين الولايات المتحدة والغرب ستؤدي إلى انفتاح خليجي وتحديداً سعودي على إيران وهذا ما سينعكس إيجاباً على لبنان وعلى الملفات الإقليمية الأخرى”.
وعلى ضفة تكتل “التغيير والإصلاح” يعتبر عضو التكتل النائب فريد الخازن أن “الأزمة الداخلية اللبنانية وتحديداً انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا علاقة له بعلاقات إيران مع الدول الغربية، بل إن انتخاب رئيس متعلق بجزء كبير منه بمواقف الأطراف الداخلية، أما النتائج المباشرة للاتفاق فستكون بمحاربة الإرهاب وهذه هي مصلحة الدول الكبرى وإيران وبعض الدول العربية”.
أما عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب غازي العريضي فيبدو أكثر المتشائمين بنتائج الاتفاق، إذ يشير إلى أن “الساحة الدولية ستشهد شراكة أميركية إيرانية لمحاربة الإرهاب، وبالتأكيد هذه الشراكة ستستثمر نتائجها في الملفات الإقليمية وبالتالي نحن ذاهبون إلى مزيد من التأزم”.
هذه البانوراما لآراء القوى السياسية وإن كانت تعكس تنوعاً واضحاً في الآراء حول مفاعيل الاتفاق على لبنان وإستحقاقاته، إلا أنها في المقابل خلقت حراكاً داخلياً يكسر الجمود الذي كان طاغياً نتيجة حالة المراوحة التي كانت تعيشها المنطقة وملفاتها الشائكة، وبالتالي بات الجميع ينتظر التطورات التي ستنتج عن هذا الاتفاق في أكثر من ملف إقليمي، وهذا ما يوافق عليه حوري بالقول: “لا بد من انتظار تفاصيل كافية متعلقة بهذا الاتفاق، خصوصاً أنه يتألف من 157 صفحة و6 ملاحق، لكن نأمل أن يؤدي الاتفاق إلى انفراج على مستوى المنطقة وعلى مستوى علاقة إيران بالمجتمع الدولي، مع التأكيد أننا ضد اي سلاح نووي يُستعمل لأهداف عسكرية ونؤيد استعماله لغايات سلمية”.
ويضيف:” هذه الخطوة قد تتيح لإيران فرصة للاندماج في الأسرة الدولية بعد فترة انتظار، لكن السؤال هو هل ستنجح إيران باختبار سياسة حُسن الجوار خصوصاً مع جيرانها العرب، أم أنها ستنتهج سياستها السابقة التي اعتمدتها في بغداد وسوريا وصنعاء؟ أما على صعيد لبنان فمن المبكر الحديث عن تأثير لهذا الاتفاق على الساحة الداخلية”. من جهته يعتبر الهبر أنه “بغض النظر عن نوع التأثير الذي سيتركه الاتفاق على لبنان، إلا أنه لا شك سيخلق حراكاً داخلياً لكنه لن يزيد من ضغط حزب الله على الساحة الداخلية لأن لبنان محصن نتيجة التوازنات المفروضة، لكن يمكن أن يكون له تأثير على ملف رئاسة الجمهورية لكن ليس في وقت قريب لأن لبنان هو في أسفل لائحة التسويات الإقليمية، ومن الصعب جداً اجتراح حل للأزمة اللبنانية من دون أن تظهر ملامح سوريا الجديدة، لأن ما يهم قوى 8 آذار هو التأكد من هوية النظام الذي سيكون في سوريا وبالتالي لن تكون هناك صفحة جديدة في لبنان بعيداً عن مصير بشار الأسد”.
لا يلغي كرم فرضية أن يكون للاتفاق تأثير إيجابي على لبنان، لكنه في المقابل ينبّه على محاولة “حزب الله” الاستقواء بهذا الاتفاق لفرض آرائه على الساحة الداخلية، عندها “ستزداد محاولات ملء الفراغات تعقيداً، أما إذا أراد حزب الله التفاهم على الملفات الداخلية فهذا ستكون له نتائج مرضية على الجميع”.
