إلهام برجس
تتسارع التطورات في ما يخص قانون الإيجارات منذ إقراره. ابتداءً بإقرار القانون بمادة واحدة وما إستتبعه من إنكار بعض النواب لمعرفتهم بتفاصيل القانون. هؤلاء أنفسهم الذين تقدموا بالطعنين الأول والثاني بقانون الإيجارات الجديد أمام المجلس الدستوري. أدى القرار الثاني الذي أصدره المجلس الدستوري حول هذا القانون الى تفاقم الأزمة. إذ طعن “الدستوري” بمادتين وفقرة من القانون، وهي مواد أساسية لتطبيقه ترتبط بآليات تطبيقه، من دون أي إشارة حاسمة من قبله الى مدى تأثير هذا الطعن الجزئي على نفاذ القانون.
لجنة الإدارة والعدل كانت المحطة اللاحقة للقانون، حيث مكث على طاولتها أشهر عديدة لم تثمر إلا بعض التعديلات الشكلية. وعلى الرغم من شكليتها، بقيت من دون فائدة بسبب عدم عرضها على الهيئة العامة لمجلس النواب ليقوم بإقرارها.
إذاً، أدت هذه التطورات بمجملها إلى خلق دوامة قانونية يتصارع داخلها نصف مليون مستأجر، ومالكو البيوت المؤجرة. فالآراء حول نفاذ القانون أو عدمه تتضارب. أهم الآراء الصادرة في هذا الإطار، يعود لهيئة الإستشارات والتشريع في وزارة العدل، ويعتبر أن “كل المواد المتعلقة بالإيجارات السكنية الواردة في القانون الجديد تعتبر مرتبطة بالمواد التي أبطلها المجلس الدستوري”.
في المقابل، لم يتمكن قضاة الإيجارات من التوافق على رأي واحد بالنسبة لهذا القانون خلال إجتماع دعى اليه رئيس المجلس الأعلى للقضاء جان فهد قبل حوالي الستة أشهر. التضارب في آراء القضاء وقتها، شكل دلالة أولى اكيدة على ما ستؤول اليه الأمور أمام القضاء في ظل إستمرار مجلس النواب في الإمتناع عن الإجتماع للتشريع بصورة طارئة.
اليوم، يقف المستأجرون والمالكون على حدٍ سواء أمام قرارات قضائية متناقضة في قضايا الإيجارات. يومان فقط يفصلان بين صدور قرار قضائي وفقاً للقانون الجديد، وآخر وفقاً لقانون الإيجارات القديم (قانون 92/160).
بتاريخ 29/6/2015 صدر عن محكمة الإستئناف المدنية السادسة في جبل لبنان برئاسة القاضية ريما شبارو قرار بإخلاء المأجور وتعويض المستأجرين وفقاً للقانون القديم (50%). وتكون شبارو بهذا المعنى قد تبنت التوجه الذي يجد القانون غير نافذ بعد الطعن بمواد أساسية منه من قبل المجلس الدستوري. الأمر الذي تطلب منها تنفيذ القانون القديم الذي لم يصر الى تجديده، إلا أنه الحل الذي يمكن تطبيقه على قضية إخلاء لضرورة عائلية، في ظل غياب أي نص آخر نافذ.
في المقابل، وبتاريخ 2/7/2015 صدر عن محكمة الإستئناف المدنية في بيروت، الغرفة الحادية عشرة برئاسة القاضي أيمن عويدات قرارٌ مناقض، يعتبر فيه القانون الجديد نافذاً. مع العلم أن صفة “اللجنة القضائية” التي أنشأها القانون كانت مرتكزاً أساسياً في طعن المجلس الدستوري، الا أن القاضي عويدات إعتبرها ذات طابع قضائي. وإنطلق من إبطال المادة السابعة المنشئة للجنة، ليعتبر القاضي المنفرد المدني هو الجهة المختصة بتحديد التعويضات. كما ذهب عويدات الى تسجيل موقف من “بعض الآراء” التي تعتبر القانون غير نافذ بمواده من “3 حتى 37″، معتبراً أنه غير جائز وانه يؤدي الى “إخلاء جميع المستأجرين” بسبب تعطيل المادة 15 التي تحدد سنوات التمديد وفقا للقانون الجديد.
إعتبر عويدات أيضاً أن طلب المساعدات من قبل المستأجرين الذين يستحقونها وفقاً للقانون الجديد يمكن أن يتم “وفقاً لطلب رجائي”، أمام القاضي المنفرد المدني نفسه الناظر في قضايا الإيجارات.
والحال أن اللامساواة في قضايا الإيجارات باتت أمراً واقعاً يبشر القضاء المستأجرين والمالكين بحلوله. قد يصح القول إن الحظ سيلعب دوره بالنسبة للطرفين، فإما أن يكون القاضي مقتنعاً بنفاذ القانون الجديد، فيخسر المستأجر سكنه. والعكس صحيح في حال كان القاضي غير مقتنع بنفاذ هذا القانون. ولعلّ صدور القرارين سابقي الذكر، عن غرفتين في محكمة واحدة، أكبر دليل على ذلك.
حالة من “الإستنسابية في تحقيق العدالة” تسود واقع الإيجارات أمام القضاء. ولا ضمانات فعلية حتى الآن لأي شخص يصدر بوجهه حكم خلال هذه الفترة، ليعاود مراجعته أمام القضاء في مرحلة لاحقة يصبح فيها الواقع التشريعي أكثر تجانساً.