IMLebanon

صفقتان: الأولى رفعت إيران والثانية خفضت اليونان

GreeceIranDeal
ماتيو لين
في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي اتفقت دول الاتحاد ورئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس بعد الوصول إلى حافة الانفجار،على ابرام اتفاقية تحشر اليونان في خانة التقشف مع تهديد دائم بالركود، مقابل احتفاظها بعضوية الاتحاد. بالمقابل شهدت فيينا توقيع اتفاقية حول برنامج إيران النووي تمهد الطريق أمام رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران وتحمل في طياتها محفزات على عودة إيران إلى حظيرة المجتمع الدولي بكامل أبعادها الاقتصادية والتجارية.

وتكتسب الاتفاقية مع إيران أهمية خاصة في أوساط المستثمرين كونها تمثل رغم اللغط الدائر حول السياسات المالية والعملات ومعدلات الضريبة الإيرانية، انضماما طارئا لقوة تجارية واقتصادية واعدة إلى السوق العالمي. والجديد أن إيران يمكن أن تكون قوة اقتصادية في حين تتلاشى القوة الاقتصادية لليونان بمرور الزمن.
فاليونان أسيرة علاقة مشلولة مع محيطها الأوروبي لا أحد من أطراف تلك العلاقة لديه الرغبة في التفكير في مخرج لعلاجها ، إن لم نقل لديه الشجاعة لإبداء فكرة تفيد في إعادة اقتصاد اليونان إلى تعافيه. وحقيق الأمر أن اثينا مضطرة لمصارعة قوى اقتصادية وسياسية أوروبية سنوات عديدة ما يضع اقتصادها أمام عقبات تزيد من غرقه في الإحباط و اليأس. لكن الأهم من ذلك أن ما جرى في الأسابيع الأخيرة لم يعد يثير انتباه أحد في العالم وسواء خرجت اليونان من منطقة اليورو أم بقيت فيها فالأمر سيان.
وباتت إيران أكثر أهمية. صحيح أن الاتفاق سيواجه بعض العقبات قبل أن ينفذ لكنه يؤشر لانضمام إيران إلى المجتمع الدولي بعد عزلة لمدة تزيد على خمسة وثلاثين عاماً.
واليوم تدخل مسارا جديدا توطد من خلاله علاقاتها مع دول العالم الأخرى خاصة في مجال التجارة والاستثمار.
وقد بدأت المصارف العالمية الكبرى وشركات الاستشارات المالية في رسم الخطط وتحديد عناصر جذب الاستثمارات. ويقول رامين رابي رئيس مركز «تركواز بارتنرز» للدراسات ومقره طهران: «يوشك عملاق المنطقة النائم على الاستيقاظ.
فتركيبة إيران السكانية الشابة ومواردها الطبيعية الوفيرة وتنوع اقتصادها كان ولا يزال سوقا لفرص لا حصر لها بانتظار أن يتم فتحها».
وخارج قطاع النفط حيث تملك إيران 9% من احتياطيات العالم، هناك الكثير من المجالات التي يسيل عليها لعاب المستثمرين. فبعد سقوط الشاه الذي كانت إيران في ظله بلدا سندا للسياسات الغربية وتملك بنى أساسية متطورة، تخلف الاقتصاد الإيراني في ظل العزلة عن نظرائه في جنوب شرق آسيا أشواطا ،كما تخلف عن اقتصادات خليجية ناشطة. ومع ذلك لم يتغير شيء في مكونات اقتصادها الأساسية التي احتفظت بقوتها.
ويكفي إلقاء الضوء على بعض تلك المكونات لتتضح الصورة.
فعدد سكان إيران 78 مليون نسمة أي أكبر من عدد سكان أي من الاقتصادات الناشئة في شرق أوروبا. وإضافة إلى النفط وعدد السكان يعتبر الناتج الإجمالي الإيراني قويا فهي تحتل المرتبة 27 على قائمة أقوى اقتصادات العالم او بحجم اقتصاد الأرجنتين على الرغم من العقوبات.

وفي حال رفعها لا بد أن تحقق إيران نمواً سريعاً وبمعدلات أعلى. وسوف تحصل على 100 مليار دولار من أرصدتها المحتجزة وهذا مبلغ يحدث فرقا في بلد مثل إيران. أما النفط فبالرغم من أنه لم يعد يحمل نفس القيمة التي كانت له قبل عامين، لا يزال يشكل عنصراً مهماً جدا في اقتصاد البلاد. وفي حال تحققت معدلات النمو المتوقعة في الاقتصاد الإيراني بين 7 و8% سنوياً فهذا يعني ان حجمه سوف يتضاعف في زمن قصير.

ولا شك أن إيران سوف تستفيد من موقعها الجغرافي الوسط بين آسيا والغرب وتبني على قدراتها الذاتية في تحقيق الأهداف التي لا يزال من السابق لأوانه تحديد ماهيتها. ولا تزال هناك عقبات يجب التنبه لها خاصة إذا استمر انخراط طهران في النزاعات الإقليمية التي قد تعرقل نمو البلاد الاقتصادي.
ومع ذلك تبقى إيران واحدة من الأسواق الناشئة الجديدة في الوقت الذي بات سقف نمو الاقتصادات المتقدمة محكوما بعدد من العوامل أهمها شيخوخة تركيبتها السكانية وبلوغ قطاعات اقتصادية فيها حد الإشباع. ومن هنا فإن الاتفاقية التي أبرمت في فيينا أهم بكثير من تلك التي أبرمت في بروكسل.