Site icon IMLebanon

“نتن” السياسة يفوح بيئياً والنفايات تغرق “الجمهورية”!

 

غرقت جمهورية العجز في أكوام النفايات التي اجتاحت الكثير من شوارع بيروت والضواحي ومعظم مناطق جبل لبنان، في تعبير صارخ عن هزالة الطبقة الحاكمة التي تتراكم اخفاقاتها، فلا هي قادرة على انتخاب رئيس، ولا التشريع، ولا وضع آلية لعمل مجلس الوزراء، ولا معالجة أزمة الكهرباء، ولا حتى .. إزالة النفايات، وهذه من ابسط البديهيات.

تعددت الفضائح التي كان كلٌ منها يستحق المساءلة والمحاسبة، لكن فضيحة النفايات تكاد تكون الأقوى دويا والأفدح تأثيرا، أولا، لأنها تحاصر اللبنانيين في حياتهم اليومية، وثانيا، لأنه لم يكن هناك ما يبرر التقصير في المعالجة الاستباقية لها، إذ ان موعدها كان معروفا من قبل، ومع ذلك فشلت الحكومة في استباق المحظور.

ووفق معطيات ما بعد اجتماعات الأمس، فان الازمة تبدو طويلة، مع محاولات لحلول ترقيعية وموضعية، إلا إذا أعيد فتح مطمر الناعمة، وهو احتمال لم يُطرح على طاولة اجتماع لجنة البيئة النيابية، وإن يكن البعض لا يزال يهمس بأن الحل في يد النائب وليد جنبلاط، الذي يملك وحده مفتاح مطمر الناعمة.

وكرر وزير البيئة محمد المشنوق التشديد على مسألة المضي في فض العروض وإطلاق عملية التلزيم للشركات بعد 15 يوماً، مشيراً إلى أنه لا حل إلا بـ «لامركزية النفايات».

وقال وزير المال علي حسن خليل لـ «السفير» ان أزمة النفايات هي بمثابة حرب، تصيب جميع اللبنانيين، من دون تمييز بين هذه الطائفة وتلك، أو بين هذه المنطقة وتلك، ولذلك لا يجب التعامل مع هذه الازمة وفق حسابات سياسية ومناطقية.

وشدد على ان المطلوب الاسراع في إيجاد مطمر لاحتواء نفايات العاصمة وجبل لبنان، لافتا الانتباه الى انه لا يوجد عقار في بيروت يمكن استخدامه لهذه الغاية.

وأشار الى ان هناك قرابة 870 مكبا عشوائيا في مختلف المناطق، ومن الافضل ان ننظم انتشارها وان ننشئ مطامر تتوافر فيها الشروط الصحية، بدل هذه الفوضى العشوائية، وعوضا عن الفيتوات الجغرافية المتبادلة.

وأكد نائب بيروت ورئيس لجنة الاشغال محمد قباني لـ «السفير» ان هناك حاجة ملحة الى معالجة وطنية لأزمة النفايات، وبالتالي لا يجوز التعاطي بهذه الحدة المناطقية مع نفايات العاصمة، ما يهدد بتحول كل قضاء الى جمهورية مستقلة في ما خص كيفية مقاربة هذا الملف، متسائلا: اين يضع ابناء بيروت نفاياتهم.. هل نطمرها في شارع الحمرا او في ساحة ساسين؟

وأضاف: أكثر من نصف سكان العاصمة أتوا اليها من خارجها، فلماذا هذا التمييز المناطقي المعيب، والذي يهدد بتداعيات شديدة الخطورة على تماسك المجتمع والدولة، إذ قد يأتي يوم يرفض فيه أهالي بيروت ان يتعلم ابناء المناطق في مدارس العاصمة او ان يحصلوا على الطبابة في مستشفياتها، ردا على رفض المناطق استقبال نفايات بيروت، مشددا على ان الحل النهائي يتمثل في بناء محارق وفق التكنولوجيا الجديدة التي تمنع أي تلوث، وأبدى أسفه لكون البعض لا يزال «يتفلسف»، كأن الرابية ستكون بمنأى عن النفايات المتمددة.

وقال رئيس بلدية بيروت بلال حمد لـ «السفير» ان المجلس البلدي عقد جلسة استثنائية، وتوصل الى وضع حل مؤقت لازمة النفايات في العاصمة، يتكون من بندين:

الاول، التمني على مجلس الوزراء تكليف شركة سوكلين الاستمرار في أعمال جمع وكنس النفايات ضمن بيروت الادارية حصرا، ونقلها الى معامل المعالجة في الكرنتينا، من دون الطمر.

الثاني، تكليف احدى الشركات تأمين عقار خارج بيروت الادارية ليكون مكبا للنفايات التي ستنقلها «سوكلين».

وأمل حمد ان يقر مجلس الوزراء في جلسته غدا هذا الحل المؤقت.

وقال رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد سعيد الخنساء لـ«السفير» انه إذا لم يتم احتواء ازمة النفايات خلال الايام المقبلة، فنحن مقبلون على كارثة بيئية وصحية.

