تخشى إسرائيل أن يفضي الاتفاق الذي توصلت إليه الدول الست الكبرى مع إيران بشأن مستقبل برنامجها النووي، إلى المس بفرصها في استخراج الطاقة الكامنة في إنتاجها للغاز الطبيعي، والذي تراهن على دوره في تعزيز منعتها الاقتصادية وتمكينها من بناء تحالفات إقليمية ودولية تحقق لها منجزات جيواستراتيجية مهمة.
وقد حاولت حكومة بنيامين نتنياهو بكل قوة عدم إبراز هذه المخاوف بشكل خاص، حتى لا يتم التشكيك في مصداقية المسوغات الأخرى التي تقدمها في سعيها لشيطنة الاتفاق مع طهران.
فقد كشف موقع “وللا” الإخباري الإسرائيلي النقاب، الأربعاء الماضي، عن أن السبب الرئيسي الذي دفع حكومة نتنياهو لإجراء المداولات بشأن مخططاتها لاستغلال الغاز في سرية تامة، هو الخشية أن يتم تسريب ما يكشف طابع مخاوف تل أبيب من تداعيات رفع الحظر على صادرات إيران من الغاز الطبيعي، لا سيما القلق من تأثيراته السلبية على اقتصاديات الغاز في إسرائيل.
وأشار الموقع إلى أن نتنياهو اختار أن يتم عقد المشاورات بشأن اقتصاديات الغاز ضمن اللقاءات التي ينظمها المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، وهي الاجتماعات التي تفرض الرقابة العسكرية حظراً أتوماتيكياً على المداولات التي تجري خلالها، على اعتبار أنها تكون ذات علاقة بقضايا “أمن قومي” حساسة، مع العلم أن الوزارات الاقتصادية هي الطرف الذي كان يجب أن يشرف على إجراء هذه المداولات.
وحسب ما ذكره “وللا”، فإن وزير البنى التحتية الإسرائيلي، يوفال شطاينتس، قد أبلغ الوزراء والمسؤولين الذين يشرفون على قطاع الغاز أن استعادة إيران قدرتها على تصدير الغاز بشكل طبيعي، يقلص من قدرة تل أبيب على استخراج الطاقة من حقول الغاز التي اكتشفتها، ومن خلال إيجاد ظروف تجعل من الصعوبة على إسرائيل بمكان المنافسة في سوق الغاز، إلى جانب أن الأمر يعني المس بقدرة إسرائيل على تعزيز تحالفاتها القائمة أوبناء تحالفات جديدة عبر توظيف صادرات الغاز.
وحسب شطاينتس، فإن رفع العقوبات، يعني استعادة طهران مكان الصدارة في سوق الغاز، مشيراً إلى أن إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم بعد روسيا. وينوه الموقع إلى أن شطاينتس يوظف التحذير من تداعيات رفع العقوبات عن إيران من أجل الضغط على الوزراء الذين يعارضون منطلقات الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة لإدارة اقتصاديات الغاز، من أجل إقرار هذه الاستراتيجية في الحكومة في أسرع وقت ممكن. ويرى شطاينتس، أن الإسراع في إقرار هذه الاستراتيجية سيساعد إسرائيل على التحرك لتقليص المخاطر الناجمة عن عودة إيران إلى سوق الغاز العالمية.
وأشار الموقع إلى أن نتنياهو، تحديداً، يبدي حساسية كبيرة إزاء إمكانية تلاشي رهاناته على توظيف الغاز في تحسين مكانة إسرائيل الإقليمية، لا سيما بعدما أجرى شخصياً اتصالات بقادة كل من: قبرص، اليونان، مصر، الأردن بشأن التعاون في استخراج الغاز أو تصديره.
من ناحية ثانية، يرى خبراء اقتصاديون إسرائيليون أن “رجل الشارع الإسرائيلي” سيستفيد من رفع الحظر عن صادرات الغاز الإيرانية، لأنه سيجبر حكومة نتنياهو على التراجع عن نيتها بيع الغاز بأسعار عالية نسبياً للمستهلك الإسرائيلي. ونوهت صحيفة “هارتس” في عددها الصادر، أمس، إلى أن حكومة نتنياهو ترفض بيع الغاز بأسعار “معقولة” وتصر على بيعه بسعر أعلى مما يباع في معظم دول أوروبا.
