يأتي تدشين بنك التنمية الجديد لدول بريكس في مدينة شانغهاي الصينية أمس الثلاثاء بمثابة خطوة هامة يمكن أن تسهم في تدويل العملات المحلية لدول المجموعة ومن بينها الصين التي تنمو عملتها (الرنمينبي) في الآونة الأخيرة بخطى سريعة حيث أفاد تقرير عن تدويل الرنمينبي صدر عن جامعة الشعب الصينية وبنك المواصلات الصيني مؤخرا بأنها قد تصبح رابع أكبر عملة دولية متجاوزة العملة اليابانية (الين) في غضون عامين فحسب.
— بنك دول بريكس … قوة دفع لتدويل الرنمينبي
ويشير المحللون الصينيون إلى أن إنشاء بنك مجموعة بريكس التي تضم الاقتصادات الناشئة الرئيسية في العالم وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، يحمل أهمية كبيرة في دفع تدويل عملات دول بريكس بوجه عام والعملة الصينية بوجه خاص في ظل الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة الصينية لدفع تدويل الرنمينبي.
فقد ذكر تشو جيانغ، الخبير بشركة ((كابرا إيبكس أدفيزورس)) للاستشارات، أن إنشاء هذا البنك سيزعزع على الأرجح من مكانة الدولار في تسوية المعاملات التجارية الدولية، قائلا “سنشهد استخدام عملات دول بريكس على نطاق أوسع في تسوية الصفقات التجارية والاستثمارية بين دول بريكس مقارنة باستخدام الدولار الأمريكي، الأمر الذي سيتيح دون شك قوة دفع لتدويل الرنمينبي والارتقاء بمكانته في السوق”.
تشكل الدول الأعضاء في بريكس 42.6% من سكان العالم و21% من إجمالي الناتج الداخلي العالمي و50% من احتياطيات النقد الأجنبي في العالم، كما تمثل التجارة بين دولها الأعضاء 15% من التجارة العالمية.
ويقول تشو “رغم أن انشاء بنك التنمية الإقليمي قد لا يأتي بتأثير ملحوظ على تدويل الرنمينبي، إلا أن أهميته تكمن في أنه يرسى أساسا لتسوية المعاملات بالعملة الصينية في النظام المالي العالمي، علاوة على أن البنك سيضطلع بدور مهم في تشكيل شبكة مالية يكون محورها الرنمينبي”.
ومن جانبه، ذكر تشن يويه لو رئيس جامعة الشعب الصينية إن وضع استخدام الرنمينبي الدولي ومدى قبوله يشهدان نموا سريعا وارتفاعا كبيرا. ومع تسريع عملية التعاون التجاري الإقليمي، يجرى تطبيق سياسة تسهيل تسوية المعاملات بالرنمينبي في التجارة عبر الحدود.
ووفقا للتقرير الخاص بتدويل الرنمينبي السالف ذكره، فإن قيمة تسوية المعاملات بالرنمينبي في التجارة عبر الحدود بلغت 6.55 تريليون، بزيادة 41.6% مقارنة بالعام الماضي. وارتفعت نسبة تسوية المعاملات بالرنمينبي في التجارة العالمية لتصل إلى 2.96% ؛ وبلغت قيمة الاستثمار المباشر بالرنمينبي 1.05 تريليون، بزيادة 96.5% عن العام الماضي. وبلغت حصة الرنمينبي في رأس المال العالمي والمعاملات المالية 2.8%. ومن ثم، قد يصبح الرنمينبي ثانى أكبر عملة في المعاملات التجارية والمالية وخامس أكبر عملة دفع وسادس أكبر عملة صرف أجنبي.
— الانضمام لسلة حقوق السحب الخاصة… إمكانية ضخمة
وأشار التقرير إلى أن ضم الرنمينبي إلى سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي صار أمرا مرجحا إلى حد كبير هذا العام، وهو أمر يحمل أهمية كبيرة في عملية دفع تدويل الرنمينبي وتفادى المخاطر المالية، ويعنى قبولا رسميا من الصندوق للرنمينبي كعملة احتياط دولية، وسيعد علامة رئيسية على انضمام الرنمينبي إلى صفوف العملات الدولية الرئيسية، وسيشكل معلما مهما في عملية تدويل الرنمينبي، وسيرسى أساسا ممتازا لارتفاع مؤشر تدويل الرنمينبي بشكل مستقر.