ويضيف: “كل فريق يرى الأمور من زاوية مختلفة، الاتفاق النووي هو توزيع للنفوذ في المنطقة، ويمكن لإيران أن تحاول الاستناد إلى الاتفاق لفرض شروطها في الملفات التي تخصها في المنطقة وهذا ما سيخلق تأثيراً سلبياً على الجميع”. في المقابل يرى خريس أن “الاتفاق ستكون له نتائج إيجابية على المنطقة ككل خلال أشهر وعلى الملف اللبناني الذي هو الأقل تعقيداً بين ملفات المنطقة، والرئيس بري سعى للبننة الاستحقاق الرئاسي ولم ينجح لأن جميع الأطراف لها حسابات إقليمية، وبالتالي التسوية التي ستتم بين الولايات المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية حول ملفات المنطقة ستطال لبنان لا محالة، لأن الملف اللبناني هو من أسهل الملفات واللبنانيون معتادون على هذا الأمر للأسف”.
ويلفت فرنجية إلى “أن الاتفاق يعني أن هناك تغيراً حصل في العلاقات الدولية، وهذا ما سيجعل المملكة العربية السعودية تتماهى مع هذا الاتفاق وتتعامل معه بحالة انفتاحية ستنعكس إيجاباً على الملف الداخلي اللبناني، وبالتالي هو خطوة مهمة لأن التفاهم الأميركي – الإيراني يريح المنطقة ويترك انطباعاً إيجابياً محلياً وإقليمياً بأن مستقبل هذه العلاقة هو في تطور مما يحتم على باقي الأطراف التعامل معه بإيجابية لأن العلاقات بين الدول العربية والولايات المتحدة متكاملة وحين يحصل تفاهم أميركي- إيراني سيتبعه انفتاح سعودي وخليجي على إيران وينعكس هذا الانفتاح على الساحة الداخلية اللبنانية وعلى الملفات الإقليمية الأخرى”.
ويتابع: “صحيح أنه لا يمكن تكهّن ما إذا كان الملف اللبناني هو أولوية في جدول التسويات التي ستحصل في المنطقة نتيجة توقيع الاتفاق، لكن ما يمكن الجزم به أن العلاقات الايجابية بين الولايات المتحدة والغرب ستؤدي إلى انفتاح خليجي وتحديداً سعودي على إيران وهذا ما سينعكس إيجاباً على لبنان وعلى الملفات الإقليمية الأخرى، وعلى الصعيد اللبناني، فالمؤيدون للاتفاق سيكونون أكثر راحة من الفترة السابقة، أما الخصوم فسيكونون أكثر موضوعية في التعاطي مع الشأن الداخلي لمواكبة التحول الإقليمي خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية التي تعيشها البلاد”.
ويعتبر الخازن أن “التأثير الأول للاتفاق سيكون في ملف مكافحة الإرهاب في سوريا والعراق حيث أن هناك مصلحة للدول الكبرى وإيران وبعض الدول العربية في مكافحة الإرهاب، ويمكن أن يكون لهذا الاتفاق تأثير على الأزمة اليمنية بعد أشهر عدة، ثم الأزمة السورية لأنها الأكثر تعقيداً، أما الأزمة اللبنانية فهي ليست في سلّم أولويات الدول الموقعة للاتفاق، والأزمة الداخلية اللبنانية، وتحديداً انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا علاقة له بعلاقات إيران مع الدول الغربية، بل إن انتخاب رئيس متعلق بجزء كبير منه بمواقف الأطراف الداخلية وليس الدولية أو الإقليمية”.
ويشدد العريضي على “أن المنطقة ذاهبة إلى شراكة أميركية – إيرانية لمكافحة الإرهاب”، ويضيف: “تقديري الشخصي أن أطرافاً داخلية ستستقوي بأطراف إقليمية بعد هذا الاتفاق، والأمر واضح فمن وقّع الاتفاق لا بد من أن يستثمره بالملفات التي تعنيه ولست متفاجئاً في هذا الأمر، وبالتالي الشراكة الأميركية الإيرانية لمواجهة الإرهاب ستلقي بظلالها على كل المنطقة ما يزيد من التأزم”.