زينب ياغي
ضبطت قوى الأمن الداخلي بحق محمد محضرَي مخالفة، الأول لدى مروره في صيدا، والثاني في النبطية، وقد اكتشفت المخالفة الأولى بالصدفة، لدى دخوله إلى موقع قوى الأمن عبر الانترنت، بعد شهرين من تسجيلها.
قصد محمد مفرزة سير صيدا، فأبلغ أنه تم تحويل المخالفة إلى محكمة السير في صيدا. استعان بالوساطات، وتم سحب المحضر من محكمة السير ودفع خمسين ألف ليرة بدل المئة وعشرين ألف ليرة. بعد ذلك بثلاثة أشهر، اكتشف محمد محضر المخالفة الثانية في النبطية عبر الانترنت، فاتصل بـ «ليبان بوست» وكان الجواب أنهم لم يتبلغوا بالمحضر. قصد مفرزة سير النبطية فأبلغ عن تحويل المحضر إلى محكمة السير، واستعان مرة جديدة بالوساطات لعدم مضاعفة قيمة المخالفة.
تطرح مخالفات السرعة الزائدة مشاكل تتشابك ببعضها، وتبدأ من طريقة التبليغ عبر الموقع الالكتروني لقوى الأمن الداخلي ولا تنتهي عند محكمة السير. وحسب الطريقة المتبعة حالياً، يترتب على كل سائق الدخول إلى الموقع يومياً لمعرفة ما إذا ارتكب مخالفة سرعة زائدة.
وفي حال وجد المحضر، عليه دفع البدل المالي لدى واحدة من الجهات الأربع: مفرزة السير الواقعة في نطاق المنطقة التي ارتكب فيها المخالفة، «ليبان بوست»، أو الـ «أو. إم. تي» (OMT)، بينما لم يكن في السابق قادراً على دفعها سوى عبر «ليبان بوست». وفي حال كانت المخالفة من الفئة الخامسة يترتب عليه دفعها لدى محكمة السير. أما إذا سها عن الدخول إلى الموقع فسوف تصل المخالفة، كما حصل مع محمد، إلى محكمة السير وتتضاعف عندها قيمتها.
ويوضح مصدر في قوى الأمن أن من «لا يجيد الدخول إلى الانترنت، يمكنه الاستعانة بأحد أقاربة أو معارفه»، مشيراً إلى أن «هذه هي الطريقة الوحيدة المتوفرة حالياً لمعرفة المخالفة، بينما يجري التحضير لاستخدام طريقة ثانية تقضي بالإبلاغ عن المخالفات عبر الهاتف الخلوي».
62 ألف مخالفة
تشكل مخالفات السرعة الزائدة العدد الأكبر من مخالفات السير لأنه يسهل ضبطها بسبب وجود الرادارات. ويقول المصدر في قوى الأمن أنه تم تسجيل نحو 61 ألفاً و900 محضر مخالفة سرعة زائدة حتى التاسع عشر من تموز الجاري. وكان قد سجل 49 ألف محضر مخالفة سرعة منذ البدء في تطبيق قانون السير في الثاني والعشرين من نيسان حتى نهاية حزيران الماضي، توزعت كما يلي: جبل لبنان نحو 16000 مخالفة، بيروت 4000 مخالفة، البقاع 7000 مخالفة، الجنوب 6000 مخالفة. الشمال 16000 مخالفة.
يضيف المصدر أنه «لو كانت الرادارات متوفرة في جميع الطرق والمناطق، لأمكن تسجيل ذلك العدد من المخالفات في أيام أو أسابيع معدودة، مشيراً إلى أن «استخدام تقنية الرادار ساهم في ضبط مخالفات السرعة في جميع دول العالم، وجعلها من المخالفات التي يسهل ضبطها مع مخالفات عدم وضع حزام الأمان، بينما لا يزال من الصعب ضبط مخالفات الإشارات الضوئية والدراجات النارية».
وحسب مشاهدات قوى الأمن، فقد انخفضت السرعة كثيرا على الأوتوسترادات منذ البدء بتطبيق قانون السير. وإذا ما بقيت على الوتيرة نفسها فسوف ينخفض عدد محاضر مخالفات السرعة.