صحيفة “النهار” قالت: “إنه إذا كانت رائحة الفشل السياسي تعبق في الجو، فإن الروائح الكريهة تهدّد الصحة العامة، ومعها النفايات التي تحاصر المواطنين في البيوت والمحال. وفيما يترقّب الجميع جلسة مجلس الوزراء غداً علّها تنتج حلاً للأزمة تأخر أشهراً من غير أي مسؤولية، يستمرّ أهل السياسة في إطلاق المواقف وعقد الاجتماعات المتلاحقة من جهة، بينما تجهد البلديّات في ابتكار الحلول السحريّة لمواجهة تداعيات الأمر الواقع الذي فرضه عليهم الفشل الحكومي”.

فقد عقد رئيس بلدية بيروت بلال حمد مؤتمراً صحافياً أمس أعلن فيه عن حلّ موقت لأزمة النفايات ضمن نطاق بيروت الإداريّة يقوم على أن “تستمر سوكلين في القيام بكل التزاماتها التي كانت تقوم بها من قبل من جمع النفايات ونقلها إلى مراكز المعالجة في الكرنتينا وفرزها وتعليبها”.

وفيما اعتصم وزير البيئة بالصمت، أبلغ وزير العمل سجعان قزي “النهار” أن هناك “قطبة مخفيّة في موضوع النفايات. فبعدما كانت الاتصالات في الأسبوعيّن الماضيين مطمئنة من المعنيين بالمطامر والنفايات عموماً، انتهى الأمر بهؤلاء الى عدم التزام الوعود التي قطعوها وكأن هناك محاولة لاستدراج الدولة الى النفايات ليس من أجل إعادة فرزها بل من أجل إعادة فرز أموالها”.

وقالت مصادر نيابية بارزة لـ”النهار” إن حصيلة الاتصالات واللقاءات أمس أفضت الى أن القضية الأساسية لمعالجة أزمة النفايات باتت في تأمين مطامر لشركة سوكلين التي ستواصل العمل في الأشهر الستة المقبلة لكنها في حاجة الى مطامر لنقل النفايات إليها بعد معالجتها.

وأكدت أن مطمر الناعمة لم يعد موضع بحث انطلاقاً من قرار نهائي من المرجعيات المعنية بعدم مسؤولية السماح باستخدامه وتالياً بات على الدولة أن تتدخل من أجل توفير أماكن بديلة والضغط على البلديات لتتحمل مسؤولياتها بعد توفير الدعم العاجل لها عبر احتياط الموازنة وتحريك وزارة التنمية الادارية البروتوكولات مع الاتحاد الأوروبي التي ستوفر إمكانات مهمة للبنان على هذا الصعيد.

صحيفة “المستقبل” قالت: “إذا كان من دور اضطلع به مجلس الوزراء إبان حكومة «القمصان السود» التي تشكلت برئاسة نجيب ميقاتي في أعقاب إذاعة بيان الانقلاب «رقم واحد» على حكومة الرئيس سعد الحريري من «الرابية» ذاتها، فهو ما تمثل حينها بالحرص على إجهاض كل المشاريع الحيوية التي كانت قد أقرتها حكومة الحريري ومن بينها الخطة الوطنية لمعالجة النفايات الصلبة وما تضمنته من وضع حل جذري لهذا الملف سرعان ما بادرت حكومة ميقاتي إلى دفنه في «مطمر» الكيدية السياسية”.

من جهتها، أوضحت مصادر وزارية لصحيفة “اللواء” ان أي اقتراحات يجري التداول بها بشأن معالجة ملف النفايات تظل غير نهائية بانتظار ما سيتخذه مجلس الوزراء من قرارات عند طرح الموضوع”، مشيرة إلى “صعوبة التمديد لشركة سوكلين ما لم تتأمن المطامر”، لافتة إلى “اقتراح الطمر في الكسارات القديمة غير المرخص لها يحتاج إلى قرار من وزارة الداخلية أولاً ومن ثم مجلس الوزراء”.

وذكرت المصادر أن “مهلة الستة أشهر المعطاة لدفتر الشروط مهلة طويلة”. وسألت: “خلال هذه الفترة من هو المولج بجمع النفايات وهل أن للبلديات إمكانيات للمعالجة”، داعية إلى “فتح العروض بسرعة، دون انتظار مناقصة بيروت”.

في سياق متصل، كشف مصدر مقرّب من رئيس الحكومة تمام سلام لصحيفة “الشرق الاوسط” ان هذه الأزمة القديمة الجديدة، فرضت نفسها بندًا أساسيا من خارج جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي ستنعقد غدًا الخميس بالنظر إلى دقة هذه القضية وأبعادها الصحية، مؤكدا أن “لبنان يواجه الآن أزمة مستجدة وحساسة لا تحتمل التأجيل والاستمهال”.

وقال: “من المنطق أن تتصدر هذه القضية جدول أعمال مجلس الوزراء وأن تعمل الحكومة على إيجاد حلّ سريع ودائم لمعضلة طمر النفايات اليوم قبل الغد من ضمن توافق سياسيّ، إلا إذا خرجت أصوات ترفض البحث بأي شيء قبل النقاش في آلية عمل الحكومة”.