IMLebanon

العطش ينعش تجارة بيع المياه في موريتانيا

mauritania
“مصائب قوم عند قوم فوائد”، مثل ينطبق على وضعية باعة مياه الشرب في موريتانيا الذين انتعشت تجارتهم بسبب انقطاعات الماء المتكررة، وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية. حيث بدأ باعة الماء الذين يجوبون الشوارع بعربات تجرها الحمير تحمل براميل ماء، في حصد نتائج أزمة نقص المياه، بل وانعدامها في مناطق مختلفة بأرجاء البلاد. وارتفعت أعداد ممارسي هذه التجارة بشكل كبير، أخيرا، بسبب حاجة الكثير من الأحياء في المدن الموريتانية لخدمات باعة الماء، في ظل انقطاع المياه، في هذا البلد الصحراوي الذي يعاني من شح الموارد المائية. ويؤمّن بيع الماء دخلاً مهماً لمئات الشباب من الطبقة الفقيرة، خاصة الذين لم يكملوا تعليمهم، ومن بينهم حمود ولد البيده (22 عاما) الذي يملك عربة تجرها دابة تحمل برميلين لبيع الماء، ويقوم برحلات مكوكية على مدار ساعات النهار من خزان الماء، حيث يتزود بالماء، إلى الأحياء التي يبيع فيها ما تحمله عربته من مياه، كل حسب حاجته. ويقول حمود لـ”العربي الجديد”، إن أغلب سكان الأحياء التي لا تتوفر لهم المياه، يعتمدون على باعة الماء، ويضبطون ساعاتهم على جولاتهم الصباحية والمسائية، وهناك زبائن منتظمون يطلبون التزود بالماء في أوقات محددة. يستيقظ حمود مبكرا ليتمكن من التزود بالماء في رحلته الأولى، قبل اشتداد الزحام على خزان المياه العمومي، وبعد أن يقوم بإعداد عربته للعمل يتجه نحو خزان الماء حيث يعبئ براميله، بسعر 200 أوقية (الدولار = 300 أوقية) لكل برميل سعته 200 لتر، ويتجه نحو الأحياء التي تعاني من شح المياه. يفضل حمود التعامل مع زبائنه المعتادين في الأحياء التي يكثر فيها الطلب لضمان دخل ثابت، فيما يقوم زملاؤه بالتوجه إلى أقرب الأحياء المتضررة من قلة المياه، ثم الأبعد منها إلى نهاية يومهم. ويرتفع سعر برميل الماء حسب بعد الحي عن الخزان وارتفاع الطلب، بعد انقطاع الماء عن أحياء أخرى، كما يرتفع سعره في الفترات التي ترتفع فيها درجات الحرارة.

ويضيف حمود أنه يبيع برميل الماء بسعر يتراوح ما بين دولار واحد ودولارين في الظروف العادية، وفي الفترات الأكثر حرارة يرتفع السعر إلى 4 دولارات.

ويعترف بأن هذا السعر يعتبر مجحفا وظالما لسكان الأحياء الشعبية الذين يقتصدون في الماء على حساب حاجياتهم الضرورية، ويرغمون على دفع مبالغ كبيرة للتزود بالماء يوميا. ويشير إلى أنه يحصل على دخل يومي يتراوح بين 4000 و7000 أوقية، يشتري منه 4 كيلوغرامات من العلف للحمار الذي يجر العربة، والباقي يقضي به حاجيات أسرته، ويدخر جزءاً منه للمصاريف الطارئة، ولتجديد العربة والبراميل، أو لتعويض دخله اليومي غير المستقر. وعن الصعوبات التي يواجهها في مهنته، يقول حمود إن الزحام على خزان الماء العمومي، والعمل في حرارة مرتفعة، وتغيير براميل الماء بسبب الصدأ، هي أكثر ما يشغله، ويضيف “هناك أيضا مضايقات من قبل السلطات البلدية التي تتهمنا بتلويث الشوارع بسبب روث الدواب، كما ارتفعت أخيرا الدعوات المطالبة بالتوقف عن استعمال عربات الحمير وتعويضها بـ”توك توك”، وهو ما يشكل تهديداً دائماً لعملنا، لأن التخلي عن عربات الحمير يعني ضياع فرص عمل لمئات الشباب الذين يعتمدون عليها في توفير لقمة العيش لهم ولذويهم”. ورغم حاجة سكان بعض الأحياء للعربات التي تجرها الدواب في التزود بالمياه والتنقل، إلا أن فئة من الموريتانيين أصبحوا يطالبون بمنع هذه العربات من التجول في المدن الرئيسية، بسبب مظهرها السيئ، في حين يرى الفقراء من سكان الأحياء الشعبية هذه المطالب تجاهلاً لمعاناتهم، ويعتبرون أنها غير واقعية، ولا يطالب بها سوى الميسورين الذين باستطاعتهم شراء كميات كبيرة من مياه الشاحنات ذات الصهاريج الحديدية وتخزينها في خزانات بمنازلهم. وتعيش بعض المدن الموريتانية، خاصة في الشرق والوسط، أزمة عطش غير مسبوقة، وانقطاعا شبه تام للمياه عن المنازل. ويعتمد السكان على خزانات المياه التي تشرف عليها البلديات التي تبيع براميل الماء لباعة الماء بسعر 200 أوقية للبرميل، فيما تقدم للمواطنين المياه مجانا الذين باستطاعتهم نقلها، بشرط ألا تتجاوز سعة البرميل 50 لترا، فيما يشتري الأغنياء صهاريج المياه ويضعونها في خزانات كبيرة ملحقة بمنازلهم.