توضع الرادارات على الطرق والأوتوسترادات القريبة من مفارز السير، وهي: قيادة سرية بيروت، ومفارز سير بيروت الأولى، والثانية، والثالثة، ووسط بيروت. مفارز سير الجديدة وجونية والضاحية في جبل لبنان. مفرزتا سير بعلبك وزحلة في البقاع. مفارز سير طرابلس، وحلبا، وزغرتا، وأميون في الشمال. مفارز سير صيدا والنبطية وصور في الجنوب. يضاف إليها جهاز أمن المطار ومفرزة سير المطار.
ولا توجد رادارات ثابتة على جميع الطرق، وإنما رادارات متنقلة، وقد اتخذت قوى الأمن قراراً بعدم تركيب رادارات ثابتة، لأن السيارة المخالفة تتوقف عندما تشاهد الرادار أو تخفف السرعة وعندها تنعدم الجدوى من وجوده. كما تضع قوى الأمن رادارات متنقلة في المناطق السكنية، على فترات متقطعة لأن الهدف منها هو معرفة المواطن بوجود الرادار في تلك المناطق.
يؤكد المصدر في قوى الأمن أن الهدف من الرادارات هو الوصول إلى تخفيض السرعة لا تسجيل المخالفات، مشيراً إلى أن كمية المخالفات تتبع لوتيرة عمل الرادارات، لذلك يسجل العدد الأكبر منها على الأوتوسترادات، مع تسجيل عدد أقل من المخالفات في المناطق السكنية، لأن السرعة يجب ألا تتجاوز فيها الـ 50 كلم. واستناداً إلى المصدر يزيد عدد الرادارات تباعاً، وكونها متنقلة تحتاج إلى المزيد من العناصر لإدارتها.
نقص في الإشارات
يرى المواطنون أنه يجب وضع إشارات السرعة على جميع الطرق الرئيسية والداخلية قبل محاسبتهم على السرعة. ويُعتبر مطلبهم محقاً من أجل تثبيت معرفتهم بحدود السرعة. لكن بالترافق مع ذلك، يتوجب على كل من يريد الحصول على إجازة سوق أن يكون على معرفة بقانون السير، وهو أمر غير متوفر حتى الآن في لبنان.
وفي حال تم استطلاع آراء المواطنين بشأن القانون، سوف يكون مذهلاً مدى جهلهم به، إذ يتم الحصول على إجازة السوق من أجل الجلوس فقط خلف المقود، بغض النظر عما تحمله من مخاطر دائمة على حياة السائق والركاب والمشاة.
ويقول مسؤول مؤسسة الـ «يازا»، زياد عقل، إن «العرف في جميع أنحاء العالم هو وضع إشارات على الطرق التي تكون حدود السرعة القصوى فيها مئة كلم في الساعة، لأنه لا وجود لمكان في العالم تتجاوز فيه السرعة المئة كلم».
في المقابل، وفق عقل، يترتب على كل سائق معرفة القانون وما ينص عليه من تصنيف الطرق وحدود السرعة المتاحة على كل منها. لكن معرفة المواطنين بالقانون متدنية جداً لأنهم اعتادوا على عدم الالتزام بالنظام. ويوضح عقل أن «المواطنين يطالبون بإعادة تعبيد الطرق وتوسيعها وتزفيتها، ولا يطالبون مثلا بوضع الإشارات، والمرايا العاكسة، والأرصفة، ورسم خطوط تحديد السير. يضيف أبو عقل أنه يوجد نقص في الإشارات، ويجب وضع المزيد منها، مشيراً إلى «اجتهادات لدى بعض البلديات في وضع إشارات للسرعة تكون خاطئة أحياناً».
حُفَر وحواجز متكسرة
إذا كانت السرعة تشكل خطراً على السلامة العامة، فإن عدم تأهيل الطرق يزيد في ذلك الخطر لأن الحفر والحواجز والأعمدة المكسورة وغياب الإشارات وخطوط السير المحددة، تساهم جميعها في الحوادث المميتة.
ويقول المصدر في قوى الأمن إنهم يرسلون الكتب بشأن الأضرار على الطرق إلى الجهات المعنية في وزارة الأشغال والبلديات، لكن «الوضع العام غير مساعد، ولا توجد إجابات في الكثير من الأحيان، بينما يحتاج تطبيق قانون السير إلى تكاتف جهود جميع المؤسسات المعنية».
