IMLebanon

تأثير غير مباشر لليونان في المصارف العربية

Greece-Retired-Bank
عدنان أحمد يوسف
مع ارتفاع ديون اليونان خلال السنوات الـ 15 الماضية إلى أكثر من 320 بليون يورو، تمثل 175 في المئة من الناتج المحلي اليوناني، وانخفاض معدلات الإنتاج في الوقت ذاته وارتفاع نسبة البطالة إلى 25 في المئة، لم يعد بإمكان اليونان تسديد هذه الديون، وأصبحت أفقر دولة في الاتحاد الأوروبي. وبإضافة الديون على المصارف والشركات اليونانية يصل إجمالي الدين إلى نحو نصف تريليون يورو.
بدأت أزمة اليونان قبل سنوات، حين كان الأداء الاقتصادي لليونان يتراجع باستمرار قبل انضمامها إلى منطقة اليورو، لكن الأزمة اتخذت وضعاً حرجاً في تشرين الأول (أكتوبر) 2009، عندما اعترفت الحكومة اليونانية الجديدة بأن الحكومة السابقة زيفت الحسابات القومية، وأن الحكومة الحالية تعاني عجزاً في الموازنة بنسبة 13.6 في المئة، وديوناً تبلغ 115 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وظلت الأزمة تعصف بالبلاد داخلياً واستمرت الحكومة اليونانية في الاقتراض من الدول الأوروبية، وبالتالي ارتفع معدل الديون، وعجزت اليونان عن تسديد ديونها، ما دفع وزراء المال في منطقة اليورو إلى رفض الطلب الذي تقدمت به حكومة اليونان لتمديد العمل ببرنامج الإنقاذ المالي والذي انتهى العمل به نهاية الشهر الماضي، ما وضع الحكومة اليونانية في مأزق كبير.
ولم يكتف الاتحاد الأوروبي بالرفض بل فرض رزمة من السياسات على أثينا، تتضمن شروطاً وإجراءات تقشف اعتبرتها اليونان قاسية جداً ولا تؤمن الحد الأدنى من التمويل المطلوب. وكانت ردود الفعل اليونانية هي تصويت البرلمان اليوناني على رفض حزمة الإنقاذ الأوروبية وإحالتها إلى الاستفتاء، وجاءت نتائج الاستفتاء يوم 5 تموز (يوليو) برفض الحزمة أيضاً.
وتواجه خطة الإنقاذ الثالثة لليونان التي أُقرَّت بصعوبة بعد مفاوضات مضنية بين اليونان ودائنيها شكوكاً على رغم عدم إنجازها بعد، أبداها الأطراف المعنيون وهم أثينا وبرلين وصندوق النقد الدولي، حول قابليتها للتطبيق، كما انتقدوا الشروط التي وُضعت حتى الآن. ولا بدّ من الرد على هذه الشكوك التي تتعدى مجرد مجموعة من خبراء الاقتصاد، لإنجاح المفاوضات المتعلّقة بتفاصيل الخطة خلال ست سنوات، والمتوقع أن تبدأ قريباً.
يحوز الدائنون الرئيسيون نحو 75 في المئة من الديون اليونانية ويعود معظم هذا النسبة إلى الاتحاد الأوروبي. وقدمت دول في الاتحاد قروضاً إلى اليونان من خلال اتفاقات ثنائية ومن خلال الأموال التي وضعت في آلية الاستقرار المالي الأوروبي. وتبلغ الديون التي قدمت إلى اليونان من خلال اتفاقات ثنائية ومن خلال الآلية 195 بليون يورو أو ما نسبته 61.5 في المئة من مجموع الديون اليونانية.
وهناك نحو 28 بليون يورو قدمت إلى اليونان من خلال برنامج السندات الذي ينفذه المصرف الأوروبي المركزي. وقدمت قروض مباشرة أيضاً إلى المصارف اليونانية تقدر قيمتها بنحو 80 بليون يورو وفق برنامج مساعدة السيولة الطارئة لمواجهة تبخر رؤوس الأموال من اليونان. وفي صورة إجمالية تمثل ديون الاتحاد الأوروبي إلى اليونان نحو 3.3 في المئة من الناتج المحلي لمنطقة اليورو.
وتعتبر ألمانيا وفرنسا أكبر دائنين لليونان بما يعادل نصف الديون الأوروبية لليونان، لكن هذه الديون ضئيلة بالنسبة إلى حجم ناتجيهما القوميين. وعلى رغم أنهما ستكونان الخاسرين الأكبرين في حال تعثر صفقة الإنقاذ الأخيرة لن تتضررا مثلما ستضرر الاقتصادات الإيطالية والبرتغالية والإسبانية التي تملك ديوناً أقل لكنها كبيرة بالنسبة إلى نواتجها القومية.
وفي ما يخص المصارف الأوروبية والأميركية يقدر حجم ديونها إلى اليونان تقدر بنحو 40 بليون يورو منخفض بصورة كبيرة عما كان عليه في العام 2008 حيث كان يبلغ 128 بليون يورو. وتقدر قروض المصارف الألمانية لليونان بنحو 10.6 بليون يورو والأميركية بـ 10.2 بليون يورو والبريطانية بـ 9.7 بليون يورو. وهناك على القائمة أيضاً المصارف الهولندية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية واليابانية والتركية.
وفي ما يخص المصارف العربية، يلاحظ أن حجم الديون التي قدمتها إلى اليونان محدودة للغاية بالنسبة الى عدد قليل منها، إذ إن معظمها لم يقدم تمويلات لليونان. ومع ذلك يمكن القول إن احتمال تأثر هذه المصارف بالأزمة اليونانية سيكون غير مباشر سواء من خلال الأضرار التي ستلحق بتوقعات النمو الأوروبي الذي هو ضعيف أيضاً، وتضرر دول رئيسة مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال بصورة أكبر ما ينعكس على أعمال المصارف العربية في هذه الدول.
كذلك سينعكس الأمر انخفاضاً في الإيرادات الأوروبية من النفط والسلع المستوردة من الدول العربية خصوصاً المغرب العربي. وسيكون ثمة تأثير من خلال أسواق صرف العملات وتوقع انخفاض سعر اليورو. وسيكون الانعكاس أكبر فيما لو تضررت بعض المصارف الأوروبية الدائنة إلى اليونان، والتي تملك المصارف العربية تعاملات كبيرة معها، ما قد ينعكس سلباً على أعمال ومحافظ تمويلات هذه المصارف.
ولذلك، لا مناص من التحوط في التعامل مع الأسواق الأوروبية، وضرورة قيام المصارف العربية بتنويع محافظها التمويلية والاستثمارية وتوجيهها في صورة أكبر نحو الاقتصادات العربية التي تعتبر في الوقت الحاضر أكثر أماناً وأقل مخاطرة.