كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
إذا أردتَ ان تعرف ماذا سيجري في لبنان فعليك ان تنتظر مفاعيل الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي وأيّ منطقة ستولد من رحم هذا التحوّل التاريخي وهل سيفضي الى مسار انفراجي او انفجاري في الملفات الإقليمية الشائكة.
لم يكن جفّ في فيينا حبر التوقيع على “النووي”، حتى برزت في بيروت مقاربتان لوهج هذا الاتفاق على لبنان:
الأولى اعتبرت ان لبنان سيكون اول المستفيدين من هذا التطور الإستراتيجي لأنه الملف الأسهل لافتتاح مرحلة بناء الثقة بين مراكز النفوذ في المنطقة وتحديداً بين طهران والرياض، كون أزمته السياسية – الدستورية القائمة على التوازن السلبي قابلة للحلّ على طريقة لا غالب ولا مغلوب، ولا تملي على القوتيْن الإقليميتيْن السعودية وإيران تقديم أي تنازلات مؤلمة او ذات طبيعة إستراتيجية.
اما المقاربة الثانية، فرأت ان لبنان قد يكون آخر عنقود الساحات التي ستتلقّف تداعيات الاتفاق النووي، باعتبار ان الاولوية ستكون للملفات اللاهبة، ولا سيما اليمن وسورية، فالأزمة اللبنانية التي تعبّر عن نفسها بالفراغ في رئاسة الجمهورية والشلل في البرلمان ومحاولة تعطيل الحكومة، اضافة الى تورّط “حزب الله” عسكرياً في سورية، تعتمل “على البارد” وما زالت تحت السيطرة في ظل الضوابط المانعة لانفلاتها بالكامل.
وعلى وقع هاتيْن المقاربتيْن، خضع الاتفاق النووي لمقياس الانقسام اللبناني في قراءة حسابات الربح والخسارة التي عبّر عنها، فيما مرّت الجلسة 26 لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وكأنها لم تكن، في ظل تكرار مشهد عدم اكتمال النصاب نتيجة مقاطعة كتلتيْ العماد ميشال عون و”حزب الله” وإصرار الأول على بلوغه سدة الرئاسة تحت عنوان “الرئيس القوي”.
ورغم عدم انكشاف كل خيوط “النووي” وآليات تطبيقه واذا كانت كواليس فيينا شهدت كلاماً ولو بالأحرف الاولى حول مسار المنطقة ما بعد الاتفاق، فإن فريق “8 آذار” بدا مهلِّلاً لهذا التطور، معتبراً اياه “انتصاراً ستنعكس تداعياته على صعيد المنطقة وأعطى طهران أسبقية في إطار إدارة ملفات المنطقة واعترافاً بدورها الإقليمي وهو ما سيُترجم في لبنان وساحات أخرى”.
أما قوى “14 آذار” فراوحت قراءتها لهذا الاتفاق بين التريث بانتظار استكشاف كل ملابسات هذا التحوّل وملاحقه الإقليمية، وبين مَن رأى ان ما حصل في فيينا أنهى مرحلة “إيران الثورة” لمصلحة “ايران الدولة” التي عادت الى “بيت الطاعة الدولي”، مع ما يرتّبه ذلك من وجوب التزامها بتعديل سياساتها على النحو الذي ينسجم مع قواعد الشرعية الدولية، وان طهران ما بعد النووي لن تكون كما قبله، ولا سيما في ظل صعود نجم الإصلاحيين على حساب المتشددين داخلها، وهو ما سيلفح لبنان وساحات أخرى ولا سيما ان الغرب وفي مقدمه الولايات المتحدة كان واضحاً في الإبقاء على ربْط نزاع مع ايران في عنوانيْ دعم الإرهاب وإثارة القلاقل في المحيط.
وبين القراءتيْن، لم تتوان بعض الأوساط عن “نعي” المنطقة بوجهها الحالي والتعاطي مع الاتفاق النووي على انه أطلق يد ايران على حساب العرب، وانه قد يفضي الى تغييرات عميقة شبيهة بمعاهدة “سايكس بيكو” او الى مسار صِدامي على غرار ما حصل في أعقاب اتفاق “كامب ديفيد”، ولا سيما في ضوء الانطباع بأن دول الثقل العربي لن تسلّم بأي “جوائز ترضية” لإيران في المنطقة.
وفي اللحظة التي كانت كل الأنظار شاخصة إلى تقويم نتائج الاتفاق النووي، قفز الجميع فوق الـ “لا جلسة” انتخاب رئيس للجمهورية التي كان موعدها أمس، والتي التحقت بسابقاتها الـ 25 وأرجئت الى 12 اب المقبل، وسط تضاؤل الاهتمام السياسي والإعلامي بهذا “المسلسل” الذي طغت عليه الأزمة الحكومية التي تضرب موعداً بعد عيد الفطر مع استحقاق سيشكّل اختباراً لحقيقة النيّات الداخلية بالحفاظ على آخر المؤسسات الدستورية العامِلة في النظام ريثما ينقشع الغبار النووي.