من جهته، يرى الناشط في مجال السلامة العامة المهندس راشد سركيس أن «المشكلة الأكثر أهمية التي تواجه الطرق هي عدم وجود مرجعية خاصة بملكية الحيز العام، لذا يجب استحداث مجلس وطني لإدراة وحيازة الملكية العامة، يكون مسؤولا عن الطرق ومطالبة من يعتدي عليها بإصلاح الأضرار».
ويرى سركيس أن «الطرق اللبنانية خالية من أبسط المواصفات المطلوب توفرها، فعندما ينكسر عمود يبقى مكسوراً، وكذلك الحافة عند الطريق أو الجسر، والحديد على جوانب الجسور والطرق. وفي حال انكسر الحاجز لدى الاصطدام به في المرة الأولى، فإنه يطيح السيارة في الاصطدام الثاني».
ويقول إن المواطنين يكررون دائماً الطلب نفسه بتأهيل الحفر، لكن الجواب لا يأتي أو يأتي متأخراً، حتى أن مجموعة من المهندسين بدأت التفكير بالقيام بمبادرة شخصية لترميم الطرق، مشيراً إلى أن كلفة ترميم أكبر حفرة لا تتجاوز المئة ألف ليرة، بينما يسبب وجودها الأذية للسيارات والمارة، لأن أي سائق يهرب تلقائياً من الحفرة من دون الانتباه لما يحيط به.
يضاف إلى ذلك عمل بعض الإشارات بطريقة غير منطقية، وقد توقف سركيس مثلا مدة ثلاث دقائق عند إشارة جسر الواطي مقابل مدة سير بلغت أربعين ثانية، وذلك أمر يخرج عن منطق التنظيم الضوئي للإشارات.
ويوضح أنه طرح مع المدير العام لوزارة الأشغال العامة جوزيف أبو سمرا مشكلتين رئيستين عند اوتوستراد الشمال ` بيروت الأولى، هي: المحولات عند مجرى نهر الموت، بعد استحداث محولين على المجرى (القسم الاول من طريق المتن السريع). ويقول إن غالبية مستخدمي الطريق تدخل الى منطقة الجديدة عبر المحول الذي يرد خط النزول الى مستوى طلعة الرويسات، فيقفل الضغط والتجاوز المضاعف الطريق أمام المتجهين الى جسر الـ «سيتي مول»، ويسبب خسائر كبيرة في الوقت. وقد اقترح إعادة النظر في قياس الممرات واتجاهاتها، لكنه علم من جهات معنية في مجلس الإنماء والإعمار بوجود تعقيدات كبرى لجهة إصدار قرار مبدئي من مجلس الوزراء من أجل القيام بالدراسات اللازمة، ويسعى حالياً لبلورة الموضوع مع وزارة الأشغال.
المشكلة الثانية تتعلق بالسير بين جسر الكرنتينا ومدخل المرفأ، لا سيما بدءاً من الفترة الصباحية حتى الحادية عشرة، حيث يتم إجبار السيارات المتجهة الى بيروت أو الحازمية على السير أكثر من 300 متر في الاتجاه المعاكس حتى مدخل المرفأ، لكي تعود ضمن زحمة خانقة وتسلك في الاتجاه المقصود. ولدى دخول الشاحنات الى المرفأ تكون الكارثة أعظم وهدر الوقت بلا قياس. ويقترح سركيس بناء تقاطع سهل المنال عند مخرج الطريق البحري الآتي من الحازمية من أجل التوفير على سالكي تلك المسارب عناء التشابك مع مستخدمي المرفأ ومدخله.
وفي إطار المبادرات الإيجابية، يعمل سركيس مع مجموعة من الخبراء في السلامة المرورية على إنشاء جمعية تعنى بالطرق، ومهمتها مساعدة الدولة على وضع الخطط الحقيقية للنقل العام وتأهيل البنى التحتية.
