في ظل الأوضاع الاقتصادية المأزومة، التي يواجهها البلد، بسبب البطالة المتفشية في صفوف القوى العاملة المنتجة، والمنافسة الشديدة التي يشهدها سوق العمل من قبل العمالة السورية، إلى جانب موجات الأسعار المرتفعة التي تطال بعض السلع ، وتراجع القدرة الشرائية عند المواطنين. شهدت الحركة التجارية نشاطاً ملحوظاً، عشية حلول عيد الفطر السعيد، ولكن هذه الحركة تركزت في معظمها على الأسواق الشعبية، التي «غصت» بالمواطنين على اختلاف فئاتهم الاجتماعية، لكونها تشكل الملاذ الأخير للطبقات الفقيرة وحتى الميسورة مادياً. في هذا السياق كيف تعاملت ربات المنازل مع عائلاتهن، وكيف استطاعت تأمين متطلبات المناسبة؟
أم عبدو وهي ربة عائلة مؤلفة من خمسة أولاد، أكدت أنها مدمنة على زيارة الأسواق الشعبية في المنطقة، بعدما رأت أن هذه الأسواق هي حاجة ماسة للعائلات الفقيرة، التي لا تتحمّل قدراتها المادية، ارتياد التعاونيات والمحال التجارية، نظراً لارتفاع منسوب الأسعار فيها، وقالت أم عبدو انها تنتظر الساعات الأخيرة على إقفال السوق، وتبدأ جولتها لشراء الخضار والفاكهة، وبعض الثياب لكسوة الأولاد، خصوصاً عشية العيد.
وأطلقت أم عبدو لقب «أم الفقراء» على الأسواق الشعبية ، وقالت قدرتي المادية لا تسمح لي بشراء الثياب أو المواد الغذائية وحلويات عيد بالأسعار المجنونة المرفوعة على واجهات المحلات ـ التي تعتبر نفسها «كلاس»، مع أنها من نفس عجينة تجار الأسواق، فهؤلاء يخافون الله، يربحون قليلاً ويبيعون كثيراً وهذه هي التجارة الصحيحة.
أما أم صالح التي تعيل عائلة مؤلفة من ثلاثة أفراد الى جانب والدتها المريضة، تلفت الانتباه الى أن زوجها متوفٍ، وهي تعمل في أحد محال صناعة الخبز في ضهر الأحمر، مقابل راتب شهري لا يتعدى الـ 350 ألف ليرة، مؤكدة أنها غير قادرة على شراء الثياب الجديدة لأطفالها الثلاثة، إسوة بأولاد الحي التي تسكن فيه، إنما أم صالح تقصد السوق الشعبية في ضهر الأحمر أسبوعياً، فتشتري مونة الأسبوع من الخضار والفاكهة للأطفال، وتختار ما يناسب بعضهم من الأحذية والثياب وتعمل على غسلها وتنظيفها وكيّها، حتى تبدو جديدة، كي لا يشعر أطفالها بالذل أمام أترابهم.
أما النازحة السورية أم محمد الحمد التي توفى زوجها في لبنان، نتيجة انسداد في شرايين القلب، لفتت الانتباه الى أنها باتت مجبرة على العمل كعاملة في تنظيف المنازل مقابل مبلغ يتراوح بين 15- 20 ألف ليرة يومياً، ولا تتجاوز أيام العمل العشرين يوماً في الشهر، ما يعني أننا نعيش كما قالت «على فتات الخبز وبقايا الأطعمة»، التي يتكرم بها الجيران علينا، أو من طعام الإفطارات في هذه الأيام، لا سيما وأن عائلتها مؤلفة من ستة أفراد ومعظمهم تحت سن الخامسة عشرة .
أم محمد ترتاد السوق في ربع الساعة الأخير، كي تتمكن من شراء كميات من المواد الغذائية او الخضار وبعض بقايا الثياب المستهلكة، بأسعار زهيدة، كي تواجه متطلبات الحياة الصحية والمعيشية الأخرى، خصوصاً أن الغلاء في لبنان مستفحل والكل يبيع كما يحلو له، والناس هنا لا تسأل.
أم محمد التي تضرعت الى الله، أن يكون السند والمعين لهم، أملت أن تــــتوقف الحرب في بلدها، وتعود الى قريتها مع أولادها، لأن سوريا هي الملاذ لكل الفقراء حتى للبنانيين.