من ناحيته قال سيلفان شالوم وزير الداخلية والقائم بأعمال رئيس الحكومة، إن الاتفاق مع إيران لا ينطوي فقط على تهديدات عسكرية، بل ينطوي، أيضاً، على تهديد اقتصادي جدي، لأنه يهدد مستقبل الاستثمارات الخارجية في إسرائيل ويمكن أن يفضي إلى تقليص عوائد السياحة.
ونقلت صحيفة “ذي ماركير” الاقتصادية، أمس الأول الثلاثاء، عن شالوم قوله، إن التداعيات الاقتصادية السلبية للاتفاق مع إيران يمكن أن تدفع الكثير من الشباب الإسرائيلي إلى مغادرة إسرائيل للبحث عن فرص عمل في الخارج. وزعم شالوم أن إسرائيل ستواجه التداعيات الاقتصادية للاتفاق مع إيران، في الوقت الذي ستحصل فيه إيران على 500-700 مليار دولار في غضون عقد من الزمان، وما يخيف إسرائيل أن جدوى تسويق حقول الغاز ضعيفة مقارنة بمقدرات إيران وخططها المستقبلية الضخمة لتطوير صناعة الغاز مع الشركات الدولية.
وفي مؤتمر عن صناعة الغاز العالمية، عقد في العاصمة الفرنسية باريس، الشهر الماضي، طرحت شركة الغاز الإيرانية رؤيتها لتطوير صناعة الغاز الإيرانية حتى عام 2020. وفي هذه الرؤية، التي نشرت ” العربي الجديد” جزءاً منها، قال رئيس شركة الغاز الإيرانية ونائب وزير الطاقة الإيراني، حميد رضا عراقي، إن طهران تفكر في استثمار 100 مليار دولار لتطوير صناعة الغاز وبناء منشآت تصدير الغاز للأسواق العالمية خلال الخمس سنوات المقبلة.
وأضاف، في لقاءات على هامش المؤتمر، أنه أجرى لقاءات مع العديد من كبار مسؤولي شركات الطاقة الدولية في المؤتمر.
وأشار إلى أن طهران بحاجة إلى 100 مليار دولار لتطوير صناعة الغاز وبناء منشآت التصدير، وأنها ستوفر 50 مليار دولار من جانبها، وستطلب من الشركات الدولية توفير مبلغ الـ 50 مليار دولار المتبقية من التمويل.
وبحسب خطط شركة الغاز الإيرانية، التي طرحتها في المؤتمر، فإن إيران ترغب في زيادة صادرات الغاز إلى سبعة أضعاف معدلاتها الحالية، أي إلى 200 مليون متر مكعب يومياً. كما ترغب كذلك في رفع إنتاج الغاز من 800 مليون متر، حالياً، إلى 1.2 مليار متر مكعب، يومياً، في حلول عام 2020.
ومن بين الشركات، التي عقد معها المسؤولون الإيرانيون اجتماعات، أخيراً، شركة توتال الفرنسية، وشركة تكنيب، وشركات أميركية. ولكنْ، يقول خبراء غربيون، إن شركات الطاقة العالمية ترغب في التعرف على تفاصيل عقود الاستثمار الجديدة في قطاع الطاقة الإيرانية، وعما إذا كانت هذه العقود ستحتوي على المشاركة في التطوير والإنتاج.
وكانت الحكومة الإيرانية قد أعلنت عن عقود جديدة تمنح حوافز ضخمة للشركات العالمية، التي ستستثمر في تطوير حقول النفط والغاز.
ووضعت إحصائيات شركة “بريتش بتروليوم ـ بي بي”، الصادرة، الشهر الماضي، احتياطات الغاز الإيراني أعلى قليلاً من احتياطات روسيا. وتقدر احتياطات إيران بحوالي 1193 ترليون قدم مكعبة، إلا أنها لا تنتج، حالياً، سوى 8.2 تريليونات قدم مكعبة، سنوياً، من الغاز الطبيعي. ويذكر أن حقل “فارس الجنوبي”، أكبر حقول الغاز الإيرانية، يحتوي وحده على نسبة 40% من إجمالي احتياطي الغاز الإيراني.