منال الربيعي
لا يزال الاتفاق النووي يلقي بظلاله على المشهد الإقليمي والداخلي اللبناني ليس فقط على الصعيد السياسي والعسكري، إنما على صعيد الإقتصاد وما يمكن أن يؤمّنه من فرص إستثمار وتمويل مشاريع طاقة وعلى رأسها الطاقة الكهربائية التي يبدو أنها لن تجد حلاّ لها في لبنان، أقله في المدى المنظور، لأنها مشكلة لها تشعبات سياسية وإقتصادية كبيرة تجعل من إمكانية الحلّ ضربا من الخيال!
بعد توقيع الاتفاق النووي والقرار الذي اتخذ في الإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمّدة في البنوك والتي تقدر بمليارات الدولارات ويمكن أن تمنح الجمهورية الإسلامية بحبوحة هائلة تمكّنها من إعادة تنشيط دورتها الاقتصادية بشكل كبيرة، فتحت «شهية» الدول الأجنبية التي سرعان ما أعلن وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا رغبتهما التوجه غلى إيران في خطوة لها دلالات ديبلوماسية وطموحات اقتصادية، تعني أن إيران قد استعادت «شرعية» دولية ومكانة إقتصادية جعلتها محطة استقطاب للدول الأوروبية التي تعاني ركوداً اقتصادياً كبيراً وصل حدّ الإفلاس كما في حالة اليونان، وخاصة وأن الغرب يعلم مدى حاجة إيران للاستثمار في مشاريع منتجة بعد عقود من العقوبات الاقتصادية جعلتها تحتفظ بمخزونات هائلة من النفط والغاز – تحتل المرتبة الرابعة في العالم من احتياط النفط والمرتبة الثانية من احتياط الغاز – وهي عوامل «مغرية» للغرب والولايات المتحدة أيضا.
والسؤال المطروح حاليا كيف يمكن أن يستفيد لبنان من هذه المكاسب الاقتصادية التي حصلت عليها الجمهورية الإسلامية، خاصة أن محاولات كثيرة بذلتها إيران لمساعدة لبنان وعلى أكثر من صعيد سواء تزويده بالطاقة الكهربائية أو موضوع السدود المائية أو حتى الهبات العسكرية غير المشروطة، ولكنها كانت دائما تواجه بالرفض و«الفيتو» عليها تحت ذرائع كثيرة مثل العقوبات المفروضة على إيران والقرارات «الأممية» أو الانقسام الداخلي اللبناني ما حرم لبنان إمكانية كبيرة لحلّ مشاكل مستعصية وتحديدا مشكلة الكهرباء، فهل يتغير الوضع بعد توقيع الاتقاق النووي ويصبح الوضع بعده ليس كما كان قبله، وهو ما تردده «الصالونات» السياسية اللبنانية من جانب 8 و14 آذار ؟
يقول خبير اقتصادي إن الكلام عن تمويل الجمهورية الإسلامية لمحطة توليد الطاقة الكهربائية في لبنان وبأسعار تنافسية يجب أن يُوضع على طاولة البحث والنقاش الجدّي خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي الذي سوف يكون أسرع من الاستفادة من مخزون النفط والغاز الموجود على شواطئنا، وبالتالي إمكانية استثماره لا تزال بعيدة المنال، ولكن المشكلة في لبنان سياسية، لأنه في حال قبول المساهمة الإيرانية فإن ذلك سوف يسهم في إقفال مغارة الفساد والتعتيم وصفقات «الفيول» المتورطة بها أكثر من جهة سياسية نافذة في البلد، وخاصة إذا ما استذكرنا أن الجمهورية الإسلامية كانت قد قدمت للوزير جبران باسيل – عندما كان وزيرا للطاقة – عرضا «مغريا» قوامه فتح اعتماد لقرض قيمته 550 مليون دولار على شكل قروض ميسّرة وطويلة الأمد لتمويل مشاريع الطاقة في لبنان ولكن المشروع تمت مواجهته برفض داخلي لبناني حينها لأسباب سياسية، إضافة إلى صعوبات تنفيذه تقنيا بسبب الأوضاع الأمنية للدول المحيطة بلبنان وتحديدا سوريا التي هي من أحد دول «شبكة الربط» لنقل الطاقة من إيران، ومنذ ذلك الوقت تمّ تجميد المشروع لإشعار آخر، ولو أن كل الأطراف اللبنانية أجمعت حينها على أن العرض الإيراني هو من أكثر العروض المغرية اذ لم تستطع أي من الصناديق العربية تقديم حلّ مماثل لإخراج لبنان من النفق المظلم، ويتابع الخبير الاقتصادي بالقول إنه وبعد تبدل النظرة العالمية لإيران إثر الاتفاق النووي، وتهافت الدول الأوروربية لحجز مقعد إقتصادي هناك، يصبح من المنطقي على لبنان – المرتبط مع الجمهورية الإسلامية بأكثر من طريقة – الاستفادة من «خيرات» الاتفاق النووي على قاعدة «أن الأقربين أولى بالمعروف».
مصادر قريبة من 8 آذار توقعت أن يكون الانفتاح الاقتصادي على إيران كبيرا من قِبل بعض دول الخليج، ومن المهم الادراك ان الايرانيين الموجودين في عدد من بلدان الخليج بينهم عدد كبير من رجال الاعمال الناشطين في مجالات التجارة والبناء، سيقبلون على الاستثمار في ايران، والاتجار مع ايران على نطاق واسع، الامر الذي سينشّط ليس فقط الاقتصاد الايراني بل عدداً من اقتصادات دول الخليج ومن اهمها دبي وسلطنة عمان وابو ظبي، وحاجة دول الخليج الى التنشيط ملحة وخصوصاً بعد هبوط اسعار النفط والغاز، ولبنان لن يكون بعيدا عن هذا التطور وهو الذي تربطه مع إيران علاقات مميزة ليس فقط ضمن الطائفة «الشيعية» بل من الطوائف الأخرى كالمسيحيين الذي ترجح معلومات أن تكون إيران وجهتهم للاستثمار في المرحلة المقبلة، كما أعربت بعض الأوساط الاقتصادية مؤخرا عن أن إلغاء العقوبات على القطاع المصرفي الإيراني سوف يؤدي إلى طفرة كبيرة في هذا القطاع الذي يتميز لبنان فيه بسهولة التعامل وبالتالي قد يتحول الأخير إلى مركز للتعاملات المالية والسيولة التي تنعش الاقتصاد اللبناني.
أما الموضوع الأهمّ – تختم المصادر الإقتصادية القريبة من 8 آذار بالقول – فهو استعداد إيران لتسليح الجيش اللبناني عبر تقديم هبة عسكرية غير مشروطة والذي من المرجح أن يعود إلى الواجهة من جديد، بعد سقوط الذرائع التي وضعتها بعض القوى اللبنانية في المرحلة الماضية لأسباب كثيرة، الأمر الذي تعبر هذه المصادر ان التخلي عنه نوع من العناد والكيدية السياسية التي حرمت لبنان الكثير من المكاسب وهو ما لم يعد مبررا في زمن إيران النووي!