تريفور غريتهام
الخلل البنيوي الذي ظهر مؤخراً على أداء الاقتصاد الصيني وعكسته نكسة أسواق الأسهم الصينية يحمل في طياته أنباء سارة للعالم أجمع.
فقد خسرت البورصات الصينية خلال الشهر الماضي نحو ثلث قيمتها أو ما يعادل 3 تريليونات دولار، في حادثة ينبغي أن تصنف ضمن أكبر الإنهيارات السريعة في تاريخ الثروات.وكان تركيز الأسواق منصبا على اليونان بينما كانت المصيبة في الصين حيث دأب المحللون على استسهال تسويق محفزات لا حصر لها تدفع الاقتصاد الصيني الذي بدا على العكس من ذلك، يخفي الكثير مما ينبغي أن يثير القلق.
ومديونيات الاقتصاد الصيني ضخمة جداً، وشكل الموازين الختامية غامض ومبهم، والاقتصاد القائم على طلب نشيط انتهى إلى فائض في الطاقة الانتاجية في الوقت الذي تتراجع أسعار العقارات بتسارع لافت. ويقول المتشائمون إنها مسألة وقت قبل أن نجد أنفسنا جميعا في دوامة ركود قاتلة.
لكن هذا ينطوي على سوء فهم لدور الاقتصاد الصيني في عالم اليوم. فضعف الاقتصاد مصدر سعادة للأسهم العالمية تماماً ، كما كان ضعف اقتصاد اليابان منفعة للعالم في التسعينات. وانخفاض أسعار السلع الاستراتيجية لا بد أن يبقي معدلات التضخم منخفضة ويبقي السياسة النقدية بعيداً عن التشدد وهو ما يحقق المنفعة لنا جميعاً.
ويجب ألا ننسى أن بقاء حساب رأس المال الصيني مغلقاً معناه أن مخارج الاستثمارات الفائضة ستبقى مقفلة وبالتالي تبقى أسواق الأسهم الصينية عرضة للفقاعة.
وقد سجل مؤشر شنغهاي المركب مثلاً مكاسب تجاوزت خمسة أضعاف قيمته السوقية بين عامي 2005 و2007 في أقل من عامين ونصف العام.
وكان الشعور السائد أن أسهم الفئة الممتازة الصينية بنيت على أرضية زلقة. وبينما تسارع النمو الاقتصادي إلى حدود 14% عام 2007 بالتزامن مع موجة اشتف موارد صينية دفعت أسعار السلع الرئيسية صعوداً، عاش العالم صعوبات الحصول على تلك الموارد وخاصة برميل النفط الذي شارف على 140 دولاراً ما تسبب في انفجار أزمة الرهن العقاري الأمريكية عند ظهور أولى بوادر التباطؤ.
أما اليوم فالتجربة مختلفة لأن النشاط المفرط في أسواق الأسهم تغذى على السيولة الرخيصة.وتستمر التوقعات الخاصة بالنمو الصيني في التراجع ساحبة معها أسعار السلع الاستراتيجية.
وقبل شهر فقط ربما كان هناك من يراهن على أن أسواق الأسهم «تخفي سرا» واعتقد هؤلاء أن تراجع معدلات أسعار الفائدة بين البنوك الصينية «شيبور» لا بد أن يحفز النمو الاقتصادي الذي يبرر تقييما مبالغاً فيه لأسواق الأسهم.
وبات مرجحا اليوم التأثير السلبي لإنفاق المستهلكين على انهيار أسعار الأسهم والذي تطور إلى مشكلة جديدة تؤرق السلطات مع استمرار مؤشرات التباطؤ القطاعي. وهذا هو مكمن الأنباء السارة للأسواق العالمية. فالمسلمة تقول إن «الهبوط الحاد» سيكون بالغ التأثير على اقتصاد العالم كونه سيحفز على تحركات فورية للبنوك المركزية.لكن سجل الصين حافل بأمثلة على بذلها أقصى ما تملك لتجنب النتيجة غير المرغوبة حتى وإن انطوت تحركاتها على نتائج غير محسوبة مستقبلاً. ويمول بنك الشعب الصيني أو البنك المركزي عمليات تداول في الأسهم لا حد لها.
ورغم أن دور هذا التمويل في تضخيم الفقاعة يبقى موضع شك، إلا أن تصميم السلطات على ممارسة اللعبة حتى نهايتها لضمان استقرار الأسواق لا جدال فيه.
أما الهبوط التدريجي المنضبط فمعناه مزيد من التراجع في الطلب على الموارد وهو ما يعني عقبات إضافية تواجه الأسواق الناشئة والدول المصدرة للمواد الأولية. كذلك فإن رياح الانكماش في الاقتصاد الصيني تعني استمرار التراخي في السياسات النقدية لبقية الدول.
وبهذا المعنى تكون الصين قد كررت نفس اللعبة التي مارستها اليابان في التسعينات. فبعد أربعة عقود من النمو الياباني المتسارع اصبح الاقتصاد الياباني ثاني أكبر اقتصاد وسوق اسهمه أكبر سوق على مستوى العالم مع فارق بسيط هو أن ارتباط مؤشر نيكاي الياباني مع مؤشرات العالم الأخرى كان معدوما.
وفي الحالة الصينية تم التحول من الطفرة إلى الكارثة في أقل من أسبوع ورغم تدخل الحكومة الفوري للجم الانهيار . لا تزال عملية ضبط وتيرة تباطؤ النمو الاقتصادي بحاجة للكثير من الجهود وآثارها على أسواق العالم موضع تكهنات لا تنتهي.