يبدو أن وقع دموع ريم الفلسطينية أمام المستشارة الألمانية كان أقوى من كلمات أقوى امرأة في العالم، وها هي ألمانيا تناقش وضعية آلاف اللاجئين مثل ريم وتتبنى قانونا يفتح أمامهم آفاق العيش الكريم دون الخوف من الترحيل القسري.
يبدو أن دموع ريم، الفتاة الفلسطينية، ذات 14 ربيعاً، التي أجشهت بالبكاء عندما تحدثت عن مخاوفها من الترحيل في لقاء تلفزي مع المستشارة الألمانية، لم تضع هباء. فقد كان لقصة ريم، التي تعيش مع أسرتها لاجئة في ألمانيا منذ أربع سنوات، وقع كبير على الرأي العام في ألمانيا إلى درجة أن النخبة السياسية وجدت نفسها مجبرة على التحرك سريعا وتغيير القوانين الخاصة باللاجئين في ألمانيا.
دموع وخوف وأمل في غد أفضل!
البداية كانت قبل أيام قليلة، عندما تحدثت ريم، الفلسطينية التي كانت تعيش في أحد مخيمات اللاجئين في لبنان، بلغة ألمانية ممتازة عن طموحاتها وأحلامها وعن مخاوفها من الترحيل قسرا إلى بلاد الأرز. كان ذلك في لقاء بث عبر شاشات التلفزيون مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. حينها قالت ريم للمستشارة إنها تريد مواصلة دراستها والالتحاق بالجامعة ولكنها لا تعرف كيف سيكون مستقبلها في إشارة إلى خطر الترحيل القسري التي يتهددها وعائلتها بالنظر إلى وضع إقامتها في ألمانيا. ولكن وعندما ردت عليها ميركل بأنه لا يمكن لكل من قدم إلى ألمانيا أن يبقى فيها، أجهشت ريم بالبكاء.
وردت المستشارة عليها في البرنامج نفسه بالقول “السياسة تكون قاسية أحيانا، أنت الآن أمامي وتبدين لطيفة للغاية، إلا أنك تعلمين أيضا أن هناك آلاف وآلاف الأشخاص في مخيمات الفلسطينيين في لبنان”. وتابعت المستشارة قبل أن تضطر إلى التوقف أمام دموع الفتاة “وإذا قلنا اليوم بامكانكم جميعا القدوم، لن نتمكن من القيام بذلك. لذلك نحن بالفعل أمام معضلة صعبة”.
ورغم أن المستشارة الألمانية لم تنجح في مواساة الفتاة وحصدت من ورائها انتقادات لاذعة بأنها لم تتعاطف مع مصير ريم وعائلتها المهددة بالترحيل القسري إلى لبنان، إلا أن دموع ريم لم تمر مرور الكرام لتثير جدلا واسعا على الصعيد السياسي وتفتح العيون على ظروف إقامة اللاجئين وإجراءات الموافقة على طلب اللجوء والإقامة ومنح رخص العمل.
جدل واسع حول وضعية اللاجئين في ألمانيا
وفي سياق متصل، صرح نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي رالف شتيغنر في حديث لصحيفة بيلد الألمانية الواسعة الانتشار، بأن الكل يعلم بأنه لا يمكننا استيعاب جميع الراغبين في القدوم إلى ألمانيا، مشددا على ضرورة إيجاد حل أوروبي. وقال: “يتعين علينا توسيع الطابع الإنساني في إجراءات الهجرة والقدوم إلى بلادنا. وهذا أمر صعب جدا على صعيد الاتحاد الأوروبي، ولكن يجب أن يكون هذا هو هدفنا. هناك الكثير من الناس المهددين بالترحيل القسري والذين هم مندمجون في مجتمعنا بشكل جيد. ومن غير المقبول ترحيل هؤلاء”.
فيما جدد رئيس الجناح البرلماني للحزب الاشتراكي الديمقراطي توماس أوبرمان مطالبه بسن قانون هجرة خاص، وقال في حديث لصحيفة بيلد أم زونتاغ الألمانية: “الأمور تجري في ألمانيا بشكل خاطئ، فمن جهة نحن بحاجة إلى جيل ناشئ، ومن جهة أخرى لدينا لاجئون شبان مندمجون بشكل جيد ومهددون بالترحيل.” وأكد بالقول: “لهذا السبب أريد قانون لجوء جديد يخول جميع المهاجرين في غضون وقت وجيز معرفة ما إذا كان بإمكانهم البقاء من عدمه”.
بدورها أكدت وزيرة الأسرة الألمانية مانويلا شفيزيغ على تعاطفها مع ريم وكل من يتقاسمها المخاوف نفسها، وقالت: “لقد حز في قلبي مصير الفتاة الذي أظهر في الوقت نفسه الوضع المأساوي الذي يعاني منه أطفال اللاجئين في بلادنا عندما تنعدم الآفاق بالنسبة لهم”. وأضافت: “لذلك من الجيد أن نغير قانون الإقامة المؤقتة وأن نتيح الفرصة للشباب الذي يزاول دراسته بنجاح وتعلم الألمانية ووجد أصدقاء هنا للعيش بيننا ونقدم له الفرصة في مستقبل أفضل”.
من جهتها، طالبت وكالة الشغل الاتحادية بمنح اللاجئين ذوي الكفاءات العليا على غرار الأطباء والمهندسين القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي “البطاقة الزرقاء” التي تسمح لهم بالإقامة والعمل في ألمانيا.
ريم تغير مصيرها ومصير الآلاف أمثالها
أما بالنسبة لريم وعائلتها، فيبدو أنها لم تعد مهددة بالترحيل القسري، ففي سياق متصل، قالت مفوضة الاندماج لدى الحكومة الألمانية آيدان أوزوغوز في تصريح للموقع الإلكتروني لمجلة دير شبيغل الألمانية “لا أعرف الوضع الشخصي لهذه الشابة، إلا أنها تتكلم الألمانية بطلاقة ويبدو أنها تعيش هنا منذ فترة طويلة”. وأضافت “حقيقة نحن عدلنا القانون من أجل حالات من هذا النوع، ولكي يكون لشبان مندمجين بشكل جيد مستقبل عندنا”، أي سيكون بإمكان الشابة الاستفادة من رخصة إقامة جديدة تدخل حيز التطبيق في آب/أغسطس المقبل بموجب قانون الهجرة الجديد. وبالفعل، فقد يبدو أن ريم وأسرتها قد حصلت على إمكانية الإقامة بطريقة قانونية في ألمانيا، على ما أفاد رولاند ميلينغ عمدة مدينة روستوك الألمانية، التي تعيش فيها ريم، لصحيفة تاغس شبيغل الألمانية.
ولكن ريم لم تنجح في تسوية وضعيتها فقط، بل ساهمت أيضا في فتح الآفاق في الحصول على إقامة قانونية في ألمانيا. فمن المقرر أن يدخل القانون الخاص باللاجئين حيز التنفيذ هذا الصيف والذي يبدو أنه صمم على مقاييس الفتاة ريم، التي من خلال دموعها أمام المستشارة الألمانية والتي تناقلتها وسائل الإعلام، فتحت العيون على مخاوف العديد من اللاجئين البالغ عددهم 120 ألف شخص والمهددين بالترحيل القسري في كل لحظة.
ومن المنتظر أن يستفيد نحو 30 ألف شخص من القانون الجديد، الذي ينص على أن اليافعين الذين يعيشون في ألمانيا منذ أربع سنوات ويزاولون تعليمهم في مدرسة ألمانية ومندمجون في المجتمع الألماني، بإمكانهم الحصول على إقامة في ألمانيا.