أربع فئات
تدخل مخالفات السرعة الزائدة ضمن أربع فئات في مخالفات السير. تبدأ بالفئة الثانية وقيمتها مئة ألف ليرة، في حال تجاوز السرعة المحددة بأقل من عشرين كلم في الساعة. الفئة الثالثة، في حال تجاوزت السرعة بين عشرين كلم وأربعين كلم في الساعة، قيمتها مئتا ألف ليرة خلال الخمسة عشر يوما الأولى من تسجيلها، ثم تزيد إلى ثلاثمئة وخمسين ألف ليرة خلال الخمسة عشر يوما التي تلي. الفئة الرابعة عندما تتجاوز السرعة المحددة بين أربعين وبين ستين كلم في الساعة، تبلغ قيمتها ثلاثمئة وخمسين ألف ليرة في الخمسة عشر يوما الأولى مع سحب أربع نقاط من دفتر القيادة، ثم أربعمئة وخمسين ألف ليرة خلال الخمسة عشر يوما التي تلي.
أما الفئة الخامسة، فتسجل لدى تجاوز السرعة المحددة بأكثر من ستين كلم في الساعة، وعقوبتها السجن من شهر حتى سنتين، وغرامة مالية من مليون ليرة لغاية ثلاثة ملايين ليرة مع سحب ست نقاط من دفتر القيادة. ويقول المصدر في قوى الأمن إن العدد الأكبر من المخالفات ينتمي إلى الفئة الثانية، وتتراوح نسبتها بين خمسة وسبعين، وثمانين في المئة.
المسموح والممنوع
يتضمن الفصل الخامس من قانون السير المواد الخاصة بالسرعة، وتنص المادة السادسة والعشرين منه على أنه في حال عدم وجود لوحات تحدد السرعة القصوى المسموحة على الطرق المحلية والرئيسية والثانوية، وجب على جميع السائقين عدم تجاوز السرعة القصوى على الشكل التالي: مئة كلم في الساعة على الأوتوسترادات. سبعون كلم في الساعة خارج المناطق المأهولة. خمسون كلم في الساعة داخل المناطق المأهولة.
بالنسبة للطرق الداخلية غير المصنفة، يمكن للسلطة المحلية المختصة بقرار معلل منها تخفيض الحد الأقصى للسرعة في المناطق المأهولة بحسب ما تقتضيه السلامة العامة. ويمكن بقرار معلل من وزير الأشغال العامة والنقل خفض الحد الأقصى للسرعة على بعض طرقات المناطق المأهولة أو جزء منها، أو على أجزاء منها بحسب ما تقتضيه السلامة العامة.
تحدد السرعة القصوى للشاحنات ومركبات النقل العام والمركبات التي تنقل مواد خطرة للسائقين الجدد الذين لم تمض ثلاث سنوات على استلامهم رخصة السوق ولدى هطول المطر، أو عدم جفاف الطرقات بقرار يصدر عن وزير الأشغال العامة والنقل والداخلية والبلديات بناء على اقتراح اللجنة. وعندما تكون الرؤية دون الخمسين مترا يجب تخفيض السرعة القصوى دون الخمسين كيلومترا في الساعة على الطرقات كافة.
انخفاض عدد القتلى؟
يعتبر خبراء في السلامة المرورية أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي “تسرعت قليلا في إصدار بيانها في الثلاثين من حزيران الماضي، وافادت فيه أن التزام المواطنين بقانون السير الجديد أدى إلى انخفاض حوادث المرور إلى أكثر من النصف بعد شهرين على تطبيقه”.
ويقول الخبراء إنه “كان على قوى الأمن الانتظار حتى نهاية العام من أجل إصدار إحصاءات دقيقة، لأن المشكلة المطروحة دائما هي عدم وجود وسائل اتصال بين المستشفيات وقوى الأمن تتيح معرفة ما إذا توفي جرحى من جراء الحوادث”.
وقد تبين من الجدول الإحصائي أنه تم إنقاذ تسعة وثلاثين مواطنا من الموت المحتم، بعد انخفاض عدد القتلى من سبعة وتسعين إلى ثمانية وخمسين مواطنا، أي بتراجع نسبته 40.2 في المئة. كما نجا 746 جريحا من المعاناة أو الإعاقة بعد انخفاض عدد الجرحى من 1198 إلى 256، أي بتراجع نسبته واحد وسبعون فاصل خمسة في المئة. وعلى الرغم من تلك النتائج “الايجابية الموقتة”، تسعى المديرية العامة لقوى الأمن لتصبح “في تحسن دائم نحو الأفضل، وتنوه بالمواطنين وتدعوهم للاستمرار في التقيد بقانون السير.