كان قد تم استحداث حقوق السحب الخاصة في ستينات القرن الماضي كأصل احتياطي دولي يمكن أن يستخدمه أعضاء الصندوق عند الحاجة. ولا تضم سلة حقوق السحب الخاصة حاليا سوى أربع عملات ألا وهي الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني.
ويجرى صندوق النقد الدولي هذا العام مراجعة تتم كل خمس سنوات لسلة حقوق السحب الخاصة. وفي هذا الخريف، سيقرر ما إذا كان سيقوم بضم الرنمينبي إلى سلته. وفي آخر مراجعة لحقوق السحب الخاصة جرت في عام 2010، أوفي الرنمينبي بمعيار التصدير ولكن تم تقييمه بأن لا يفي بمعيار” قابلية الاستخدام بحرية”.
ولفت ليو جي بنغ، مدير مركز بحوث رأس المال بجامعة الصين للعلوم السياسية والقانون، إلى أن الصين تدخل في الوقت الحالي مرحلة رئيسية لضم الرنمينبي إلى سلة حقوق السحب الخاصة، حيث أعلنت لأول مرة منذ ست سنوات حالة احتياطيات الذهب لديها، وهو ما يعتقد المحلل ليو أنه خطوة تهدف إلى زيادة شفافية البيانات الصادرة عن الصين ويتوافق مع متطلبات سلة حقوق السحب الخاصة فيما يتعلق بتفاصيل وشفافية احتياطيات النقد الأجنبي والأصول المالية للبنك المركزي الصيني.
— تطبيق “الحزام والطريق”… سبيل لدفع تدويل الرنمينبي
واقترح تشن رئيس جامعة الشعب الصينية اغتنام الفرصة التاريخية المتمثلة في تطبيق مبادرة “الحزام والطريق” لدفع عملية تدويل الرنمينبي، قائلا إن تدويل عملة الصين، وهي الدولة التي بادرت بطرح هذه المبادرة، من شأنه أن يعزز بشكل مباشر ترابط رأس المال بين الدول المشاركة في المبادرة، وهو ما سيلعب دورا حاسما في تعميق التعاون الاقتصادي الإقليمي.
وتابع بقوله إن الدراسات النظرية والاختبار الواقعي يبرهنان على أن رفع نسبة العملة الأكثر استخداما في المنطقة سيساعد على تفادى المخاطر المالية التي قد تنشأ عن استخدام عملة ثالثة وخفض تكلفة المعاملات التجارية، ويعود بدوره بالفائدة على تعزيز القدرة التنافسية الإقليمية وتسريع التكامل الاقتصادي وعملية التكامل التجاري في المنطقة.
تمتلك الصين أكبر حجم من احتياطيات النقد الأجنبي ومعدلا كبيرا نسبيا من مدخرات الأسر. ومع الانفتاح التدريجي لحساب رأس المال في الصين والنمو السريع للأسواق الخارجية للرنمينبي، يمكن توفير سيولة كافية من الرنمينبي للبلدان والمؤسسات لتخفيف صعوبات التمويل التجاري وتعزيز تنمية التجارة الإقليمية بين البلدان.
وسلط تشن الضوء على أنه في الإمكان دفع تدويل العملة الصينية إنطلاقا من مبادرة “الحزام والطريق” من خلال أربعة محاور: أولا، دفع استخدام الرنمينبي في تسوية تجارة السلع بالجملة بين الصين والدول المشاركة في هذه المبادرة؛ ثانيا، بذل جهود ليصبح الرنمينبي عملة رئيسية في عملية تمويل البنى التحتية وخاصة استخدامه عند منح المساعدات الحكومية والقروض التفضيلية والقروض الهجين وإصدارات السندات لمشروعات البنى التحتية الخاصة بالمبادرة؛ ثالثا، التوجه بنشاط لاستخدام الرنمينبي في تخطيط وبناء المناطق الصناعية مع الدول المشاركة في المبادرة؛ رابعا، دعم الدفع عبر الحدود بالرنمينبي في التجارة الإلكترونية.